AHDATH.INFO – خاص «نايضة…» كما يقول اللسان المغربي الدارجي. بدأها نبيل عيوش ب «الزين لي فيك» واستمرت كذلك إلى أن مُنح السيد الخلفي الإذن بمنع الفيلم قبل حتى أن يحط الأخير رحاله بأرض المملكة وظلت «نايضة» قبل أن تبدأ في الخفوت قليلا. إلا أنها اشتعلت من جديد مع «موازين»، الذي ألهبها حتى زندت نارها مع توالي أيام المهرجان وارتفاع حرارة الأجساد الراقصة فيه. ولعله جسد اللاتينية جنيفر، وهو يترنح على شاشات المغاربة عبر «دوزيم»، هو الذي كلل كل هذا المشهد الساخن قبل أن يُسدل الستار عنه – ربما إلى حين- بقبلات ناشطتا «فيمن» وكشفهما نهديهما في ساحة صومعة حسان وبت شريط فيديو قصير يوضح موقفهما ومن وراءهما من قضية المثلية الجنسية… بعد كل الذي حصل، يسهل أن نتصور الحرج والجنون الذي أصاب أهل العدالة والتنمية وهم يتتبعون كل هذه المتوالية الفرجوية بمشاهدها المتنوعة بغير قليل من العجز وكثير من الكلام الهامشي. الخلفي، سارع إلى منع فيلم عيوش عسى أن يعفيه ذلك من بعض الحرج باعتباره مسؤولا على وزارة الاتصال، ولوح بما يشبه الاحتجاج في حادثة جنيفر مكتفيا بدفع اللوم عليه وتركه على المسؤولين في تلفزة عين السبع، وذلك أقصى ما يمكن أن يفعل في هكذا نازلة. لماذا؟ لأن الأمر يتجاوزه. لنقلها بصراحة. «موازين» حدث من صنف آخر. حدث مستعص على التحكم – خلافا لفيلم عيوش- لأنه جاء لأهداف ومرامي استراتيجية ليس لصاحب ابن كيران وغيره أن يتدخلوا فيها. ولنقلها هي الأخرى بصراحة مرة أخرى: إذا كانت ناشطتا «فيمن» وصلتا إلى حسان وتجردتا من قميصهما بكامل حريتهما وتصورتا بعدسة شخص ثالث أو رابع، فذلك يعني استحالة الوقوف في وجه مد الإرادة الجارف ضدا على كل من يحاولون لجمها هنا في بلدنا السعيد. لعبة دفع الحرج هذه لدى أصحاب الحزب، الذي جاء ليحارب الفساد بسيف من طين ويصلح الصناديق المكسرة ببؤس الأُجراء ويساعد الأرامل بما يشبه ذر الرماد في الأعين، تبدو مقتسمة بفعل فاعل بين احتجاج من وزير وغضب من مسؤولين حزبيين وتلويحات عقدية من الذراع الدعوية وتلطيف من أوساط سياسية ترفع حدة النقاش تارة وتخفضه تارات أخرى وتقول باستحالة استقالة الوزير وأن الأولى أن يستقيل غيره. هي أدوار يلعبها إسلاميو الحكومة ويكملها أعضاء الائتلاف كل بحسب ما استطاع وإن كنا لا نسمع من هؤلاء إلا صوت واحد جهر به السيد بنعبد الله، بغير اقتناع ولا إقناع، في نازلة فيلم عيوش عندما عبر عن استيائه منه مبقيا على أن الحرية هي الأصل. في مقابل هذه الأدوار المؤداة بكثير من الهواية يواصل المغاربة فرحهم على مختلف خشبات «موازين»، معلنين لهؤلاء وللعالم أنهم مع الحياة في طبيعتها والبقية تفاصيل. وموازاة مع ذلك، دفع منع الخلفي فيلم عيوش الكثير من المغاربة إلى البحث عنه عبر الطرق الملتفة من أجل مشاهدته بعد أن زاد قرار المنع من الرغبة في كشف المحظور، فسقط الكثيرون في مشاهدة نسخ منه ليست من الأصل في شيء لتزيد الأمور التباسا. وأما حياة العامة، الذين يدعي حراس المعبد حماية أخلاقهم من التفسخ، فهي بعيدة عن هذا الهم الذي لن يزيدها إلا تعكيرا أكثر مما هي عليه. فالمغربي المسكين، المقهور، الذي يكابد حر الزمان كل يوم بكثير من الكد والصبر المغروس فيه حتى البواطن، ليس بأهل لأن يدرك كل هذا الذي يسعى حماة الأخلاق إلى تكريسه على هوامش حياته بنفحات دينية لم تكن حتى عهد قريب من مجتمعه هو الذي ألف أن يحيى في ظل تقاليد وأعراف ليست من التزمت في شيء، بل هي مغربية تمتح من الدين الوسطي المنفتح على قيم الحياة لا على الفزَّاعات، التي كثر صناعها اليوم حد أنها باتت أكبر من أن يستوعبها صناعها أنفسهم. عندما يتخلص حراس الأخلاق من أوهام الوصاية على الناس بحق يدعوه لأنفسهم دونا عن البقية، سيسهل عليهم التخلص من عقدة «نحن أصحاب رسالة»… سيتخلصون من وهم الشعور بأنهم الغيورون أكثر من غيرهم على قيم المجتمع والدين… سيكتشفون أن العالم من دونهم سيستمر في الدوران والناس ستظل تعيش كما أرادت وأن المعتقد سيظل راسخا طالما لم ينسلخ على طبيعته… وسيبدون أكثر انسجاما مما هم عليهم اليوم، وستصبح لأدوارهم صدقية نابعة من يقينية الإيمان بالشيء لا من التظاهر بها. يمكن أن يُعزل العرايشي وسليم الشيخ وسيطايل. كما يمكن أن يتوقف مهرجان «موازين» وتكف دوزيم عن «استفزاز» المغاربة بمؤخرات جنيفر وراقصاتها، فهل بهكذا قرارات سنصلح الأخلاق ونقاوم الفساد الأخلاقي ونستر العورات كلها؟… أبدا، يا سادة. لا لشيء إلا لأن الطبيعة تلفظ النسخ المغشوشة منها. ترفض أن تكون شيئا آخر غير نفسها. وهذا الشيء هو حرية الناس التي تبدو أنها تخيف البعض لأنهم يفصلونها عن سياق الأخلاق والقيم والتربية والدين المتنور. ترعبهم كلمة الحرية لأنهم لا يروها إلا وهي مشدودة إلى أغلال الوصاية العمياء وإلى متون الممنوعات وفتاوى التحريم. لم يكتب التاريخ أن الحجر على الحريات أفرز مجتمعات وإنسانا سليما، سويا. من حسن حظنا أن العالم من حولنا يبسط كل النماذج في ما يمكن أن يصل إليه الإنسان إن ضل أو أصاب الطريق. من أفغانستان إلى أمريكا وبينهما تتنوع ملامح الإنسان بين تعيس مملق وتعيس غني وسعيد بلغ مبلغا عظيما من درجات الكرامة والحرية، وفيما بين هذا الإنسان وذاك لنا أن نتأمل في ما يمكن للحرية والانعتاق ونبذ الوصاية والحجر أن تفرز في مقابل ما يمكن لقهر النفس وحشرها في لبوس ضيقة تقوض عنفوانها الطبيعي أن ترسم من ملامح إنسانية. في معركة الاختيار هاته لا محيد عن إنسان تربيه من أجل أن يكون حرا لا موصى عليه باسم وهم الوصاية الأخلاقية. إن أدركتم هذا، فستستريحون وتريحون أيها الأوصياء على الناس من غير وجه حق. سعيد الشطبي شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)