دعا محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، عشية السبت بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، إلى تأسيس إطار موحد يجمع كتاب الرواية والمخرجين السينمائيين، وذلك بهدف تجسير العلاقة بين جنسين إبداعيين يعرفان في الضفة الشمالية، وخصوصا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تفاعلا مكثفا وتكاملا بينهما، بينما تشهد هذه العلاقة بدول الجنوب فتورا وضعفا في عصر يهيمن عليه التقدم السمعي البصري. وضرب بن عيسى مثلا بالروائي الإيطالي الشهير ألبرطو مورافيا، الذي تحولت رواياته إلى أفلام عظيمة. وقال في افتتاح ندوة "الفيلم والرواية في سينما الجنوب"، أنه بغض النظر عن "اتحاد المخرجين المؤلفين المغاربة" لا يوجد ثمة ولو نادي يلتقي فيه الكتاب والأدباء والسينمائيون، متمنيا أن تتمخض أشغال الندوة عن بذرة في منبت جميل لتجذير العلاقات بين المؤلفين والمخرجين. وأورد أن المغرب يشكل نموذجا حيا للتلاقح عبر الصحراء بين كل الأفارقة، إذ لا يميز بين أفريقيا سوداء وأخرى بيضاء. وأشار إلى أن أشهر الأدباء والسياسيين والسينمائيين في القارة السمراء مروا من منتدى أصيلة وكان من ضمنهم الشاعر والرئيس السينغالي ليوبولد سيدار سنغور. وتمنى في الأخير تأسيس منتدى عربي أفريقي أمريكولاتيني للمؤلفين والمخرجين. المخرج سعد الشرايبي قدم باسم "اتحاد المخرجين المؤلفين المغاربة" في ورقته المقتضبة الخطوط العريضة للندوة، التي سبق أن عالجت قبل سنتين بالدار البيضاء الموضوع ذاته، وركزت على إشكاليتين فيه هما الأمانة عند الاقتباس من الرواية إلى السينما ثم كيف يمكن جعل السينما في خدمة الكتاب والقراءة بوجه عام. وقال إن الهدف من إفساح المجال للمؤلفين من جهة والمخرجين من جهة أخرى للتعبير عن وجهتي نظرهما هو تقوية العلاقة بين الرواية والسينما في آخر المطاف. الجامعي نور الدين أفاية قدم ورقة نظرية تطرق فيها إلى أربعة عناصر في تعيين أوجه الشبه والاختلاف بين الرواية الفيلم. فوقف عند مفهوم التخييل والصور واللغة والمونطاج ثم الاقتباس، معتبرا أن اقتباس كوروزاوا لأعمال الروائي الروسي دويستوفسكي هو بمثابة خلق لأفكار جديدة انطلاقا من الوصف اللغوي الروائي. وقال إن الرواية تحول الصور إلى ألفاظ ولغة وصيغ بلاغية، في حين أن السينما تحول الصور إلى صور بواسطة صور. وتحدث عن ارتباط السينما بالوهم الواقعي في حين تتصل الرواية بالوهم المجازي. ووقف أفاية عند تجربة كل من عميد الرواية العربية نجيب محفوظ والمخرج المصري الكبير صلاح أبو سيف، وقد أثمر التقارب بينهما على مستوى الأفكار والعمر والانتماء الطبقي أفلاما رائعة اقتبسها المخرج من أعمال الروائي، مثلما فعل الأمر نفسه مع يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس. المخرجة والسيناريست فريدة بليزيد تكلمت على تجربتها الشخصية في الاقتباس، التي دشنتها مع نص مسرحي للشاعر الإسباني المغدور فيديريكو غارسيا لوركا، وتواصلت مع المخرج المغربي سهيل بنبركة، ومع التراث الحكائي المغربي في فيلمها "كيد النسا"، الذي اعتمدت فيه على حكاية شعبية كانت تسمعه في الطفولة ووجدت في الأخير أن لها امتدادا في حوض البحر الأبيض المتوسط. كما أشارت إلى أنها كانت تنهل من أعمال وأبحاث فاطمة المرنيسي وعبد الصمد الديالمي. الناقد السينمائي حمادي كيروم قال إن السينما المغربية لم تزل مسكونة بالقصة ولا يمكنها بالنظر إلى عدة شروط موضوعية أن تبلغ إلى الاقتباس من الروايات العظيمة. واعتبر أن الاقتباس تفكير في الزمن رغم ما يقال عن السينما من أنها فن فضائي، موضحا أنه وعي بالمهنية، أي أن على المخرج الذي يسعى لاقتباس رواية أن يكون على وعي تام بعناصر أدبية الرواية حتى لا يسقط في مطب اقتباس حدوثتها فقط، وأن يكون في الآن ذاته على وعي بالجانب السينماتوغرافي، الذي يجعل من فيلم ما عملا سينمائيا، ثم تأتي بعد ذلك الرؤية الإخراجية المخالفة تماما للرؤية الروائية. فالمخرج الناجح في مجال الاقتباس هو الذي يخون النص الأصلي بأقصى ما يستطيعه من أمانة، حسب تعبيره. عبد العالي دمياني