الصراع حول التزكيات يعطل البث في الترشيحات لم يتبق على يوم الاقتراع إلا أيام معدودة، فيما لم تحسم عدة أحزاب سياسية إلى غاية أمس بصفة نهائية في التزكيات المتعلقة بمن سيمثلها في الانتخابات التشريعية القادمة. السبب، كما هو الحال مع كل موسم انتخابي هو الصراعات الداخلية داخل الأحزاب من أجل الظفر بترأس اللوائح المحلية أو إيجاد حيز متقدم باللائحة الوطنية. صراعات غالبا تنتهي بانشقاقات واستقالات. مناسبة هذه المقدمة هو الإحالة على مشكل حقيقي يعانيه المشهد السياسي والأحزاب السياسية بالمغرب، يتمثل في العجز عن إنتاج نخب جديدة قادرة على تدبير مرحلة ما بعد الخطاب الملكي ل9 مارس، ترتب عنه إقرار دستور جديد، لتدبير مرحلة جديدة عنوانها الأبرز حكومة بصلاحيات واسعة، لكنها في نفس الوقت موشحة بمراقبة ومحاسبة من طرف برلمان بصلاحيات أوسع. فهل ستكون الأحزاب السياسية هذه المرة في الموعد؟ لإفراز نخب ووجوه جديدة قادرة على ربح تحدي المرحلة القادمة وبعث الأمل في نفوس المغاربة من أجل استثمار أمثل للخطوة الاستباقية التي بادر إليها المغرب وتثبيت الاستثناء المغربي. نخب جديدة سؤال يهيمن على النقاش العمومي سؤال النخبة، هيمن على النقاشات العمومية داخل الأحزاب السياسية وخارجها وبالمنابر الإعلامية طيلة المدة الأخيرة التي أعقبت خطاب9 مارس، غير أنه ظل دون إجابة، لسبب بسيط، هو أن إنتاج النخب لم يمثل يوما أولوية بالنسبة لجل الأحزاب السياسية، التي استقالت مبكرا من مهمتها كمؤطر للمواطنين. يمكن معاينة ذلك بسهولة، عند القيام بجولة سريعة إلى المقرات الإقليمية للأحزاب السياسية، التي صارت صالحة كبيوت للعناكيب أكثر من شئ آخر، فهي لاتفتح أبوابها إلا عند كل استحقاق انتخابي، لتغدو مؤقتا مسرحا للتدافع بين مناضلي الحزب ليس حول البرنامج ولكن حول التزكيات، لتدخل بعدها الأحزاب السياسية لمتاهات حقيقية، مرتبطة بكيفية تدبير التزكيات، التي غالبا ما تتحكم فها عوامل بعيدة عن الكفاءة والانضباط وكذلك التشبت بالمشروع المجتمعي الذي يبشر به الحزب، حيث يتغلب منطق الحصول على أكبر عدد من المناطق عما سواه، هو ما يدفع الكثير من الأطر، الابتعاد إلى غير رجعة، ليمتد تأثير ذلك سلبا على مهمتها كمؤطر سياسي واجتماعي للمجال العام بما في ذلك المواطنون. التدبير المشخصن للتزكيات يبعد الكفآت الشخصنة والولاءات وكذلك النفوذ المالي. تلك هي الآفات التي تحول حتى الآن دون إفراز نخب جديدة متناغمة مع الواقع الذي تعيش فيه، بل إنها تخلق مناخا عاما، يتعذر فيه حتى بالنسبة للأحزاب الجادة التي باتت تجد صعوبة في تجديد نخبها، لذلك تكتفي بأقل الإيمان، عندما تعمد إلى تقديم نخب جديدة، رغم علمها المسبق بأنها لن تجلب مقاعد جديدة في رصيد الحزب، نظرا لتراكم ممارسات أثمرت ذهنيات مشككة في العملية الانتخابية ككل في الوقت الذي، هيأ الواقع الاجتماعي والثقافي المنحدر لشريحة واسعة بالمجتمع، المجال الخصب لاستعمال مايطلق في الأدبيات الانتخابية المغربية ب«المال الحرام» ألم يؤد ذلك في النهاية إلى نتيجة انفرد به المشهد السياسي المغربي، عندما تمكن حزب لم يشارك قط الانتخابات التشريعية من تجميع عشرات المقاعد بمجلس النواب؟. واقع ساهم في تأثير سلبي مزدوج، من جهة هناك ابتعاد الكفاءات التي صارت مخيرة بين الانزواء أو «النضال» من خلال الجمعيات المدنية، ومن جهة ثانية انتشار اليأس لدى شرائح واسعة بأوساط الفئات المتوسطة المعول عليها رقم واحد من أجل تنشيط العملية الديمقراطية، لاأدل على ذلك من العزوف في المشاركة في الانتخابات التشريعية السابقة وذلك باعتراف رسمي. فهل من رد فعل للأحزاب للقطع مع هذا الواقع؟ ليس بالرغبة وحدها يمكن إفراز نخب جديدة ضغط سؤال تجديد النخب بالتزامن مع الحراك السياسي الذي يشهده المغرب حاليا، خلق مناخا جديدا فرض على الأحزاب السياسية إعادة قراءة الواقع السياسي الجديد، مما ولد حاجة لدى العديد من الأحزاب السياسية لتقديم وجوه جديدة. لكن ليس بالرغبة وحدها يمكن إنتاج نخب جديدة، ذلك أن التطورات التي راكمتها العملية الانتخابية بالمغرب في مختلف محطاتها ساهمت بشكل كبير في تنميط المشهد السياسي كمجال للارتقاء وخدمة المصالح الشخصية، لذلك لجأت بعض الأحزاب السياسية لاستجداء التقنوقراط من أجل ملأ الفراغ، علما أن لاأحد يضمن إن كان بإمكان هؤلاء مجاراة الأعيان وأصحاب المال، الذين سيطلون بوجوهم مرة بعد بداية الحملة الانتخابية.