يربطن مصيرهن برجال يصغرنهن سنا، متحاشيات النظرة القاسية لأعراف وتقاليد لا تعترف بمثل هذه الزيجات، لتتأرجح حياتهن ما بين الرضى والندم. يحاولن كبت مشاعرهن حتى لا تتطور تأففاتهم إلى سلوكات تستفز الأزواج. منهن من تحاول محاربة آثار الزمن، ومنهن من تتخبط بين عبارات التعريض المشحونة بالرفض والتأنيب. «أشعر بالندم في بعض الأوقات، لكن في الغالب لا أكترث لكلام الناس» تقول أنيسة التي اختارت الارتباط بشاب يصغرها بثمان سنوات. لم تكن تلك زيجتها الأولى حيث سبق لها الارتباط لمرتين، الأولى داخل المغرب، والثانية بفرنسا بعد وفاة زوجها، قبل أن تقرر الانفصال عن زوجها الثاني الذي كان تركيا مدمنا على المخدرات. تأرجح بين الرضى والندم قبل زواج المهندسة أنيسة بعمر الذي يصغرها بسنوات، كانت تربطها به علاقة صداقة، بعد أن تعرفت عليه أول مرة داخل مكتب والده الذي يملك مقاولة للبناء. تكررت اللقاءات بينهما لكنها لم تكن تتوقع أن المسألة ستتطور لعلاقة اعجاب تنتهي بالزواج. تمت الأمور بطريقة سلسلة لم تسمح لأنيسة برفض الفكرة، رغم معارضة أهل الزوج الذين وضعوا الابن بين خيارين، إما الزوجة، أو العائلة، لكن الابن اختار الارتباط بأنيسة. اختيار اعتبره البعض تحت تأثير السحر، «حيت ميمكنش ولدي يتزوج بمرا شارفة كون كان على طبيعتو»، تقول أنيسة مرددة كلام حماتها الجارح الذي يدفعها نحو الندم في بعض الأحيان. لكن معاملة الزوج التي تقارب المثالية، تجعل الزوجة تترفع عن كم العبارات الجارحة التي تصل مسامعها في بعض المناسبات العائلية التي تضطر لحضورها. لا يصل الأمر دائما حد الكلام، لتجد أنيسة أنها أصبحت حساسة من نظرات الناس وهم يحدقون بها وبزوجها. بالنسبة للزوج عمر المسألة لا تستحق كل ذاك الاهتمام مادام زواجهما تمكن من الصمود وأثمرت العلاقة ثلاثة أبناء. لا يتردد الزوج في حمل ابنه الأصغر فاسحا المجال لحديث زوجته، وهو ينظر لها بملامح مهادنة تعتليها نظرة الرضى، كأنه يفوض لها بالقيادة عن طيب خاطر. لكن التفاهم والانسجام داخل البيت، لم يمنع أنيسة من الاعتراف أنها تشعر أحيانا بالضجر حين تتعمد بعض النساء تمرير رسائل جارحة، أو حين تلصق بها تهمة الغيرة من الفتيات اللواتي يحطن بزوجها. « بزاف ديال المرات كتستفزني الأم ديال راجلي ملي كتقولي مال وجهك تبدل، راهم بحال خواتاتو الصغار»، جملة لم تكن تعني لأنيسة شيئا، لكن البعض يحاول تكرارها ليرى مفعولها على ملامح الزوجة التي لا تنكر انفعالها لمثل هذه العبارات في بعض الأحيان. حقيقة السن لا تخفى على أنيسة التي تقول أنها لم ترغم زوجها على الارتباط بها، لكن مبالغة البعض في ابداء استغرابه، أو اطلاق العنان لنفسه باستراق النظر للزوجين في المناسبات العائلية، يدفع أنيسة للضجر «أنا أصلا أشعر بالارتباك منذ طفولتي إذا ما نظر شخص الي» ارتباك يغذيه أن النظرة هذه المرة لا تكون بحسن نية، خصوصا حين تلتقط مسامع أنيسة عبارات يبدو أن أصحابها يتعمدون إيصالها للمعنية بالأمر، «باينة كبر منو ياك؟» تقول الزوجة مرددة عبارة تنسل من بين الجموع لتصل أذن الزوجين، لتؤكد أنها تحاول في الكثير من المرات تحاشي التعليق، أو مناقشة زوجها في الموضوع حتى لا تتطور المسألة لنقاشات تعكر صفو حياتها. لقب “الشارفة” بالنسبة لسعيدة الأمور لا تسير بهذا الهدوء النسبي، فكثيرا ما تصلها عبارات جارحة من حماتها، التي لا تتردد في وصفها ب”الشارفة” على الرغم من كونها شابة في الثلاثينات من عمرها. كان القرار بيد الزوج العشريني الذي قرر الارتباط بسعيدة دون علم بحقيقة سنها، فقد كانت تبدو ظاهريا أصغر بكثير من سنها. لم تمانع الأم في مرافقة ابنها لبيت عائلة زوجة المستقبل، حيث لم تخفي الأم اعجابها بجمال الفتاة وأخلاقها. لكن سرعان ما سيعلم الخاطب بحقيقة سن سعيدة، «لم أره بعد ذلك لمدة يومين، ولم يكن بيننا أي اتصال، فاعتقدت أن القصة انتهت»، لكن اعتقاد سعيدة لم يكن في محله، ليعود الخاطب ويحدد موعد الزفاف. لم يناقش الزوجين المسألة بعد ذلك، لكن تعرف ابنة عم الزوج على سعيدة التي شاركتها مقاعد الدراسة سيخرج مشكل السن للعلن. كانت سعيدة على علم بالوشوشات التي تصلها، لكنها لم تعتقد أن المسألة ستصل لحد تعييرها بسنها، والتدخل في قراراتها الشخصية، «خصك تولدي قبل ما يفوت الفوت راكي كبر من ولدي»، هكذا بدا تدخل الحماة في مسألة تأخر سعيدة عن الانجاب والتي لم تتعدى السنة. كانت سعيدة تنتظر عودة زوجها عله يخفف من تبعات الكلام الذي تتلقاه في غيابه، لكن الزوج ضاق ذرعا بالأمر، «مالهم كذبو عليك راك كبر مني»، هكذا حاول الزوج انهاء النقاش لتصبح سعيدة أكثر حساسية وتخوفا. فجأة اكتشفت سعيدة أن قرار الارتباط لم يكن صائبا. ارتفعت نسبة حساسيتها نحو أي عبارة أو جملة تحيل على السن، حتى لو لم يكن الكلام موجها لها، ولم تعد تتحمل عبارات المزاح التي تضعها في خانة التعريض بمعاني تحيل على سنها، « هاد الفيلم مني شفتيه كنت باقي ما تزاديتش أنا»، هذه العبارة ومثيلاتها تسري كثيرا على لسان الزوج أثناء ممازحته لأفراد أسرته، لكن سعيدة تعترف أن تعرضها لمثل هذه العبارات في حضور الأسرة يغير من ملامحها المعبرة، مما يدفع بالزوج نحو التأفف، خاصة أنها لا تستطيع القفز على تداعيات نفسيتها المهتزة، مما ينقل توترها نحو الزوج. لا تخفي سعيدة غيرتها الشديدة التي تظهر على ملامحها أثناء زيارة عازبات العائلة، لكن معاناة سعيدة تتضاعف حين يربط المحيطون بين غيرتها وسنها، الأمر الذي يزيد من توترها الذي يتطور لقطيعة بين الزوجين. صراع مع الزمن بالنسبة لخديجة لم تعرف علاقتها التي امتدت لثلاثة عشر سنة أية قطيعة، أو مشكلة مع الزوج، غير أنها لا تنكر تخوفها مما ستحمله السنوات القادمة. لم يكن لهذا التخوف مكان حين اعترضت عائلتها على زواجها بشخص يصغرها بخمس سنوات. لم يكن الفارق كبيرا، لكن والدتها كانت تنصحها بأن المرأة أكثر تأثرا بعامل الزمن مقارنة بالرجل، ولم تكن الأم تتردد بتقديم نفسها كمثال على صدق ما تقول، فبالرغم من أن والدة خديجة تصغر زوجها بسبع سنوات، إلا أنها تبدو أكبر منه بكثير، مثال لم يقنع خديجة في التراجع عن قرار ارتباطها، وهي المرأة الجميلة الواثقة من نفسها. تقر خديجة أنها لم تشعر في أي يوم من الأيام بنوع من القلق أو النقص، خاصة أن أسرة زوجها تكن لها الاحترام والاعجاب. غير أن خديجة تقول أنها أصبحت أكثر قلقا بعد أن خط الشيب رأسها، لتجد نفسها مجبرة على طمس كل معالم التقدم في السن. «كندير الايروبيك، وكنبقى موسوسة من الشيب والتجاعيد اللي بدات كتبان في وجهي، وحتى لون عينيا مابقاش بحال اللي كان»، تغيرات تحاول الزوجة ترميمها بكل الوسائل المتاحة، مما يعني مصاريف أكثر من اللازم، وهو ما بدأ الزوج يلاحظه، و يتساءل عن فائدته خاصة أمام تزايد مصاريف الأبناء. لكن خديجة لا تقف كثيرا عند ملاحظات زوجها، لتطلق العنان لنفسها في اقتناء كل المنتجات التي من شأنها الحفاظ على معالم شبابها، «كاينين شي حوايج كنشريهم ومعمرني ما درتهم» تقول خديجة وهي تعبث في محتويات حقيبتها الرياضية التي تضم مستحضرات خاصة بالعناية من الرأس إلى أخمص القدمين. ولا تخفي الزوجة قلقها حيال اهتمام زوجها بنفسه، حيث تشير أنه أصبح أكثر وسامة مع السنوات، إضافة إلى أن مظهر الشيب يضفي عليه جاذبية خاصة، متساءلة بسخرية، لماذا لا يؤرق العمر بال الرجال... سكينة بنزين