كل من زار دوار بولحية، يكاد يجزم أن قطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لم يتوقف به، فلا شيء تغير، فواقع الحال لا يعكس حجم ما انفق على هذا الحي الصفيحي من اعتمادات مالية مهمة، كانت كفيلة بانتشاله من غياهب الإقصاء الاجتماعي، ليظل هذا التجمع السكاني وأشباهه عنوانا كبيرا لمآسي إنسانية متعددة الأوجه0 أطفال بأعمار متقاربة، قادهم شغبهم الطفولي للعب قرب أخاديد “الواد الحار” قرب مساكن صفيحية اصطفت بعشوائية ، تعالت فوقها صحون لاقطة للقنوات، تخللتها أعمدة كهربائية خيوطها متشابكة، أزقتها ضيقة و متشعبة، أشبه بالمتاهة، ” براريك” تقطن بها كثافة سكانية مهمة، تعيش في الهامش، يحسب كل من زار المكان أن آلة الزمن قد قذفت به إلى حقبة أخرى ، إنه دوار “بولحية” المتواجد بعمالة مقاطعات سيدي للبرنوصي ، حيث يعيش سكانه كغيرهم من قاطني “الكريانات “، على وقع الافتقار لأبسط التجهيزات التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية ، من شروط صحية و قنوات الصرف الصحي 0 كريان« بولحية» يعاني من عدة مشاكل و نقائص كأي سكن عشوائي، بهذا الخصوص يقول (حميد سائق شاحنة و أب لأربعة أبناء ) : «طبيعة عملي تتطلب مني السفر لعدة مدن بعيدة ما يضطرني لترك أبنائي و زوجتي لوحدهم ، وبما أن السكن في “البراكة لا يوفر الأمن الكافي ، خاصة في ظل انتشار السلوكات المنحرفة لبعض الطائشين ، يصيبني بالقلق على أسرتي طوال رحلتي و لا أطمئن إلا حين عودتي»0 إذا كانت بعض الكريانات قد استفادت من تزويدها بالماء الصالح للشرب ك «دوار الحجر و دوار بييه» التابعين لتراب عين حرودة، فإن «دوار بولحية» مازالت ساكنته تجلب المياه بواسطة براميل و قنينات من البلاستيك من سقايات عمومية ( عوينات) ، حيث تقول نجاة (عاملة بأحد المصانع) : «صيفا و شتاء نتكبد عناء جلب الماء من السقايات في حين أن هناك بعض الدواوير قد استفادت من تزويد براريكها بالماء ، ونحن لا نعلم لماذا لم تم استثناؤنا!»0 موجة الغلاء لم تقتصر على اقتناء الشقق داخل الاقامات والعمارات فقط، بل طالت أيضا السكن العشوائي في السنوات الاخيرة! تقول خديجة «عندما انتقلنا من البادية الى «دوار بولحية» اشترى أبي البيت ب 6 ملايين ، و بعد مرور 7 أعوام على انتقالنا عرضنا البيت على السمسار فقدر ثمنه ب 12مليونا0 » في انتظار الترحيل الموعود!0 في سنة 2008،استبشر سكان الدوار خيرا عندما حل مقدم الدوار، رفقة أحد الأعوان و لإحصاء الساكنة، إحصاء روتيني عادي، غايته فقط حصر أعداد القاطنين، ظنته ساكنة «دوار بولحية» أنه يتعلق بإحصاء يروم ترحيلهم في إطار القضاء على السكن العشوائي،سيما بعد أن تناسلت إشاعات بذلك، نفس السيناريو تكرر في السنة الموالية، أي في 2009 لكن لاشئ حصل، وبقيت دار لقمان على حالها، وتم إجهاض حلم الساكنة في امتلاك سكن لائق، ما جعلهم مجبرين غى انتظار إحصاء ثالث سيكون هو الأخير، حسب ما جاء على لسان أحد قاطني الدوار0 سكان”دوار بولحية” سبق لهم أن راسلوا عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي بتاريخ 2011/05/11 ، وضمنوا رسالتهم عارضة مطلبية، من بين أولوياتها افتحاص المشاريع المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، والرفع من الصبيب المائي للسقايات العمومية، و تزويد الدوار بعدادات مائية كافية، وإيجاد حل جذري لمشكل الصرف الصحي، والأهم من ذلك إدماج ملف “دوار بولحية” ضمن الملفات المستفيدة من إعادة الإسكان بمنطقة البرنوصي، لكن الوضع بقي كما هو عليه، ليظل سكان الدوار، ينتظرون ويمنون أنفسهم بالانتقال إلى مساكن تصلح للآدميين0 مشاريع تنموية بين الوجود والعدم!0 دوار بولحية» استفاد كغيره من أحياء الصفيح من مشاريع التنمية البشرية، مشاريع قام بتنفيذها النسيج الجمعوي بالمنطقة، كانت غايتها رفع التهميش ومحاربة الإقصاء الإجتماعي بالوسط الحضري، عبر انعاش الشغل و تشجيع الأنشطة المدرة للدخل، والتنشيط الثقافي و الرياضي،منها على سبيل المثال: مشروع تهيئة المدخل الرئيسي لدوار بولحية، أنجزته جمعية الأوراش الاجتماعية المغربية، بمساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتكلفة بلغت 303.900,00 درهم، نسبة الانجاز مئة بالمئة، لكن السكان كان لهم رأي آخر، إذ يرى عبد السلام 48 سنة ، عامل و أب لأربعة أبناء، أن «الدوار ليس بحاجة لمشاريع “كمالية” في ظل الافتقار لأبسط الأشياء كوجود قناة لتصريف مياه الصرف الصحي»0 الحسين أحد شباب المنطقة، فضل التعليق على المشروع بالمثل المغربي الشهير«آش خاصك آ العريان؟ خاتم آ مولاى!»، حيث أكد أن بعض السكان قد حفر جزءا من طريق المدخل، كي تمر منه مياه الصرف الصحي، بل وهناك من بنى على أرض الطريق مرحاضا لأسرته!0 مشروع آخر رآى النور لفائدة سكان دواو بولحية، يتعلق الأمر بمشروع إحداث فضاء رياضي،عبارة عن ملعب للكرة القدم ،أنجزته جمعية السلام للأعمال الاجتماعية، بمساهمة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتكلفة بلغت 572.300 درهم، سنة 2006، ماآل إليه المشروع الآن لا يعكس حجم المبلغ الذي رصد له، حيث أصبح الملعب في حالة متردية، مرماه صدئة و السياج الذي يحيط به مخرب و صدئ هو الآخر، ما يثير أكثر من علامة استفهام حول الجهة المسؤولة حول صيانته، سؤال أجاب عنه عبد الله دراهبي، رئيس فرع جمعية السلام للأعمال الاجتماعية فرع سيدي البرنوصي، الذي أوضح أن «كلفة الأرض التي سيقام عليها المشروع :340000 درهم التي تعود ملكيتها لأحد الخواص، بينما تبلغ مساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:232000 درهم، وأن غياب الصيانة و المتابعة للملعب هو المسؤول عن الوضع المزري لمشروع صرف عليه مبلغ مهم، و موجه لفئة فى أمس الحاجة لمثل هاته الفضاءات الترفيهية الخاصة بالشباب»0 نموذج آخر لمشروع حيوي موقوفة التنفيذ، هو عبارة عن سقايات تم بناؤها بمحيط الدوار، سنة 2008 ،أنجزته ليديك بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، سنة بعد ذلك تكلفت جمعية الابتسامة للتربية والرياضة والتنمية بإصلاح وإعادة تجهيزها ،المشروع كلف 239000 ألف درهم،لكن إحدى السقايات لم تشغل إلى حد كتابة هاته السطور، وأصبحت مهجورة إلا من بعض الأطفال الذين اتخذوها كمرتع لهم، بجانبها توجد بقايا فضاء أخضر، يحيط به سياج حديدي، استطونته دواب بعض السكان من حمير وبغال، ، وتم تحويله إلى ما يشبه الإسطبل!0 ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى مشروع آخر يراه السكان لا يخدم صلب حياتهم اليومية، إنها حفرة تصريف المياه العادمة التي صرف عليها 402300 درهم،أنجزته جمعية بدر الزهور للأعمال الاجتماعية و جمعية ابتسامة للتربية والثقافة، فلطيفة ربة بين وإحدى قاطنات الدوار تؤكد أن حفرة تصريف المياه العادمة لم تقض على المعاناة التي يتخبط فيها السكان خلال فصل الشتاء ، عند تساقط الأمطار:«الكريان لا يتوفر على قنوات الصرف الصحي مما يؤدي إلى حدوث مشاكل كبرى، إذ أن المياه تقتحم بيوتنا دون إنذار، و هذا يخلف أضرارا مادية و معنوية بالنسبة إلينا، حيث تتمثل الأولى في إتلاف المياه لحاجياتنا ومختلف أغراضنا، أما الثانية فتتجسد في الخوف الذي ينتابنا ويكون ذا تأثير كبير على صغارنا، علما بأن الشارع قد يكون من نصيبنا إذا ما هطلت الامطار بغزارة0!» ليلة رعب لا تنسى!0 يتذكر زوج لطيفة، جمال جيدا، ليلة الثلاثاء/ الأربعاء 24 /25 أكتوبر الماضي، حينما هطلت أمطار غزيرة الدوار، وتسببت في إغراقه، وطفح مياه «الواد الحار»، و لم يقتصر الأمر إلى هذا الحد، إذ فوجئ السكان حوالي الساعة الثالثة صباحا بانفجار عمود كهربائى، أدى إلي احتراقه وتفحمه، خلف حالة من الذعر في صفوف القاطنين، بسبب الشرارات التي راقفت الإنفجار، إذ زهد السكان في منازلهم وممتلكاتهم، وأكملوا ليلتهم في العراء، بل من فرط الهلع لم يستطع جار جمال ارتداء ملابسه كاملة!، فكل ما كان يهمه في تلك اللحظة هو النجاة بجلده من موت محقق، مخافة أن ينتشر الحريق بين الأسلاك الكهربائية ، خاصة في وجود المياه التي غمرت الحي الصفيحي والتي تعد موصلا للكهرباء، مما كاد أن يسبب في كارثة حقيقية0 وقد تدخلت في تلك الليلة العصيبة ” لديك” وقامت بقطع التيار الكهربائى، كما تدخلت الوقاية المدنية بمساعدة متطوعين من السكان وأصلحت مجرى قناة الصرف المختنق، رغم صعوبة الولوج إلى الدوار لضيق أزقته0 فقاطنو «دوار بولحية»، يضعون دائما أيديهم على قلوبهم، كلما اقترب موعد الصيف، أو عند اندلاع حريق بسيط، يتحول في دقائق إلى كرة نار تحرق عشرات “البراريك” في فترة وجيزة، بسبب وجود مواد قابلة للاشتعال، إلى جانب غياب الجدران، والاعتماد على حيطان قصديرية، وليس أمامهم سوى الانتظار ولا شئ غيره ينفسون به عن غبنهم ، و في انتظار الترحيل ، الذي لم يحدد له تاريخ معين ومكان محدد، يظل قاطنو «كريان بولحية» يعيشون معاناتهم المختلفة الأوجه ، والتي تؤشر على واقع فيه الكثير من عناوين المأساة! 0