ينشر موقع أحداث أنفو الجزء الأول من حوار المجلة الأدبية المغربية (Magazine littéraire du Maroc) مع الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو وقد هيأ الحوار كل من عبد السلام الشدادي وماري رودوني و قام بترجمته سعيد بوخليط . الكاتب عبد الفتاح كيليطو قال إن أغلب الكتاب المغاربيين يكتبون ويفكرون في إطار لغتين
* كيف صرت كاتبا؟ ** لدي بعض التحفظ، في أن أعتبر نفسي كاتبا. وإذا لزم الأمر، فأنا مجرد ممارس لنشاط، مستعيدا بهذا الخصوص منظور رولان بارت. أما كاتب، فتبدو إلي، مغالية في الادعاء، لأن إنتاجي الأدبي، ضعيف جدا، وقد أنجزت بالأحرى عمل صاحب محاولات. مع ذلك، فحلم الكتابة لم يفارقني قط، ربما منذ أن تعلمت القراءة. إن قارئا، يهتدي تقريبا بوعي، كي يحاكي ويقلد ويحتذي بما قرأه. وخلال يوم، سينبثق الشرط الحاسم، مثلما حدث بشكل رائع مع فيكتور هيغو، في سن الرابعة عشر: (سأصبح شاتوبريان أو لا شيء). ميولات، تولد أحيانا، مع قراءة سير الكتّاب، ثم يتراءى نموذج ما، فتقول لنفسك: سأجرب بدوري. فيما يخصني، هناك سبب آخر، قادني نحو الكتابة. وأنا تلميذ، كنت ضعيفا في المواد العلمية، لكني "قويا" كفاية في التأليف بالفرنسية والتعبير الإنشائي العربي. فماذا بوسعي، أن أفعل، سوى الكتابة حول هذا الموضوع أو ذاك، في صفحتين أو ثلاثة. تواصل هذا الأمر، بحيث لا يتجاوز حجم مقالاتي، هذا العدد. * هل تكتب نتيجة عشق للغة ولذة الحكي، أو لحاجة داخلية، سعيا لكي تبلور شيئا، لاتدركه لكنه يجبرك على الكتابة؟ ** هو رهان، لا تقتسمه بالضرورة مع الآخرين، بل، مع ذاتك، محاولا أن تنهض به. أيضا، الإيمان بفضيلة العمل، وثمرة المجهود. في البداية، النص لاشيء، مجرد خليط وركام وسديم مضطرب، لكن رويدا رويدا، ويوما بعد يوم، يأخذ شكلا، ثم أخيرا، لابأس. * هل توجد لحظة محددة، تتملكك أثناءها رغبة أن تلتمس من الآخر، قراءة ماكتبته؟ ** عرضت نصوصي على أساتذة لقراءتها، وبدا بأنهم ثمنوا كتاباتي. كان بوسعي، أن أبدأ مبكرا جدا مسارا أدبيا، لكن خارج المدرسة ينعدم كل تحفيز يمكنك الاستناد عليه، فلا شخص يطلب منك أن تكتب، بل يسعون بالأحرى تحويلك عن اتجاهك. الانزعاج، الذي تكشف عنه عيني أحدهم، حينما تطلب منه رأيه في نصوصك... فضلا عن هذا، اعتُبر ولازال التصور قائما إلى اليوم، بشكل واسع، أن دراسة الأدب، مثل نشاط كسول، طفيلي، يناسب فقط الحالمين غير الموهوبين، في المواد الجادة.. * هناك خرق، تحتم إنجازه؟ ** خرق، ربما كلمة قوية جدا. لنقل، بالأحرى، هو منفى اختياري في الأدب. أنت متواجد بين ثنايا مايخصك، لكن فكرك منشغل بأشخاص آخرين، يسكنون قراءاتك... * هل تتذكر نصا كتبته، فشكّل نصك الأول، ككاتب؟ ** في سن الرابعة عشر، بعثت إلى الراديو نصا سرديا بالعربية، باسم مستعار، أذيع ضمن برنامج أدبي. ثم كتبت نصا ثانيا، بتوقيعي هذه المرة، لكني لم أحتفظ به. * هل يمكننا الآن، أن نصدر، هذا النص الأول؟ ** لا وجود له، لقد أتلفته، مثلما فعلت مع مختلف ماكتبته خلال تلك الحقبة، ثم فيما بعد: قصائد وسرد. * لماذا أتلفتها؟ * في قرارة نفسي، كان لدي إيمان (لايهم إن كان مبررا أم لا؟)، نحو التطلع، لكن في ذات الوقت، انتابتني لحظات طويلة من الشك المؤرق: ما جدوى ذلك؟ كذلك، قراءاتي لم تكن مرتبة، بحيث أتحمس لكاتب أو عمل، لكن سرعان ما تتحول مشاعر الحب، إلى عدم الرغبة في سماع شيء عنه، فألقي بالكتب جانبا... تصرف، من تصرفات الحرية، إذا أردنا. لقد خصصت بحثي في السلك الثالث، إلى فرانسوا مورياك، لكن مباشرة بعد مناقشة الأطروحة، تخلصت من كتبه، وكنت مضطرا كي انتقل إلى شيء آخر. أنفصل عن كتبي، كما النصوص التي أكتب. هناك سؤال طرحته، وأنا أقرأ بروست: كيف بوسع المرء، أن يكتب ويجرؤ على الكتابة، بعد نص: البحث عن الزمن الضائع؟ إلى اللحظة، تبينت أنه إذا تخلينا عن الكتابة، نتخلى كذلك عن القراءة.هما عمليتان، مترابطتان حميميا. فحينما تقرأ، تؤلف في نفس الوقت، روايتك الخاصة. مثلا، تتكهن بنهاية ليست بالضرورة، تلك التي توقعها الكاتب. أيضا، كم هي المرات التي تشرئب، فيها نحو إعطاء، تتمة إلى الحكاية التي أتيت على قراءتها ! * أعود إلى تأكيدك الأولي: أنا مجرد ممارس لنشاط وليس كاتبا، بالتالي، يوجد كتّاب يستحقون التسمية، وآخرون ليسوا كذلك؟ ** حتى، أكون مختزلا، يظل الأسلوب هاجسا أوليا لدى الكاتب، بينما ينحدر إلى مستوى ثان، عند غيرهم. نستعيد هنا كلمة بول فاليري: (يكلف الأسلوب، غاليا). * ألا يمكن القول كذلك، أنه كي تكتب يلزمك في الآن ذاته، نسيان ماقرأته، وأن نمارس فعل قطيعة مع قراءاتنا، مثلما أنه بعد قراءة بروست، يلزمك التخلص منه كي تكتب؟ ** يمكننا محاكاة، أو توهم أننا نحاكي بروست. في الغالب، قارئو البحث عن الزمن الضائع، يحلمون بكتابة سيرهم. لكن الكاتب الذي لم ينجح أحد في إعادة نمذجته هو كافكا، بحيث تميز عالمه بفرادة شديدة، يستحيل مضاهاته. جازف موريس بلانشو، لكنه لم يكن مقنعا. * نعود إلى السؤال الجوهري: ماهي علاقتك الشخصية بالأدب؟ ** لا أذكر، انقضاء يوم واحد، دون أن أتصفح كتابا، وحينما كنت شابا، أشعر بالغضب، عندما ألمح من حولي لايقرؤون. أزن، ببساطة حقا، كل ما يخسرونه، جراء عدم اكتراثهم بالأدب. بالنسبة للبعض، لقد تعودوا على النصوص المقدسة، والكتاب بالنسبة إليهم، يبقى القرآن، ثم الكتاب المدرسي الذي تلزمه سلطة المعلم والأستاذ، مما يعكس كذلك نوعا من القداسة. خارج هذا الإطار، يشعرون بالتيه، ولا رغبة لهم بالقراءة. مع ذلك، أي سعادة تغمرك، حينما تتحسس وأنت طفل، قدرتك على أن تقرأ بمفردك كتابا! هذا يطبع أول كتاب، نجحنا في قراءته. * بالنسبة إليك، فالأدب إذن حيوي، بأي معنى؟ ** الكاتب، هو نظرة غير مسبوقة إلى العالم، ومع كل مرة تختلف النظرة. حينما تضع أياديك على كاتب كبير:سيلين، بيكيت، كونديرا، بيريك... فهذا يشكل وحيا، ويحدث صدمة، كما حدث معي، لما قرأت لأول مرة: مائة عام من العزلة. فمنذ الجملة الأولى، يسري مفعول السحر ثم يهتز العالم. أيضا، يخلصنا الأدب من أفكارنا السيئة. أحيانا، نظن بأننا الوحيدون، الذين يضمرونها، لكن حين نتصفحها في الكتب، تغدو بالتالي مشتركة. * هل تكتشف ذاتك، بل وذواتا أخرى، حين تكتب مثلما تنظر بطريقة مغايرة إلى العالم؟ ** لقد كنت دائما، مشدوها نحو عنوان لبودلير: صار قلبي عاريا. ربما، هكذا الكتابة. * في كتابك: خصومة الصور، تستحضر الرسوم المتحركة؟ فأي دور لعبته بخصوص تكوينك؟ ** لقد تعلمت الفرنسية، بفضل حكايات الرسوم المتحركة. اشتريت كمية كبيرة منها، من بائع للكتب في المدينة. هكذا بسنتيمات معدودة، تعيش عالما مدهشا. * هل تذكر، أول كتاب قرأته؟ ** ألف ليلة وليلة، لكني أظنه استيهاما، وإعادة بناء للماضي. أيضا، "حرب النار" أو "آخِر الموهيكان "، اكتشفت مبكرا جدا المنفلوطي، ثم صادفت نصوصه ثانية في المدرسة، وقرأتها كلها. بدون أن يعرف كلمة واحدة عن لغة موليير، ترجم المنفلوطي كتبا من الفرنسية إلى العربية: بول وفيرجيني، سيرانو دي برجراك، غادة الكاميليا... لقد، حكوا له مضامينها، ثم أفرط في اقتباسه، لكن كم رائع أسلوبه وخطابه! وكم كان تأثيره قويا، على القراء المنتمين إلى جيلي! بفضله، سكنتني رغبة الكتابة، باللغة العربية. * الأدب الشفوي، من الأهمية بمكان، ضمن نسيج الأدب المغربي، فهل لعب دورا كبيرا في تكوينك؟ ** نعم الحكايات، والمسلسلات الإذاعية، على سبيل الذكر مسلسل "الأزَلية"، بحيث تبدو شوارع الرباط فارغة لحظة بداية بثها. سرد الحكايا، داخل أفراد الأسرة الواحدة، كان تخصصا نسائيا. لا أعرف، إلى أي حد لعب الأدب الشفوي، دورا في تكويني. خلال تلك الحقبة، لم تكن النظرة إليه سليمة بما يكفي، أو شابتها العجرفة. غير أن الأشياء، تغيرت فيما بعد. سندرك خارج أسوار المدرسة، بأنه موضوع جيد للتأمل. * أعود إلى شغفك بالرسوم المتحركة، هل أثرت في طريقة كتابتك؟ ** بالتأكيد، لقد استحضرت في كتابي: خصومة الصور، شخصية "ميكي لورانجر"، مراهق يصطحبه رفيقان الأستاذ "سينيي" و"دوبل روم"، كلاهما مدمن على السكر. أما، ميكي فلا يشرب سوى الحليب. هكذا، حينما ولج مقهى، طلب حليبا، مما عرضه لسخرية رعاة البقر، فكان مجبرا على العراك كي يدافع عن حقه، لتناول مشروب الحليب، وليس نبيذ الويسكي مثلهم. هذا المقطع، يلزمك مدى الحياة، أي الحق في الاختلاف. بالتأكيد، أتماثل هنا مع شارب الحليب. * هل من كتّاب، خلال طفولتك، أثروا فيك أكثر من آخرين؟ وخلقوا لديك صورا قوية لتغذية كتابتك؟ ** نعم رواية مثل "موبي ديك"، وشيئا ما، ديستويفسكي، فيما بعد. كثير من المراهقين، يشرعون حين قراءته، في التصرف مثل شخصياته. يهيمن عليهم الصمت، ويبدون كأنهم متكبرون، ينزاحون عن محيطهم، ويتوخون التميز بإفصاحهم عن أفكار جريئة. المدهش، أننا نتماهى مع أغلب شخصيات الكاتب الروسي، وليس فقط بطل الرواية، إن كان واحدا. الأمر، ليس كذلك، مع الإخوة كرامازوف. * هناك سؤال أكثر دقة شيئا ما. أنت، صاحب تكوين مزدوج في الأدبين العربي والفرنسي. كيف، ينتظم لديك الرافدان، هل يتصارعان أم يتعاونان؟ وهل يهيمن أحدهما على الثاني؟ ** منذ طفولتي، قرأت باللغتين. نستفسر، كاتبا حول اللغة، التي يكتب بها، لكننا لانسأله أبدا عن لغته للقراءة. مع ذلك، هو إشكال يجدر طرحه على كل كاتب مغاربي. من جهتي، أفضل عدم التدخل في الترجمة، لكن حينما يلزم الأمر، أحب بالأحرى، أن أترجم من الفرنسية إلى العربية، عوض من العربية إلى الفرنسية. هذا دال (صحيح أني تعلمت القراءة والكتابة بالعربية، قبل بداية تهجي للفرنسية). هل تتصارع اللغات؟ لقد قاربت الإشكالية، في مؤلفي: (لسان آدم) و(لن تتكلم لغتي)، ربما هو موضوع كل نصوصي. كتابي الآخر، المعنون ب: (حصان نيتشه)، كان من المفترض صدوره بداية باللغة العربية، وأحتفظ له بمسودة مكتوبة بهذه اللغة، مغايرة للنص مثلما ظهر في صيغته النهائية. لماذا تحولت إلى الفرنسية؟ بلا شك، للتخلص من حالة عجز، ربما ما استطعت إتمام هذا الكتاب، لولا منفذ الفرنسية. * هل لديك الانطباع، أنك تعبر عن بعض الأشياء بواسطة لغة خاصة أكثر، أو لا تهتم بالأمر؟ ** أقول، دون تمييز. يسهل الإقرار، أننا أكثر حرية مع الفرنسية، لكن ذلك مجرد أسطورة، على الأقل فيما يخصني. * مع ذلك توجد نصوص مهمة، عبرت عن نفسها بالعربية وأخرى بالفرنسية، هل تخبرنا عن الدافع الذي جعلك تكتب، بلغة دون أخرى؟ ** لا ينبغي أن ننسى ظاهرة "الطلب" الجامعي أو الودّي. إذا كتبت، عملي (الكتابة والتناسخ)، فلأن تزفيتان تودوروف، شجعني للتفكير في تجميع مقالاتي (نشرت أشياء صغيرة على صفحات مجلات"poétique"و"studia islamique " ومواقع أخرى)، بشكل يجعل منها كتابا ينطوي على انسجام ما. بالتالي، بغير تحفيز اقتراح تودوروف، ما استطاع هذا العمل أن يرى النور. * في هذا الحالة، يتعلق السياق بلقاء؟ ** نعم هو لقاء، لكن مع محاور موهوب. * هل من مخاطبين آخرين، وجهوك كي تكتب، وتطور بعض أفكارك، وسبر أغوار حقول معينة؟ ** نعم أنا ممتن إلى محمد أركون، وأندري ميكيل، ولوسيت فالونسي Valensi،وروث غروريشار Grosrichard . * أعود مرة أخرى إلى سؤالي السابق، ألا يوجد داع خلال لحظة ما، يجعلك تكتب بالعربية أو الفرنسية؟ ** نعم، بالتأكيد هناك مبررات عميقة، لكن ما يتحتم قوله بهذا الخصوص، أن راحتي (إذا جاز استعمال هذه الكلمة)، تظل المصدر الموجه لاختياري. حين، أشعر أثناء الكتابة بالفرنسية، أني وسط طريق مسدود، أعيد كل شيء بالعربية، وأفعل ذات الأمر في الاتجاه المغاير. تضيع وقتا كبيرا، لكن من يدري، ربما ليس الأمر كذلك. في كتابي: خصومة الصور، فإن الفصل المعنون،ب: بنت أخ دون كيشوط، صدر بداية بالعربية، ولم تكن وقتها فكرة الكتاب حاضرة لدي. بوسعي، تقديم أمثلة أخرى، وأعرض مسودات غير مكتملة بعد. * في نهاية المطاف، لغتك ككاتب، هذه اللغة المزدوجة، وانتقالك من لغة إلى ثانية، معطى شكل فرادتك؟ ** أعتقد في البلدان المغاربية، كل كاتب تقريبا يكتب أو يفكر في إطار لغتين، بحيث لا أعرف نصا "خالصا". * مع ذلك هناك كتّاب، ليس في مقدورهم سوى الكتابة بلغة واحدة، تعلموا العربية العامية خلال طفولتهم، لكن دون أن ينهلوا من معِين، الأدب العربي، بكيفية متواصلة. أعرف أطباء نفسانيين وسوسيولوجيين، وكتّابا أيضا، لايجرؤون على الكتابة باللغتين؟ ** ببساطة، ودون البحث عن تفسير آخر، لأنهم لايقرؤون، باللغة الأخرى، أي العربية. * يظهر إليّ، أن تجربتك متفردة جدا؟ ** أشير إلى آخرين، مثل عبد الله العروي... * لكن ألم يكتب بعض نصوصه النظرية بالفرنسية، والأكثر أدبية بالعربية؟ بالتالي، ليس الأمر عفويا، مثلما قلت. لقد قرر: الأدب، سأكتبه بالعربية، بينما كل ماهو علمي، سوسيولوجي، فسيكون باللغة الفرنسية؟ لذلك، انحاز إلى جانب كتابة الذاتي بالعربية. تصور مغاير، لوضعيتك؟ ** بالضبط، لقد كتب نصوصه الأدبية بالعربية، أما بالنسبة للباقي، فجاء بالعربية أو الفرنسية. مع التذكير، أنه انكب بنفسه على ترجمة، ما أنجزه بالعربية إلى الفرنسية. من بمقدوره في المغرب، أن يترجم من العربية إلى الفرنسية؟ أظنهم، أقلية. * إلى جانب العربية والفرنسية، فأنت عارف باللغة الألمانية، بالتالي لديك نافذة نحو الأدب الألماني. فهل لعب هذا المكون، دورا بخصوص حساسيتك الأدبية؟ ** جانب لا يمكن إهماله بالنسبة إلى تكويني. لا أستطيع، أن أقول، بالتحديد حمولة الأدب الألماني بالنسبة إلي. هكذا قرأت نيتشه وآخرين كثيرين، بالوقوف على نصوصهم الأصلية. * هل بوسعنا، العثور ضمن ما كتبته، عن ذكريات وإيحاءات للأدب الألماني؟ ** في فوست ل"غوته"، مايتعلق من بعض النواحي، باللحظة الحاضرة. يرفض، فوست أن يقول لها: توقفي، أنت بالغة الحسن. لقد استلهمت ذلك في أحد نصوصي. توقف أنت على قدر من الجمال: هذا يمثل عنوانا رائعا. لمسات طفيفة، تنبثق ثانية هنا وهناك، منها عنوان: حصان نيتشه. من بين شخصيات، هذا السرد نعثر على صنديد في القراءة، شخص كافكاوي إلى حد ما. أيضا، استفدت كثيرا، بالاطلاع على بعض كتابات المستعربين الألمان. بفضل، اللغة الألمانية، عاودت الاتصال ثانية بثقافتي الأصلية، لتهيئ دراسات حول القرآن والعلوم الإسلامية الأساسية. هو تقليد أصيل ينحدر من القرن التاسع عشر. حاليا، تتبلور مشاريع ل"جوزيف فان إيس"van Ess، حول الثيولوجيا الإسلامية، وكذا تلك التي ينجزها "فولفهارت هينريش"Heinrichs حول الشعرية العربية. كنت، سأهمل أشياء كثيرة مهمة، في حالة عدم معرفتي بالألمانية. * هل قرأت كافكا، بالألمانية؟ ** نعم من السهل قراءته، بل وقمت بذلك وأنا تلميذ في الثانوية. أيضا، قرأت بالألمانية مؤلفات كلايست kleist، فالادا Fallada،هاين Heine، بينما اكتفيت بالفرنسية فيما يتعلق ب روبير موزيل Musil،وتوماس مان Mann،وغونتر غراس Grass . * هل بادرت إلى انفتاحات أخرى، تهم الآداب العالمية؟ ** يظل الأدب الأسيوي، بالنسبة إلي لغزا، وبالتأكيد يشكل هذا ثغرة كبيرة، بحيث لم يتجاوز الأمر مجرد لقاءات عابرة...قراءة دوس باسوس passos، ستلهمني وكذلك مع جويس .Joyceفعندما تقرأ كاتبا كبيرا، لن تكون بعدها، كما السابق. ثم جاءت مرحلة اللقاء ببورخيس. لقد، كنت شيئا ما، بورخيسيا حتى قبل مصادفة متنه (تساءل ناقد إذا لم يكن الأدب العربي الكلاسيكي بورخيسيا، ثم هل من باب الصدفة أن يقع اختيار الكاتب الأرجنتيني على، ألف ليلة وليلة)، لذلك فعملي: الكتابة والتناسخ، اتسم بكونه بورخيسيا، مع أن أولى قراءاتي لبورخيس جاءت عمليا، بعد الإتمام من تأليفه. تقارب حميمي: يعجبني تواضع بورخيس الوهمي (ليس هناك أكثر غطرسة وجفاء من الخضوع الذي يظهره)، موسوعيته الحيوية، الخطاب الذي يتأمل، استشهاداته الدقيقة تقريبا، الانطباع الذي يقدمه وهو يبررها، كونه قرأ كل شيء...، سمات متعددة تميزه، جعلته قريبا، بشكل مدهش، من الكاتب العربي الجاحظ، وقد أشار إليه. هيأ الحوار: عبد السلام الشدادي وماري رودوني ترجمة: سعيد بوخليط