على مدى ستة أيام، عاشت ساكنة الدارالبيضاء أسبوعا موسيقيا بامتياز بإيقاعات تفاعلت فيها روافد فنية من مختلف أنحاء العالم، في انفلات ممتع من قساوة هذه المدينة التي ألفت الحياة بإيقاع تحكمه قوانين الاقتصاد والمال. فمع اختتام فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان الجاز بالدارالبيضاء بحفل كبير للنجم النيجيري كيزيان دجونز، والتي انطلقت بعرض مثير لعازف القيثار الأمريكي روول ميدون، حضره الآلاف من المولعين بموسيقى الجاز، يكون الستار أسدل على تظاهرة نجحت في أن تمنح البيضاويين لحظات من المتعة والفرجة وقعتها أسماء لها بصمتها الخاصة في هذا اللون الموسيقي. ببرنامج منوع، وبفضاءات توزعت عبر جغرافيا المدينة، استطاع هذا المهرجان، الذي يعتبر من أهم التظاهرات الفنية التي تحتفي بموسيقى الجاز على مستوى القارة، أن يكسر من رتابة الواقع اليومي للعاصمة الاقتصادية للمملكة، وأن ينتقل بساكنتها إلى عوالم تعكس ثقافات إنسانية لها عمقها وأصالتها. فبفضل السمعة التي أصبح يحظى بها على الصعيد العالمي، تمكن مهرجان "جازا بلانكا" من أن يستقطب شخصيات فنية لها موقعها في المشهد الموسيقي العالمي، فتحت أمام الجمهور نافذة للإبحار في عوالم من الموسيقى الرحبة، والسفر لاكتشاف المشترك الإنساني في لغة الفن والإبداع. وما اختيار مدينة الاقتصاد لاحتضان هذا المهرجان إلا استجابة لحاجة سكان هذه المدينة للاستمتاع بجديد الموسيقى العالمية، وفرصة لالتقاط الأنفاس بحاضرة تعيش بإيقاع نادرا ما يجود بلحظات للمتعة والاسترخاء صحبة نجوم الموسيقى العالمية. فعشر سنوات من عمر هذا المهرجان، كانت حافلة بمشاهد الإبداع والرقي الفني، وغنية بمواعيد التلاقح والتواصل بين أجيال وطاقات موسيقية ومختلفة، إذ أن أسماء كبيرة مرت من هنا، وتركت بصمتها، من آل دي ميولا وماركوس ميلر وكلوريا غاينور وكيزياه جونز إلى ظافر يوسف وإبراهيم معلوف وآل جارو وبيلي بول وشيك كوريا، وغيرهم من القامات الفنية التي أهدت ساكنة الدارالبيضاء فرجة لا تنسى. وفي دورة هذا السنة، اتجه المهرجان نحو دمقرطة الممارسة الموسيقية وتعميم المتعة من خلال تخصيص عدة فضاءات على مستوى المدينة لإهداء أطباق فنية مميزة للجمهور البيضاوي، وفي مقدمتها ساحة الأممالمتحدة بوسط المدينة التي احتضنت العديد من الحفلات الموسيقية قدمت خلالها أنواع موسيقية مختلفة (إلكترو، سول، بلوزر، فانك، عزف على الغيتار). كما خصص حيزا هاما للتكوين الموسيقي عبر تنظيم ماستر كلاس يستفيد منه الشباب الموسيقي، وبالخصوص هواة آلة العود، يشرف عليه وينشطه الملحن والموسيقي التونسي أنور إبراهيم الذي يعتبر من بين أهم الشخصيات الموسيقية المؤثرة في الساحة الموسيقية العربية بفضل إبداعه الراقي. لم يكن الرهان فقط على الموسيقى كفرجة، بل كثقافة وتكوين، ومشترك إنساني، يمكن الجمهور من مشاهدة نجومهم المفضلين واللقاء معهم، ويتيح للمواهب المغاربية الشابة فرصة الاستفادة والاحتكاك أكثر مع الوسط الفني العالمي وتعميق التواصل مع عشاق موسيقى الجاز، لتكون الموسيقة المغربية ببعده العالمي حاضرة من خلال عدد من الفرق والموسيقيين الشباب ومن بينهم، على الخصوص، مجموعة مايدين بلاد وميزانو وجمال اليوسفي وعثمان الخلوفي ورشيد كراب. مواهب شابة إلى جانب رواد كبار أعطوا المهرجان هذا العام إشعاعا وبعدا عالميا من شأنه أن يرتقي به إلى خانة المهرجانات العالمية، إذ بحضور أسماء مثل روول ميدون وباتي سميث وابراهيم معلوف ومجيد بقاس وستاسي كينت وظافر يوسف وميلودي غاردوت وساندرا أماري ومالكا وطوني ألين وشارلي وينستون وغيرهم من القامات الموسيقية العالمية، يحق لمنظمي المهرجان أن يتطلعوا إلى العالمية وكسب رهان استقطاب ألمع نجوم الجاز في العالم خلال الدورات المقبلة. شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)