بحرقة بكى العشرات من سكان إقامات «قصبة الأمين» مصرع شاب في مقتبل العمر، بعد زوال الجمعة الماضي ثامن وعشرين أكتوبر. تجمعت الحشود، غير مدركة ما وقع وكيف وقع؟... ولكن جملة واحدة ظلت ترددها الألسن: «يونس العساس.. مات». كيف مات «يونس» تلك حكاية تستحق أن تروى. منذ أن خرج التجمع السكني المسمى «قصبة الأمين» إلى الوجود، حل به هذا الشاب، خلال الفترة التي كان فيها خاضعا لنفوذ ما كان يعرف سابقا الجماعة الحضرية لليساسفة، قبل أن تدمج في قطاع الحي الحسني، وتشكل معه مقاطعة حضرية واحدة. من ضواحي تاونات قدم الشاب «يونس الصافي» ليشتغل حارسا ليلا للدراجات والسيارات. شاب عرف بكفاحه وتفانيه في العمل، الذي كان يجيد أشكالا مختلفة منه، تارة يشتغل حارسا وأخرى يغدو حدادا. شاب طموح، غير متواكل كان يسعى للكسب، ويتجند للعمل بكد، بدون كسل ولا خمول. لكن ظهيرة يوم الجمعة كانت تخبئ لهذا الأب، الذي لم تشأ الأقدار أن يرى فلذة كبده، مصيرا مأساويا لم يخطر له على بال. كان يستعد للالتحاق رفقة شاب آخر بمسجد قصبة الأمين لأداء صلاة الجمعة. لكنه قبل ذلك ارتأى القيام ببعض الأعمال استعدادا لتهييئ مكان لاستقبال أضاحي العيد التي يقتنيها قاطنو شقق «قصبة الأمين». كان «يونس»، البالغ من العمر 26 سنة فقط والمتزوج حديثا والذي ترك خلفه زوجة حاملا في شهرها الثالث، يحاول رفع قطعة حديدية وضعت فوق فوهة بئر مهملة، لأن المنطقة كانت عبارة عن تجمع عشوائي، عرف باسم «دوار الحاج بوشعيب الوطني»، قبل أن تداهمه عمارات السكن الاقتصادي، وتحيط به من كل جانب. لكن آبارا حفرت قديما كانت السكان يتزودون منها بحاجياتهم من الماء، ظلت قائمة دون أن تستغل أو توضع لها أغطية حديدية بأقفال، رغم ارتفاع منسوب المياه به، وعمقها الكبير. سقط يونس بزلة قدم في قعر بئر، قالت بعض المصادر من الوقاية المدنية إن عمقه يتجاوز الأربعين مترا، وارتفاع مياهه يصل إلى ثلاثة أمتار. أصيب إصابات بليغة في رجليه، ورأسه، وظل يصارع في العقر. لكن تأخر عناصر الوقاية المدنية في إنقاذه ساهم في إخماد أنفاسه. سقط يونس في البئر ظهيرة يوم الجمعة، لكن انتشال جثته لم يتم إلا عند الساعة الرابعة بعد الزوال. لم يٌفِدْ وجود ثكنة للوقاية المدنية بقصبة الأمين، لا تبعد عن البئر إلا بحوالي 300 متر، في إنقاذ حياة «هذا الحارس»، الذي ظل يصارع الموت، إلى أن لفظ أنفاسه. حاول أصدقاء يونس وأخوه الغطس لانقاذه، لكن عناصر من الصقور منعتهم، مخافة تضاعف عدد الضحايا، لتظل الحرقة تعم الصدور، على شاب في مقتبل العمر، سقط في بئر قريب من ثكنة للوقاية المدنية لا تتوفر على عدة وعتاد لمثل هذه التدخلات، وظل يونس يصارع، والألم يعتصر القلوب، ودمعات الأسى تسري دافئة على مصير شاب استقر بقعر البئر فلم يجد الخلاص، إلى أن قدمت تعزيزات للوقاية من وسط المدينة، انتشلت «يونس الصافي». لكنه ساعتها كان قد تحول إلى جثة هامدة ليتم نقله إلى مركز الطب الشرعي الرحمة.