تختلف مسارات النعمة أسفاري وزكريا المومني وعادل المطالسي، لكل حكاياته ومغامراته وسجله العدلي المثقل بأحكام قضايا الحق العام، لكن مخرجا من خلف الستار تمكن من تجميع القصص الجنائية التي عادة ما تدرج في صفحات الحوادث ليصنع منها فيلما روائيا مطولا من صنف أفلام التخييل السياسي البوليسية. لكن الملهاة ستتحول إلى مأساة، وذلك حين سينتهي عرض الفيلم السينمائي أمام جمهور تم انتقاؤه بعناية، دون أن يقتنع أحد أبطاله بأن الأمر يتعلق بمجرد فيلم لا غير. لقد كانت بداية اندحار زكريا المومني حين آمن بالقصة والسيناريو وحتى مشاهد ما قبل التصوير فأرادهما حياة واقعية، بينما انصرف باقي الممثلين لحال سبيلهم بعد أن قبضوا ثمن البطولة والكومبارس. كان يمكن لحكاية زكريا المومني أن نتهي سنة 2012 أو 2013 ْعلى أبعد تقدير، لكن ترتيبات إخراج مشاهد ما قبل اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الصحراء في أبريل من سنة 2014- بعد فشل الرهان على تقرير سلبي للمقرر الأممي حول التعذيب خوان مانديز الذي زار المغرب سنة 2013 ، وسحب توصية سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي بشأن توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان- سيكتب لقصة زكريا المومني مسارا آخر جعله في نهاية المطاف كبش فداء مغامراته التي أهلته لأن يكون أداة طيعة في حسابات تدبير اللوبي الجزائري في فرنسا لملف الإنفصالي النعمة أسفاري، وذلك في البحث عن كسب جولة جديدة من توظيف ورقة حقوق الإنسان في رعاية المشروع الإنفصالي الجزائري في الصحراء. عودء على بدء .. من «اكديم إيزيك» تبدأ الحكاية نحن الآن في شهر شتنبر من سنة 2010 ، النعمة أسفاري يعود إلى المغرب قادما من الجزائر حيث خضع رفقة 75 عنصرا ممن يعرفون إعلاميا ب «انفصاليي الداخل» لدورة تكوينية أطرتها عناصر المخابرات والجيش الجزائريين في إطار سلسلة من دورات التأطير والتدريب على كيفية «تحرير الشعب الصحراوي من الإستعمار المغربي» حسب عقيدة المؤسسة العسكرية في الجارة الشرقية. وطيلة الأيام التي أعقبت عودته آلى العيون، كانت تحركات النعمة أسفاري تبعث على الإرتياب، لقاءات كثفة وحركة دؤوبة في كل الإتجاهات لدرجة بدا معها مستعجلا في تحويل دروسه النظرية في الجزائر إلى أشغال تطبيقية في الصحراء، وبالفعل لم يمض سوى أقل من شهرين حتى اندلعت أحداث مخيم «إكديك أيزيك» في أكتوبر 2010، وبحسب وثائق الملف التي أمكن ل «الأحداث المغربية» الإطلاع عليها فقد «قام النعمة أسفاري بتحركات حثيثة لتحريض مجموعة من انفصاليي الداخل، وحتى الصحراويين العاديين بإنشاء مخيم إكديم ريزيك على بعد 50 كلم جنوب شرق العيون بعد أن أقنعهم بأن هذه الاحتجاجات ذات طبيعة اجتماعية صرفة». لم تكن الجزائر المحطة الوحيدة لتدريب عناصر المجموعة، ففي اسبانيا والسويد تلقى المشاركون تكوينا إضافيا تم فيه « الاتفاق مع هذه الكثيبة على اشعال الفتنة في المغرب، وتأجيج نار الصراعات واستغلال تدريبهم في مجال الفوطوشوب والمونطاج لاعداد صور وفيديوهات وتقارير وهمية، والقيام برحلات من أسا إلى الداخلة وتنظيم أعمال شغب وكتابات على الجدران وتنظيم خلايا سرية» كما يروي أحد المشاركين في هذه الأحداث في شهادته للقناة الثانية دوزيم أربع سنوات بعد ذلك في وبالضبط يوم 10 شتنبر 2014، مضيفا أن «المخابرات الجزائرية دخلت على الخط، وحرضت هؤلاء المتدربين على انشاء خيمات ورفع مطالب اجتماعية في البداية بهدف استقطاب أكبر عدد من الساكنة، وبعدها تحوير الأمور لتصير لها صبغة سياسية عبر المظاهرات ورفع اعلام البوليساريو وتنفيذ الاعتداءات في حق رجال الامن والقوات المساعدة ورجال الوقاية المدنية وتصوير جثتهم بعد تشويهها» يعرف الجميع باقي تفاصيل المجزرة التي ذهب ضحيتها 59 عنصرا وجرح 159 اخرين من عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، وحتى المشاهد البشعة لذبح البعض منهم والتمثيل بجثت البعض الآخر لا تحتاج لغير لنقر بسيط في محرك البحث «غوغل»، لكن قليلون فقط يعرفون أن النعمة أسفاري كان قائدا ميدانيا في هذه الأحداث الدموية، والأكثر من ذلك كان أحد المشرفين على التمويل وتوفير أسلحة الهجوم على القوات العمومية يوم ثامن نونبر 2010. ففي أثناء تفتيش خيمته من طرف الفرقة القضائية التابعة للدرك الملكي بالعيون ضبطت بحوزته ثلاث سكاكين وسيف وأموال بالعملة الصعبة بلغت قيمتها عشرة آلاف دولار أمريكي و 5000 أورو بالإضافة إلى 300 ألف دينار جزائري. كانت كل الأدلة تدينه، ولذلك وفي تفاصيل محضر الإستماع إليه لم يراوغ أمام الحجج الدامغة التي واجهه بها محققو الدرك الملكي، وحسب الوثائق التي اطلعت عليها «الأحداث المغربية»،اعترف النعمة أسفاري ب«جمع التبرعات من منظمات غير حكومية أجنبية بعدما أقنعها بأن هذه الأموال ستستغل لأهداف إنسانية لصالح سكان مخميات تندوف، كما اعترف بأنه خطط لإنشاء المخيم والتحكم فيه بهدف زعزعة الإستقرار وخلق البلبة في مدينة العيون وكل المنطقة، ولقد تم تأكيد دور النعمة أسفاري المفصلي من حيث إنشاء وتمويل المخيم وكذا في التحريض على استعمال العنف والاعتداء على عناصر السلطة العمومية». في خلاصة التحقيقات القضائية توبع النعمة أسفاري وشركاؤه في الأحداث أمام المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية بعد أن قضت محكمة الاستئناف بعدم الاختصاص بتهمة «تكوين عصابة إجرامية، المشاركة في أعمال عنف ضد لقوات العمومية أثناء ممارسة مهامها مع سبق الإصرار والترصد ونية القتل» وبناء على ذلك تم الحكم عليه ب 30 سنة سجنا نافذا يوم 17 فبراير 2013 في جلسة عامة حضرها ممثلون للصحافة الدولية و مراقبون دوليون يمثلون أكبر المنظمات الحقوقية غير الحكومية الدولية. خوان مانديز وسوزان رايس شخصيتان في واجهة الحدث الصحراوي سلم النعمة أسفاري بالحكم الصادر في حقه وتفرغ لقضاء عقوبته في السجن، لكنه سيعود سنة بعد الحكم عليه إلى ادعاء تعرضه للتعذيب، وسيقوم برفع دعوى قضائية يوم 20 فبراير 2014 إلى قاضية التحقيق التابعة لمحكمة الاستئناف بباريس بواسطة المحامي جوزيف بريهام، وفيها يدعي تعرضه «للتعذيب واستعمال العنف للحصول على اعترافات منذ اعتقاله في أحداث آكديم إيزيك». لكن الأسئلة المحيرة كثيرة بالفعل، ومنها سر صمت النعمة أسفاري من فبراير 2013 إلى فبراير 2014 ليدعي تعرضه للتعذيب؟ ولماذا لم يشر سواء أمام محكمة العيون أو المحكمة العسكرية بالرباط إلى أنه تعرض للتعذيب؟ ولماذا لم يطلب دفاعه إجراء خبرة طبية عليه؟ ولماذا قال المنظمة المغربية لحقوق الإنسان الذي زاره في السجن بأنه « لم يتعرض لاي سوء معاملة ويتمتع بحقوقه كاملة» كما جاء في بلاغ رسمي للمنظمة الحقوقية المغربية المشهود لها بالكفاءة والحياد والمهنية والتجرد، والتي قالت في بلاغها الصحفي يوم 21 فبراير أن الحالة الصحية للمعتقل «جيدة ولا يشتكي من أي مرض أو سوء معاملة، بل يتمتع بكل الحقوق المعترف بها من زيارات وممارسة الرياضة والعلاج الطبي، والدراسة". كما نقل الوفد الذي ضم كلا من محمد النشناش ونادية بلقاري وسعيد البكري عن نعمة أسفاري "استياءه" من "الحملات التي تستغل اسمه في المدة الأخيرة؟. لفهم هذا الإنقلاب في المواقف، ينبغي العودة إلى بعض الأحداث التي ميزت ملف الصحراء سنة 2013، كانت الجزائر حينها واللوبي الإنفصالي في مقرات الكونغريس والخارجية الأمريكيةبواشنطن وفي أروقة الأممالمتحدة بنيويورك، يخوضان حملة ديبلوماسية مكثفة لإقناع مجلس الأمن الدولي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وكان الأساس في هذا الطلب هو ادعاء تعرض النشطاء الصحراويين للتعذيب في المغرب. وبالفعل وضعت الديبلوماسية الإنفصالية خطوتها الأولى على طريق النصر حين تقدمت سوزان رايس مندوبة واشنطن بمسودة قرار إلى مجلس الأمن الدولي في أبريل 2013 تقترح توسيع صلاحيات البعثة الأممية لتمتد إلي الجانب الحقوقي في الصحراء، كان ذلك حدثا غير مسبوق بالنسبة للجزائر والبوليساريو، وخطرا محدقا بسيادة المغرب. وفي رد فعل قوي سيتدخل الملك محمد السادس بكل ثقله الديبلوماسي لدى الآدارة الأمريكية لدرجة اتخاذه قرارا بإلغاء مناورات عسكرية مشتركة بين الجيش المغربي وقوات المارينز في الصحراء. في تطورات الأحداث ستدعم فرنسا موقف المغرب ، ومن واشنطن سيتبرأ البانتغون والخارجية الأمريكية من توصية سوزان رايس، والأكثر من ذلك سيتلقى الملك محمد السادس دعوة رسمية من الرئيس باراك أوباما لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية، هكذا تسارعت الأحداث في اتجاه تحول ما كان بوارد هزيمة إلى نصر، وذلك حين صادق مجلس الأمن على قرار يمدد صلاحيات المينورسو دون توسيعها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وفي تطورا إيجابي آخر للأحداث كشف المقرر الأممي حول التعذيب عقب زيارته للمغرب في تقريره أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف أن «التعذيب ليس سياسة ممنهجة»، وكي تكتمل باكورة لمفاجآت سيعلن الرئيس الأمريكي لأول مرة عن توجيه المساعدات الأمريكية التي تمنح عادة للمغرب نحو تمويل مشاريع في الأقاليم الجنوبية وهو قرار غير مسبوق في تاريخ الإدارة الأمريكية. في الضفة الأخري كان الجزائريون واللوبي الإنفصالي في باريس يراقبون هذه التطورات عن كتب، وفي حسابات النظام الجزائري قد يكون الجنرالات المتحكمين في قصر المرادية حيث يقتعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كرسي المرض قد خسروا معركة لكنهم لن يسلموا بخسران الحرب. الإعلامن عن ذلك سيتم بوضوح في نونبر 2013 حين كشفت الديبلوماسية الجزائرية عن أن سنة 2014 ستكون سنة الحسم في ملف الصحراء، وتزامنا مع زيارة الملك محمد السادس لواشنطن كشفت تقارير إعلامية جزائرية أن «ميزانية المخابرات الجزائرية عرفت زيادة قدرت ب750مليون دولار، ستوجه لتمويل تحركات البوليساريو في كل أنحاء العالم، وكذا تعبئة الشبكات الخارجية التي تعتمدها الدبلوماسية الجزائرية من أجل الترويج للأطروحة الانفصالية، خاصة على المستويين الإعلامي والحقوقي». جوزيف بريهام وكلود منجان: رواية التعذيب القادمة من باريس في بعض تفاصيل هذه الاستراتيجية الدعائية الجزائرية تم وضع هدفين مباشرين: التأثير على الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، وإثبات أن التعذيب في المغرب سياسة دولة تمارسها بشكل ممنهج. كان ملف النعمة أسفاري ورقة احتياط مودعة في السجن المحلي بسلا. لكن ورقة أخرى كانت تبدو في المتناول لتحقيق أهداف الحملة الدعائية، فطيلة سنة 2012 كان زكريا المومني يوزع التصريحات بسخاء في مواقع الأنترنيت والصحافة الفرنسية بشأن تعرضه للتعذيب في المغرب، ولأنه يحمل الجنسية الفرنسية ولديه عداء خاص للسلطات المغربية، فضلا عن كونه صاحب حس مغامر يصر على توجيه الإتهام لموظف سام في الدولة هو عبد الطيف الحموشي الذي يشغل حينها مدير مديرية مراقبة التراب الوطني، بدا زكريا المومني حالة نموذجية لخدمة الهدف الأستراتيجي هو اعتبار التعذيب قرار سياسي يتم بإشراف من مسؤلين سامين في الدولة المغربية. لكن السؤال الذي ظل عالقا هو لماذا تم تعذيب زكريا المومني؟ هو ليس معارضا سياسيا عل افتراض أن المعارضين للنظام يتعرضون للتعذيب في المغرب، كما أنه لا يحمل أسرار خاصة وخطيرة تقتضي انتهاك كرامته الإنسانية لانتزاعها منه بممارسات خارج القانون. فكل ما في حكاية زكريا متابعات في قضايا الحق العام بعد اتهامه بالنصب والاحتيال، وبعض من البحث عن امتيازات يقول إنه يستحقها بصفتعها بطلا عالميا للهواة في رياضة «اللايت كونتاكت» التي فاز فيها بميدالية ذهبية بمدينة «نانت» الفرنسية سنة 1999 ما جعله يعتقد أن ذلك يعطيه الحق في وظيفة مستشار بوزارة الشباب والرياضة بناء على المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 9 يوليوز 1967. لكن هذا الحق تنزعه عنه «الجمعية المغربية ل«اللايت كونتاكت والكيك بوكسينغ» التي نفت في بلاغ صحفي أن يكون المومني قد أحرز على لقب بطل العالم في هذا الصنف الرياضي، وأنه لا يتوفر على أية شهادة تمنح له صفة بطل عالمي محترف. ومع ذلك فقد حصل «البطل» سنة 2006 على رخصتي نقل من الدرجة الأولى (سيارة أجرة كبيرة) واحدة في اسمه وباسم والده. غير أن نقطة التحول في حياة زكريا المومني ستكون يوم 27 نونبر 2010 بعد توقيفه بمطار الرباطسلا بناء على شكايتين من أجل النصب والاحتيال وانتحال صفة وضعها ضده كل مكن مصطفى أوشكات وإدريس السعدي لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط. وحسب معطيات محاضر القضية، فقد اعترف المومني في محضر الإستماع إليه يوم 27 شتنبر 2010 بأنه «حصل على مبلغ 24 ألف درهم كتسبيق مقابل وعدهما بالحصول على عقود عمل بإحدى الدول الأوروبية» وبناء على ذلك تم تقديمه أمام النيابة العامة قبل أن يدينه القضاء يوم 4 أكتوبر بثلاث سنوات حبسا نافذا وغرامة 500 درهم، تم تقليصها إلى 30 شهرا يوم 13 يناير 2011 ثم إلى 20 شهرا بعد ذلك يوم 22 دجنبر من نفس السنة من طرف محكمة النقض: لكن المومني لن يكمل عقوبته الحبسية وبعد استفادته من عفو ملكي في الخامس من فبراير 2012 سيكثف من تحركاته على الساحة الفرنسية بعد فبركة سيناريو تعرضه للاختطاف والتعذيب ب«َمركز تمارة السري» مشددا على أن سنوات حبسه كانت لها تداعيات سلبية على مشواره الرياضي وحالته الصحية والعائلية. بناء على ذلك سيبعث المومني يوم 23 أبريل 2012برسالة إلى وزير الداخلية حينها امحند العنصر تتعلق ب«جبر الضرر» تقدم فيها بطلب إنشاء ناد للملاكمة بباريس تبلغ كلفته الإجمالية خمسة ملايين أورو اختار له أن يحمل إسم محمد السادس.، مقابل سحب شكاياته من أمام القضاء الفرنسي. من مقر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في فبراير 2012 إلى قناة «فرانس 24 » يومان بعد ذلك تعددت خرجاته تنوعت معها روايت المتضاربة، وفي رسالة نشرتها صحيفة «لوفيغارو» زعم المومني أن امحند العنصر اتصل به يوم 5 نونبر 2013 ليوضح له أن الأشخاص الذين يتهمهم بسوء معاملته لا يمكن المساس بهم أو تقديمهم للعدالة. لكن المثير في كل هذا أن شكاية المومني ظلت مدرجة أمام القضاء الفرنسي دون أن يتم تحريك المساطر تجاه المسؤولين المغاربة، فقد كان لابد من وجود قوة دفع قوية لتحريك الملف بتلك الطريقة التي جعلت سبعة من عناصر الشرطة يتحركون مدججين بأسلحتهم إلى مقر السفارة المغربية بباريس لتسليم استدعاء تحقيق لعبد الطيف الحموشي وهو ما كان الشرارة التي أطلقت أزمة التوثر الديبلوماسي بين الرباط وباريس بعد تعليق اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين. لفهم أسباب تحريك ملف زكريا المومني قضائيا وإعلاميا في فبراير 2014 تنبغي العودة من جديد إلى ملف النعمة أسفاري، فيوم 20 فبراير من نفس السنة سيتقدم المحامي الفرنسي جوزيف بريهام نيابة عن النعمة وزوجته الفرنسية كلود منجان بشكاية إلى قاضية التحقيق التابعة لمحكمة الاستئناف بباريس تثير تعرض النعمة زسفاري «للتعذيب وسوء المعاملة واستعمال العنف للحصول على اعترافات منذ اعتقاله في إطار أحداث مخيم آكديم إيزيك». وفي هذه الشكاية لاتغيب لابصمات البوليساريو ولا المخابرات الجرائرية، وفي ذلك تفاصيل صغيرة لكنها دالة تكشفها المعطيات الشخصية الخاصة بالسيدة كلود منجان. تفيد بعصض معطيات التاريخ المشترك للزوجين أن كلود منجان، التي تكبر النعمة أسفاري ب 15 سنة هي من استقطبته إلى صفوف البوليساريو بصفتها عضوا نشيطا في «الجمعية الفرنسية لأصدقاء الجمهورية الصحراوية»، والحال أن أسفاري، ورغم مساره الجامعي القصير في أوساط الطلبة القاعديين وقراءته لبعض الأجبديات الماركسية، كان مواطنا عاديا يحترف تهريب المواد الغذائية بين طانطانوالعيون إلى أن هاجر إلى فرنسا حيث اشتغل لحاما في مدينة نانت الفرنسية. وبعد زواجه من كلود منجان قدمته إلى ممثل البوليساريو في باريس عمر منصور، وبين هذا الأخير وزوجة النعمة أسفاري تقوم علاقة شخصية قوية تربطهما معا بإلين بيغاي رئيسة «الجمعية المسيحية لمناهضة التعذيب» التي تسقف و،راء جميع الدعاوى المرفوعة ضد المسؤولين الأمنيين المغاربة . وبين إليغن بيغاي والمخابرات الجزائرية علاقة وطيدة تتستر عليها ببعض التقارير المنتقدة للوضع الجزائري لكنها في الحقيقة محاولة للتغطية على نشاطها الخدماتي المؤدي عنه لصالح النظام الجزائري. من قلب «الجمعية الفرنسية لأصدقاء الجمهورية الصحراوية» و «الجمعية المسيحية لمناهضة التعذيب» سيبدأ الثلاثي كلود منجان وإلين بغاي وعمر منصور والمحامي جوزيف بريهام رسم المسار القضائي لمزاعم التعذيب التي أعلنها فجأة النعمة أسفاري بعد زيارته في السجن المجلي من طرف زوجته وعناصر انفصالية شهر فبراري من سنة 2014 ، ولتكتمل الصورة يجب أن نلاحظ أن القضية ستسلمها القاضية سابين خيريس وهي بدورها ذات أصول جزائرية، ومن باريس ستتم محاولة إعطاء بعد أوروبي للقضية عبر عرضها على الجمعية الأوربية للدفاع عن حقوق الإنسان ببروكسيل. يوم 17 مارس 2014 عادل المطالسي وزكريا المومني ملحقات ملف ناقص بعد سلسلة اجتماعات تقليب في أوراق القضية واحتمالاتها، سيتأكد لمخططي شكاية النعمة أسفاري بأن هذا الملف لن يكون له الوقع المراد منه وهو اعتبار التعذيب سياسة دولة يشرف عليها مسؤولون سامون مع العلم أن الشكاية لم تشر بتاتا إلى إسم عبد اللطيف الحموشي. لذلك كان لابد من التعدد والتكرار الذي يخلق الظاهرة، التي تنتج بدورها القرار السياسي بالتعذيب ومن هنا ستأتي فكرة البحث عن ملفات أخرى، كملف زكريا المومني الذي كان جاهزا للقطف قبل أن يظهر ملف ثالث بدا بدوره حالة نمودجية للتوظيف. يتعلق الأمر بعادل المطالسي الذي يتمتع بدوره بميزة تسمح بتوظيفه أمام القضاء الفرنسي ،وهي كونه حامل للجنسية الفرنسية، كما أن له سوابق في التهريب الدولي للمخدرات وتكوين عصابة إجرامية ، ما يعني أن جميع سمات العميل المأجور تتوفر فيها بتفوق منقطع النظير. ويمكن القول أن البروفايلات التي تشتغل بها المخابرات الجزائرية في تجنيد شخصياتها العملياتية هي نفسها التي توظفها التنظيمات الإرهابية في تجنيد الإنتحاريين الذين يفصل في المرشحين منهم أن يكونوا من ذوي السوابق ولديهم حس مغامر ويتقنون فنون المراوغة والنصب والاختيال. ولعادل المطالسي تاريخ حافل في هذا المجال حتى أنه تلميد نجيب في تخصصه، في أكتوبر 2008 حاول المطالسي تهريب 1600 كلغ من مخدر الشيرا باستعمال مروحية انطلاقا من مدينة القصر الكبير بتنسيق مع ثلاث شركاء إثنان منهم إسبانيان والآخر مغربي، غير أن العملية سيتم إحباطها من رطف الدرك الملكي يوم 3 أكتوبر 2008 ليتم اعتقال المطالسي وبحوزته 30 مليون سنتيم ، فكان عقابه 10 سنوات سجنا نافذة بتهمة حيازة والتهريب الدولي للمخدرات. لكن هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها المطالسي على هذا النوع من المغامرات الإجرامية، فقد صرح أمام قاضي التحقيق أنه يتعاطى تهريب المخدرات منذ كان سنه 18 سنة، وسبق وتم اعتقاله في قضية أخرى لتهريب المخدرات من رسبانيا إلى فرنسا. بعد إلحكم عليه تم إيداعه سجن سلا الذي يضم أيضا معتقلين سلفيين متابعين في قضايا الإنتماء لخلايا إرهابية، وبحسه البراغماتي وذهائه في النصب واستغلال الفرص، سيهتدي إلى فكرة براقة بدت له حيلة لتخليصه من ورطته، لقد أوحي له ذكاؤه بأن يظهر نفسه كمعتقل إسلامي، ولأجل ذلك سعى إلى التقرب من عناصر التيار السلفي المعتقلين بذات المؤسسة السجنية. وشيئا فشيئا بدأ يتخذ مظهرا ملتحيا ويستكمل إكسسوارات السلفي المعتقل على خلفية اختياراته السياسية والايديولوجية. وحين اختمر المشروع واكتملت الفكرة جاءت المرحلة الثانية من التنفيذ، حينها سيحدث المطالسي جروحا في وجهه ورجله داخل السجن، ثم سيقوم بتصوير ذلك وإرسال الصور إلى شقيقته بمدينة بوردو الفرنسية طالبا منها أن تتصل بهيئات وأوساط حقوق الإنسان وممثلي الحركات الإسلامية في أوروبا لنشر تلك الصور على أساس أنها أدلة تعرضه للتعذيب من طرف المحققين بالمغرب. الملاحظة المثيرة هي أنه في نفس توقيت اتصال زوجة النعمة أسفاري بالجمعية الأوربية لحقوق الإنسان أي في 17 مارس 2014 عرضت القناة الفرنسية الإخبارية lci صور عادل المطالسي قبل ذلك بثلاثة أيام أي يوم 14 مارس 2014، وليس تاريخ مارس 2014 هو وحده ما يربط بين ملفي النعمة أسفاري وعادل المطالسي في الوسطين الإعلامي الحقوقي الفرنسين، فبعد أن رفضت أغلب الهيئات الحقوقية الفرنسية تبني ملف المطالسي، سيثلقفه محامي النعمة أسفاري جوزيف بريهام، والجمعية المسيحية لمناهضة التعذيب اللذان دفعاه نحو سلك المسار القضائي في إطار تدعيم القضية الأساسية التي هي ملف النعمة أسفاري وإثبات أن التعذيب في المغرب قرار سياسي يمارس بشكل ممنهج. حكاية الروابط والتقاطعات بين ملفي النعمة أسفاري وزكريا المومني لم تنتهي بعد، فهي تصر في كل مرة على أن لاتكون لها حدود، ولو تطلب الأمر أن يستلهم باتريك بودوان بصفته الرئيس الشرفي للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بعضا من ممارسات الإحتيال التي اشتهر بها موكله زكريا المومني في المحافل القضائية بالمغرب، فهذا الحقوقي الفرنسي المعروف بارتباطه بالجناح المتشدد داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يميل إلي التقارب الفرنسي الجزائري على حساب المصالح المغربية في فرنسا سيهاجم الاتفاق القضائي الذي تم التوصل إليه بين الرباط وباريس شهر يناير الماضي، وذلك حين سينشر مقالا في صحفية "لوموند" تحت عنوان "المغرب : التواطؤ المرعب لباريس» لكن المثير في الأمر ليس هو أن يعتبر أن الحكومة الفرنسية « ناقضت نفسها، وتجاوزت قيم حقوق الإنسان، وأنها تعيش حالة خطاب مزدوج لأنها تغاضت عن التعذيب الذي مارسه المغرب (هكذا) في حق بعض الأشخاص» فهذا يدخ في خانة الحق في التعبير وإبداء الرزي الذي تكلفة الديمقراطية الفرنسية. لكن ما هو غير مقبول وفيه احتيال على الرأي العام الفرنسي، هو أن يوقع باتريك بودوان المقال بصفته الرئيس الشرفي للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ويخفي صفته كمحام لزكريا المومني، وقناة أخرى للوصل بينه وبين ملف النعمة أسفاري مادام أن الكاتب العام العام لهذه الفيدرالية ليس سوى ويليام بوردون المحامي الآخر للنعمة أسفاري إلي جانب جوزيف بريهام . وينبغي الاعتراف لهذه الكوكبة الحقوقية أنها نجحت في تحقيق واد من أهداف الحملة الدعائية الجزائرية حين توثرت العلاقات المغربية الفرنسية طيلة سنة 2014 ، لكنها فشلت في تغيير الموقف الفرنسي من قضية الصحراء ومن توسيع صلاحايت المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بعد هزيمة اللوبي الإنفصالي في أورقة مجلس الأمن الدولي من جديد في أبريل 2014. لقد انكشفتن حينها حقيقة ورقة النعمة أسفاري وهشاشة حيثيات اتهامها للمغرب بالتعذيب ولذلك سيقرر القضاء الفرنسي حفظ هذه القضية يوم ثالث أكتوبر 2015. لكن زكريا المومني لم يقتنع بنهاية عرض الفيلم السينمائي أمام جمهور تم انتقاؤه بعناية، ولم يشأ الإقتناع يقتنعبأن الأمر يتعلق بمجرد فيلم لا غير لعب فيه دور الكومبارس. وكما وجد من تلقف أوراق ملفه لتوظيفه في قضية النعمة أسفاري وخدمة الإجندة الإنفصالية الجزائرية في الصحراء سيجد مرة أخرى من يوظفه في رواية جديدة حملت عنوان نسف التقارب المغربي الفرنسي بداية 2015 وقطع الطريق على تسوية التوثر القضائي والديبلوماسي بين البدين بعد قمة الإليزيه بين محمد السادس وفرانسوا هولاند في الأسبوع الأخير من يناير الماضي. يونس دافقير