تواصلت أمس الخميس ببرلين أشغال الملتقى الثقافي والفني حول روح الأندلس وفاس ومهرجانها الصوفي ، الذي احتضنته قاعة الفن الاسلامي بمتحف بيرغامون ، إذ سافر الحضور في مائدة مستديرة عبر تاريخ التصوف الإسلامي وتياراته وانتشاره في عدد من القارات. وقد قاربت المائدة المستديرة التي قام بإدارتها كل من الأمير رودولف زور ليب رئيس مؤسسة " ملتقى الثقافات " بألمانيا ، والصحافية البارونة فيليتزيتياس دو شونبورن ، مفهوم التصوف ومراحل تطوره وانتشاره في العالم الإسلامي ليصبح جزءا من تراثه مع الاشارة إلى امتداداته وجذوره في فكر الأديان عموما . وأبرزت المداخلات أيضا أهم الأعلام التي ميزت تاريخ التصوف الاسلامي ، كابن عربي وابن الرومي وابن رشد والحلاج وغيرهم ، وقيم التصوف المبني على حب الله والمعرفة وسمو الروح وصفائها، وتأمل الحقائق الروحية. وقال رئيس جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية فوزي الصقلي ان ملتقى برلين يعتبر امتدادا للقاء فاس، بحضور أصدقاء وإخوة في الانسانية معتبرا أن "العبرة تكمن في استخلاص أفضل الدروس وجعل روح الأندلس تنتج ذلك التفاعل والتكامل لأرواحنا مع مختلف الثقافات والأفكار والفنون". واعتبر أن هذا اللقاء بين الغرب والشرق في ألمانيا يذكر أساسا بروح الأندلس التي ميزها تداخل الثقافات والأفكار مشيرا إلى أن هذا الفضاء بمثابة بوتقة تدعو العقل إلى خلق علاقة حية وجدلية مع الحكمة والروحانية. وهذا ، يقول الصقلي، أحد الأسباب التي تدفع إلى استكشاف أبعاد الحب والجمال وروعة الحقيقة كما قال أفلاطون وأحد الأسباب التي تتجاوز حدود الفكر الأرسطي للتفكير في المتناقض والمعقد والشعري. ويرى أن على المسلمين إعادة اكتشاف هذه "الجنة المفقودة" حيث الحب يمكن أن يستعيد حقوقه الفلسفية ليصبح من جديد قيمة روحية مشتركة . من جهته تحدث الباحث في الفكر الإسلامي والتصوف ، عبد الله الوزاني ، عن مختلف الطرق الصوفية التي ظهرت عبر التاريخ أبرزها الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني (470 ه – 561 ه) الذي عرف في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني ، وعاش في العراق ومات ودفن في إيران مشيرا إلى أن أتباع الشيخ الجيلاني واصلوا نشر طريقته في آسيا وإفريقيا وفي عدد هام من مناطق العالم . وأشار المتدخل إلى الطريقة الشاذلية المنسوبة لأبي الحسن الشاذلي المغربي الاصل ، الذي عاش فترة في المغرب ثم انتقل إلى تونس وبعدها مصر حيث توفي مبرزا أن آثار هذا المتصوف موزعة عبر العالم كآسيا وأفريقيا وأمريكا ملفتا الانتباه إلى أن لديه أتباع كثر في ألمانيا. وأوضح الباحث الوزاني أن الطرق الصوفية وإن كانت تختلف من حيث الأسلوب وسلوك المريدين، فإنها تلتقي عند المعتقدات والفكر . وكانت كلمة باسم سفير المملكة ببرلين عمر زنيبر قد ألقيت في بداية اللقاء شدد فيها على أهمية هذا الحدث ، الذي شكل فرصة لتقريب الشعب الألماني من الحقائق التاريخية للتراث غير المادي للإسلام في المغرب كدولة عريقة تزخر بإرث ثقافي غني ومتنوع. وسلط السفير الضوء على دور مهرجان فاس للثقافة الصوفية في توطيد أواصر السلام والصداقة. وأبرز السفير الجهود الكبيرة التي يبذلها المغرب لإصلاح الحقل الديني ، مشيرا على وجه الخصوص إلى إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات ، الذي يعد مشروعا رائدا لتكريس الإشعاع الديني للمملكة والتزامها بالمبادئ الأساسية للإسلام ، وكذا مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة التي تسعى إلى توحيد وتنسيق جهود علماء المسلمين في المغرب ودول افريقية أخرى ، للتعريف بقيم الإسلام السمح ، ونشرها وترسيخها. وتميز اللقاء الذي نظم بتعاون بين جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية والسفارة المغربية وإدارة متحف بيرغامون ، بتقديم وصلات للموسيقى الأندلسية والصوفية بقيادة الفنان مروان حجي الحاصل على جائزة "سفير الموسيقى الروحية العالمية" أبهرت الحضور إلى جانب فقرات لفنانين من الأندلس.