توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الفتاح كيليطو: التطلع الثقافي بالمغرب فقد قيمته والبورجوازية التي يمكن أن تدعم الأدب أمية (2/2)

ينشر موقع أحداث أنفو الجزء الثاني من حوار المجلة الأدبية المغربية (Magazine littéraire du Maroc) مع الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو وقد هيأ الحوار كل من عبد السلام الشدادي وماري رودوني و قام بترجمته سعيد بوخليط .
الكاتب عبد الفتاح كيليطو تساءل عن مستقبل الرواية في ظل انتشار أدب المواقع الإلكترونية


* لنعد قليلا إلى الأدب العربي، لقد اشتغلت في أطروحتك لنيل دكتوراه الدولة، على المقامات، وهو جنس أدبي عرف أيام مجده خلال الحقبة الكلاسيكية، ولعب دورا كبيرا في الجغرافية المغاربية خلال فترة القرون الوسطى، مسألة غير معروفة كثيرا. يظهر لنا في الزمن المعاصر، من الصعب جدا مقاربته. هل بوسعنا أن نبرز عبرها، رؤية للأدب العربي؟
** بسبب اللغة، والكلمات القديمة، والأنظمة الأدبية، والاستثمار البلاغي المكثف، يمكن أن يظهر بالفعل الاقتراب من المقامة صعبا، لكن ليس أكثر من "أوليس" لجيمس جويس. هو جنس حكائي، أسسه الهمداني خلال القرن العاشر، ثم طوره الحريري، قرنا بعد ذلك. هذا الأخير، قلده كثيرون، في العربية والعبرية والسريانية والفارسية... كانوا، يستهلكون المقامات، مثلما نصنع آنيا مع الرواية. لكنها، ستعرف نكسة خلال القرن العشرين، نتيجة اكتشاف الأدب الأوروبي، بحيث نكتب اليوم "ضدها". لقد تم تبني قوانين أخرى، و"اغتُرب" الأدب العربي تدريجيا عن ذاته، فصار أوروبيا بشكل واسع. زيادة على أن سياقا كهذا، غدا ظاهرة كونية، فأكبر انتصار حققته أوروبا، نجاحها في أن تفرض أدبها، على امتداد كل بقاع العالم تقريبا.
* في المقابل، ما الذي يضفي نوعية على الأدب العربي، بحيث تمثل داخله المقامات، جنسا قائما بذاته؟
** حينما نتحلى بالصبر، لقراءة المقامات، نتمثل غناها الكبير. إلى جانب الأطروحة، التي هيأتها في موضوعها، فقد قضيت وقتا طويلا من أجل تحليل المقامة الخامسة، من بين مقامات الحريري، التي قاربت الخمسين. ثمرة ذلك، كتاب صغير، عنونته ب: الغائب. لايشعرني رغم ذلك، باستياء شديد، مادام لا يلائم مضمونه الحديث عن ما ميز الأدب العربي، أي ما يضيع ويستنزف حين ترجمته في نسخة فرنسية عن المقامات، نجدها ذات نفاذ سهل نسبيا، انتفت منها، تلك الكلمات العتيقة، والإيقاع، والإحكام، أي ما يشكل خاصية لها، وغاب التلاعب بالألفاظ، مما يخلق لدينا الشعور بالسطحية والابتذال، بخلاف ألف ليلة وليلة، التي انتهت سليمة، مجازفة انتقالها نحو لغات أخرى. لذلك، لازالت المقامات في انتظار دائم، لأنطوان غالان آخر، من سيجعل ترجمتها، حدثا تاريخيا.
* هل اشتغالك الطويل، على المقامات، أثر في ماكتبته؟
** لقد اخترت دراستها، نتيجة ماتطرحه من صعوبة، فهي تجسد تحديا سواء للباحث كما المترجم. يبدو أن الأوليبيون oulipiens منشغلين بهذه المسألة. أثناء لقاء علمي، نظم حول جورج بيريك Pérec، في كلية الآداب بالرباط سنة 2000 عنونت مداخلتيب : "بيريك والحريري". هل يعرف بيريك الحريري؟ هل اطلع على كتاباته ؟عموما، لقد أحال عنه في روايته :الحياة دليل للاستعمال. وكذا مواضع أخرى. يضاف إلى هذا، أن باحثين اجتهدوا بخصوص دراسة العلاقة المحتملة بين المقامات والرواية الشطارية الاسبانية أثناء القرن 16عشر. يشترك، أبطالهما في سمات عديدة: الهامشية، حثالة المجتمع، القناع، السخرية الصريحة، الدموع الخبيثة، التقلبات، وتغيير الاتجاه.
* المقامات التي ألفها كبار الكتاب الكلاسيكيين، تبقى فريدة، كما قلت. أما الأخرى، المنسوبة إلى الكتّاب المغاربيين، فتبدو جد باهتة. لكن إذن، كيف تأثرت بها؟ ثم وفق أي صيغ؟
** الأوقات الطويلة، التي قضيتها بصحبة النصوص العربية القديمة، أثرتني في العمق، مثلما حدث لآخرين، صحبة نصوص إغريقية أو يونانية. بلا شك، هناك صدى لتلك الجلسات، على خيالاتي. موضوع تلك النصوص، هو الأدب والأشكال الأدبية، نصوص قصيرة في الحالتين، مستقلة حتى مع ارتباطها بالمجموع المنطوية في إطاره. عودة البطل.
* ماهي ميزة الأدب الكلاسيكي في نهاية المطاف، ولماذا عجز عن الصمود، لحظة لقائه مع الأدب الأوروبي؟
** لقد تغير التعليم، وتعددت رحلات الطلبة والدبلوماسيين ورجال الأدب إلى باريس ولندن. صار تعلم الفرنسية والانجليزية، ضرورة، ولكي أجمل، كانت هناك جاذبية، تمارسها النصوص الأدبية الفرنسية والانجليزية والايطالية والاسبانية. إذن، تغيرت على نحو تدريجي، القوانين الأدبية الكلاسيكية (التي ضاق نَفَسها في غضون ذلك) فأقصيت كما يقع لأنظمة اللباس والطبخ والمعمار... كل ذلك على أساس قاعدتي الإغواء والعصيان.
* تقريبا كما قال ابن خلدون: المغلوب يقلد دائما الغالب. لكن أبعد من ثنائية هذه العلاقة، ألا ينطوي الأدب العربي الكلاسيكي على شيء، لايسمح له بالتعايش مع الأدب الغربي؟
** لا يُقلد، دائما الغالب، من طرف المغلوب. انتصر الرومان، مع ذلك، سعوا إلى تقليد الإغريق... ما الذي يصمد ضمن النصوص العربية الكلاسيكية؟ فتتعذر ترجمتها، بل –وإلى حد ما – لا تثير رغبة ترجمتها، فبقيت محفوظة لنخبة في اللغة العربية. أيضا، قد تعطي الانطباع بكونها منغلقة بإحكام. أصلا، عِيب عليها في الماضي، تعذر التعبير عنها، فكان ذلك نقطة ضعفها (إن لم يجسد هالتها). بالتالي، فنادرا هم غير العرب، كما الحال مع أندري ميكيل، من اهتموا بالقصيدة العربية الكلاسيكية.
* نعثر ثانية على هذا الانقسام الثنائي بين ثقافة النخبة وكذا الثقافة الشعبية، حينما نضع ألف ليلة وليلة مقابل الأدب الكلاسيكي. أنت أيضا، اشتغلت كثيرا على ألف ليلة وليلة، لاسيما في كتابك: العين والإبرة. ماذا بوسعك القول عن هذا التراث، الذي يشكل اليوم جزءا من الأدب الكوني؟
** نعم بالفعل، ينطوي ألف ليلة وليلة على حمولة كونية، بل بوسعنا إلى حد ما، استباق القول، بالتأكيد على أن الأدب الأوروبي، عرف هزة صغيرة بداية القرن 18عشر، لما ترجم أنطوان غالان، للمرة الأولى، ألف ليلة وليلة وقدمها لأوروبا. فمن هو الكاتب الأوروبي، الذي لم يشر في لحظة من اللحظات، إلى حكايات شهرزاد؟ هو، الكتاب العربي الوحيد، المعروف، على امتداد العالم قاطبة. في المقابل، هل يستشهد أحدهم بالمتنبي؟ مع أنه شاعر عظيم، يظل مع ذلك غير معروف، خارج الفضاء العربي. المثير في الموضوع، أن المثقفين العرب، الذين استخفوا فيما مضى بألف ليلة وليلة، يحاولون اليوم اقتفاء آثار استمالة رضا الأوروبيين، حول هذا الكتاب، كي يحصلوا في المقابل على اعتراف منهم، بخصوص مايكتبونه.
* هل يمكننا الاهتداء ثانية في كتابتك، على صدى، لألف ليلة وليلة؟
** أحيل عليها غالبا، فيما يتعلق بمحكياتي. في كتابي: خصومة الصور، تمثل السيدة "ر"، بصيغة ما، شهرزاد جديدة. أما في: حصان نيتشه. فهناك تلميح إلى القرد الخطاط... أيضا، تيمة الكتاب القاتل، اشتغلت ثانية في حكاية: المكتبة، وربما في نصوص ثانية.
* نتكلم اليوم عن تجديد في الحكاية، على طريقة الخرافة؟ ماذا تظن؟
** لا أعرف قط، هذا الاتجاه الجديد.
* أكدت في إحدى كتاباتك الحديثة، أنه لايمكننا التكلم عن أدب مغربي، هل تعتقد ذلك حقيقة أم مجرد نزوة؟
** هي مٌزحة، لكنها محكومة بأساس. الحديث عن أدب، يقتضي أن نطرح، على الأقل، نقطة بداية، يتموقع معها الأدب المغربي؟ وقد شرحت هذا الأمر في مكان آخر: تبدو إلي سنة 1954، تاريخا دالا في نطاق كونه توافق مع وضع قانون التنظيم المدني، خلال تلك الحقبة صدر: العلبة المدهشة لأحمد الصفريوي، وكذا الماضي البسيط لإدريس الشرايبي، ثم في الطفولة لعبد المجيد بن جلون. نصوص، يمكن اعتبارها بكيفية ما، شهادات ميلاد. أدب، استفاض في السيرة الذاتية، مع تركيز على الطفولة، سمة تميزها عن السيرة الذاتية الكلاسيكية، حيث لا يوجد الطفل قط عمليا. بوسعنا، أن ندرج في نفس الإطار، الذاكرة الموشومة لعبد الكبير الخطيبي، ولعبة النسيان لمحمد برادة.
* نعود إلى السؤال المطروح منذ قليل: في لحظة ما، لم يعد بإمكان الأدب العربي، أن يٌكتب مثلما كان يٌكتب. أخيرا، تضع شهادة ولادة للأدب العربي الحديث، عبر استعارة نموذج أوروبي. لماذا اقتبس الأدب المغربي، السيرة الذاتية أو الخيال السيري؟
** نعلم أن الأدب المغربي، "متأخر" عن الأدب المصري أو السوري- اللبناني، اللذين تعود شهادة ميلادهما إلى نهاية القرن 19 عشر، ولكي تتحقق الرواية، تلزم شروط خاصة، وجماعية أيضا. لا أعلم، إن لامسنا عهد الرواية.
* نعلم أن الرواية مرتبطة جدا، بولادة بورجوازية معينة. فيما يخص، حالة المغرب لم تعثر بعد الرواية على انطلاقتها، ألا ترتبط هذه القضية بتطور مجتمعي؟
** هناك ماأشرت إليه سابقا: فتوة الأدب المغربي، (أقصد حداثة عهده) في حين اعتاد المصريون على الثقافة الأوروبية، منذ غزو نابليون لبلدهم.
* هل تضع كتاباتك ضمن هذه الفتوة التي لازالت تكتنف الأدب المغربي؟ أو تعتبر أنك تعيش بالأدب منفى خارج بلدك، ساعيا إلى أن تعيش وتكتب في إطار منفى داخلي؟
** نعم حسب قوة الأشياء، أكتب في إطار هذه الفتوة. لم أعتبر، نفسي قط منفيا، في أي من اللغتين. لكن، ألا تشكل القراءة صيغة منفى؟
* هل تصبو إلى كتابة رواية، بالمعنى الأوروبي للكلمة؟
** لماذا المبادرة إلى ذلك؟ يطرحون علي، غالبا سؤالا كهذا.. إنه، طريقة لتحييد ما أنتجته سابقا، واعتباره مجرد مسودة، ثم يلزم الانتقال إلى الأشياء المهمة... لكن ينبغي الاكتفاء بما كتبته إلى الآن، صفحات، فقرات، شذرات. من يعلم، بما يخفيه المستقبل للأدب؟ هناك تفضيل للرواية، لكن هل ستواصل احتلالها المرتبة الأولى، قياسا لتطور أدب المواقع الإلكترونية؟
* ماهي العلاقة التي تراها بين الكتابة والتطور المجتمعي؟ ألا نعيش موضوعيا ضعفا، بخصوص كتابة الروايات؟
** روايات، لأي قراء؟ في نهاية المطاف القارئ من يخلق شروط الأدب. لنتذكر، أنهن النساء بشكل خاص، المستهلكات الكبيرات للحكايا، هن اللواتي بعثن مصير الرواية منذ القرن 17 عشر. أين نحن في المغرب، من هذا الوضع؟ أريد القول، أن البورجوازية المفترض أن تلتقي حولها فئات واسعة من القراء، هي أمِّية. لكن ماجدوى، مهاجمة هذه الفئة المجتمعية؟ بل، على الكتّاب أن يخلقوا قراءهم. بمعنى من المعاني، استطاع محمد شكري، هذا الأمر، عبر "الخبز الحافي": جانب من الانتهاك، أثار فضولا واسعا.
* ماعدا شكري، هل يعني تصورك، أن الأدب المغربي، لن يكون انتهاكيا؟
** يمكننا القول، أن شكري، أتى خلال اللحظة المناسبة، بوجود رقابة: لقد انعكست نتائج ذلك على الخبز الحافي، إيجابا وسلبا، مثلما حدث سابقا مع "الماضي البسيط" لإدريس الشرايبي، على نحو ما، ولأسباب أخرى.
* هل يمكننا أن نضع عند نفس المستوى، نجاح الخبز الحافي، مع النجاح الذي لقيه ماكُتب حول معتقل تازمامارت؟
** حاليا، ظهر بأن هذا النوع من الكتابة عن تازمامارت، استمال كثيرا من القراء. لكن النجاح للأسف، لايكون قابلا للتحكم فيه. أحيانا، يأتي بنتائج عكسية. لقد حظي "الخبز الحافي" بشهرة، على حساب باقي مؤلفات شكري، مما جعله يشتكي من هذا الوضع.
* يمكننا الرجوع مرة ثانية، إلى سؤال اللغة. ماهو نوع الإشكال، الذي واجهته وأنت تبحث لخلق، مثل كل كاتب، لغتك الخاصة بالعربية والفرنسية؟ وتكملة لهذا السؤال، ماهي العوائق التي صادفتها، باعتبارك كاتبا، واصطدمت بها، وتحتم عليك تذليل عقباتها؟
** أحيانا، لا أشعر بالرغبة في الكتابة، بحيث أصاب بكسل، قد يستغرقني لمدة طويلة، تقارب ستة أشهر. مع ذلك، لاينبغي الاستسلام، لفتور الهمة، بل يجب مواصلة رفع التحدي. غير أن العائق الأساسي، يكمن في بناء الجمل، ونظام الكلمات، والترقيم. قد تقضي يوما رديئا، بسبب هاجس، إيجاد الحيز المناسب لفاصلة.
* قد تتجلى عوائق لاواعية. مثلا، عدم وجود قراء، ربما يكون له على الكاتب، مفعول صدمة قوية جدا. في حالة انتفاء، صدى لعمله، فلا يمكن لهذا الكاتب الاحتفاظ، بنفس الوعي نحو مايقوم به؟
** إذا انعدم وجود القراء، أو كان عددهم قليلا، فهذا يمثل امتيازا: تتجنب أن تعيش تحت ضغط إصدار كتاب كل سنة أو سنتين، هكذا تعمل حسب إيقاعك.
* هل حقا تكفيك زمرة صغيرة من القراء، ولاترغب في أن تكون مقروءا من طرف عدد أكبر؟
** أتوفر، على قراء. بعضهم، يعود إلى نصوصي بالعربية، وآخرين يستندون على تلك الصادرة بالفرنسية، بينما فريق ثالث يقرأني عبر الترجمة إلى الانجليزية والايطالية والاسبانية... الأصداء، التي تصلني، بهذا الخصوص مشجعة، وأتأثر جدا، بما تبديه مؤلفات ومقالات وأعمال جامعية، من اهتمام بعملي.
* أعود من جديد، إلى هذا السؤال المتعلق باللغة. خارج ازدواجية لغتك العميقة جدا، كيف تتبلور لديك تجربة الكتابة؟ هل من روابط وكذا انتقالات فيما بين اللغتين ضمن كتابتك؟
** جل كتاباتي السردية الخيالية، صدرت باللغة الفرنسية، هذه حقيقة. عند مستوى آخر، تجدر الإشارة، أن مختلف منجزي بالفرنسية، تُرجم على الفور إلى اللغة العربية، أحيانا بدون علمي. في المقابل، تأليفي بالعربية لم ينقل إلى الفرنسية، باستثناء ترجمة حديثة العهد، لكتاب: لن تتكلم لغتي.
* هل تُرجم كتابك: الغائب؟
** ليس بعد، وبالرجوع إلى: لن تتكلم لغتي، فالصدفة وحدها، أرادت أن تظهر في نفس الآن، ترجمته الانجليزية. إنها، المرة الوحيدة، التي انتقل فيها إلى لغة أخرى، كتاب ألفته بالعربية.
* هل لديك الانطباع، أن تيمات تشغلك، تعود باستمرارفي كتاباتك؟
** تيمة الثنائي ونظرائه. تتواتر الشمس والقمر والظل والانعكاس والطيف. أيضا، نجد موضوعات أخرى: كتاب، خزانة، مخطوطة ضائعة، هذيان ذهاني، سوء تفاهم معمّم...
* هل الأكثر قوة في كتاباتك، حياتك الشخصية، أو بالأحرى تجربتك الذهنية والأدبية؟
** أعتقد أن الكتابة، تفصلنا قليلا عن أنفسنا، بإطلاقها العنان للكامن وكذا إمكانيات الوجود. تغدو الحياة الشخصية فقيرة بشكل يرثى له (تماما كالأحلام، عندما نفكر في حكيها) إذا لم يدعمها عمق أدبي. من هنا، تنطوي نصوصي، على مقتضى استعادة الماضي، ولعبة إيحاءات لا يخطئها قارئ فطن. في كتاب حصان نيتشه، تحمل أمينة المكتبة اسم "أليس" إحالة على "أليس في بلاد العجائب"، ثم مدرِّسة تسمى الآنسة "لورانسن": بالنسبة، لقارئ "مثالي"، فهي تذكره بالرسامة لورانسن، عاشقة وملهمة غيوم أبولينير. لاينبغي قط، أن ننسى بأن سردا، لايصنع فقط بالكلمات ولكن الحكايات كذلك.
* سؤال أخير، سوسيولوجي. كيف تظهر لك الحياة الفكرية والأدبية، في المغرب الحالي؟
** اليوم فقط، قرأت في موضع ما، أن السياسة شيء جدي، لا تتساهل سواء مع الدعابة أو السخرية، على العكس من الأدب. توجد في المغرب، العديد من السجالات على صفحات الجرائد، والتلفاز. لكن، ماذا عن الأدب والعلوم الإنسانية...سأقدم مثالا، خلال سنوات السبعينات والثمانينات، كنا نستضيف إلى كلية الآداب بالرباط، نقادا كبارا، كي يتحدثوا لنا عن أعمالهم: بارت، جنيت، تودوروف، غريماس. كان، المدرّج غاصا بالحضور. أما اليوم، فبإمكانك استدعاء حتى كلود ليفي ستراوس (لازال على قيد الحياة وقت إجراء الحوار)، لكن لن يحضر للاستماع إليه، سوى القليل. عموما، لقد ضعف التطلع الثقافي، وفقد قيمته. أقول هذا، مع التأكيد في نفس الآن، على حرارة التفاعل التي تسود بعض الأمكنة مثل المعهد الفرنسي والمكتبة الوطنية وفيلا الفنون، فضاءات تجذب جمهورا من عيِّنة خاصة.
* منذ عشر سنوات، برز بعض الكتّاب المغاربة، إناثا وذكورا، في أوروبا أيضا، هل تابعت هذه الحركة؟
** قليلا جدا، ودون مايكفي، كي أتحدث عن الموضوع.
* من هم الكتّاب المغاربة، الذين يشعرونك أنك قريب منهم؟
** الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي، الذي ترجمت أحد مؤلفاته المهمة، المعنون ب: في الترجمة. إلى اللغتين الفرنسية والاسبانية. أيضا، أقرأ بتأن، ما يكتبه عبد الله العروي.
* آخر سؤال، هل تعتقد أن مبادرة إنشاء مجلة أدبية في المغرب، تتوافق مع رهانات مهمة؟ فهل من إمكانية للتطور؟
** فعلا، نفتقد إلى مجلة أدبية، بالتالي لايمكن سوى تثمين خطوة كهذه. أعتقد، أن هذه المجلة ستشجع على الكتابة، وتخلق قارئين ثم تكرس حركة أدبية. سأتشرف، شخصيا، كي أكون "أحد رفاق الدرب". لقد استفدت كثيرا، من مجلات ك"الشعرية" في ميدان النقد الأدبي، مع أننا نسينا قليلا التأثير الذي مارسته هذه المجلة سنوات السبعينات والثمانينات.
هيأ الحوار: عبد السلام الشدادي وماري رودوني
ترجمة: سعيد بوخليط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.