تعمل المملكة المغربية منذ سنوات عبر عملياتها الأمنية الاستباقية ضد الجماعات المتطرفة، وعبر اعادة "هيكلة الحقل الديني" على تقوية مكانتها كحلقة مهمة في سلسلة محاربة الإرهاب الدولية، خاصة بعد عملية باردو في تونس التي غذت أكثر المخاوف باستهداف منطقة شمال أفريقيا. وكشف "المكتب الوطني للتحقيقات القضائية" الذي تصفه الصحافة المغربية بانه "اف.بي.آي المغرب" أن "عدد الخلايا الإرهابية المفككة منذ 2002 بلغ 132، فيما عدد المعتقلين في قضايا الإرهاب بلغ 2720 ، اضافة الى تسجيل 267 محاولة ارهابية فاشلة"، ما بين محاولة مهاجمة بالسلاح ومحاولة اختطاف ومحاولة اغتيال ومحاولة تفجير. هذه الأرقام الجديدة، تم الإعلان عنها، الاثنين (23 مارس)، خلال مؤتمر صحافي بمقر هذا المكتب، حيث تم تقديم تفاصيل تفكيك خلية وصفت ب"الأكبر من نوعها" خلال السنوات الماضية، باعتبار أنها كانت تنشط في تسع مدن مغربية وبحوزتها أسلحة، كما أنها بايعت تنظيم الدولة الإسلامية. وقالت السلطات إن التحقيق الأولي مع أعضاء هذه الخلية كشف أنها كانت تستهدف شخصيات مغربية اضافة الى "استهداف عناصر (فرقة حذر) عبر تسميمهم"، وهي فرقة مكونة من أفراد الجيش والشرطة، نشرتها السلطات نهاية 2014 في الأماكن الحساسة تحسبا لأي عمليات ارهابية محتملة. وأكد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، أخيرا أن المغرب الذي بلغ عدد قضايا الارهاب المسجلة فيه خلال 2014 ، مقارنة ب2013 ، قرابة 150 قضية بزيادة نحو 130 في المائة "يعيش حالة يقظة دائما" تحسبا لأي عمليات وهو ما يعكسه نشر أعضاء "فرقة حذر". وبفضل هذه اليقظة الأمنية تبقى المملكة، بحسب طارق أثلاثي مدير "المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية"، "البلد الأكثر استقرارا في المنطقة"، كما انه "الأقل تعرضا للخطر مقارنة مع البلدان التي تقتسم حدودها مع ليبيا" التي تعيش حالة من الفوضى وصعودا لتنظيم الدولة الإسلامية. وهذه اليقظة الأمنية حسبما أكد لوي كابريولي، نائب المدير العام السابق ل"الإدارة الفرنسية لمراقبة التراب" (المخابرات الداخلية الفرنسية)، في حديثه لفرانس برس، ليست وليدة اليوم، فهي تعود الى سنوات التسعينيات، حيث "طورت الأجهزة الأمنية المغربية قدراتها وخبراتها منذ 1990 مع المقاتلين المغاربة في أفغانستان". وفي هذا الإطار، كما يوضح المنار السليمي مدير "المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات"، لدى المملكة "قاعدة بيانات شاملة حول الظاهرة"، تقتسمها مع حلفائها الغربيين، وهذه القاعدة "تم تطويرها أكثر عبر التحقيقات مع العائدين لرسم بروفايلات وتوجهات المجموعات المقاتلة خصوصا مع داعش" وهي تسمية رائجة لتنظيم "الدولة الاسلامية". وفسرت الصحافة في المغرب وفرنسا عودة العلاقات المغربية الفرنسية الى مجراها الطبيعي منتصف فبراير بعد عام من القطيعة الدبلوماسية والأمنية، ب"الرغبة الملحة" لدى باريس في الاستفادة من الخبرة الأمنية المغربية وتقوية التعاون خاصة بعد استهداف صحيفة "شارلي ايبدو" الساخرة. وبحسب السليمي فقد سبق للمخابرات المغربية ان "زودت نظيرتها الفرنسية بمعلومات مهمة في هذا المجال، "مثل التحذير الخاص بوجود محاولة لتفجير مقر المخابرات الفرنسية في باريس"، كما ان التعاون قوي أيضا مع اسبانيا، ولجهاز الأنتربول مكتب رسمي في مدينة الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب. واضافة الى الإجراءات والتنسيق الأمنيين، أطلق المغرب سنة 2004 برنامجا وطنيا لإعادة هيكلة الحقل الديني عقب تفجيرات 16 مايو 2003 في مدينة الدارالبيضاء، والتي أودت بحياة 45 شخصا، وذلك بهدف "تحقيق الأمن الروحي" للمغاربة بإشراف مباشر من "إمارة المؤمنين" ممثلة في الملك محمد السادس. وخصصت السلطات لذلك قرابة 20 مليون يورو بغرض نشر "اسلام سني مالكي متسامح" عبر ادراج اللغات والثقافات في مناهج تكوين الأئمة واطلاق جيل جديد من المرشدين والمرشدات الدينيين، تم ارسال عدد منهم الى المساجد الأوروبية لتأطير المغاربة ومواجهة زحف "الإسلام الوهابي" في القارة العجوز. واضافة الى ذلك عمدت الرباط الى اعادة ادماج بعض من رموز السلفية الجهادية ومن بينهم الشيخ محمد الفزازي، الذي اعتقل عقب تفجيرات الدارالبيضاء في 2003 وخرج بعفو ملكي في 2011 رفقة رموز سلفية أخرى. هذا الشيخ الذي كان محكوما ب30 سنة سجنا نافذا، ألقى في تحول جذري سنة 2014 خطبة الجمعة امام الملك محمد السادس واكد فيها على "أهمية الأمن والاستقرار من اجل ممارسة الشعائر الدينية". لكن تنامي الحركات المتطرفة الموالية للقاعدة في شمال أفريقيا وبلاد الساحل والصحراء، رفع الرهان وجعل الرباط تصدر تجربتها الدينية الخاصة بتكوين الأئمة، فكانت مالي أول مستفيد ب500 حيث بدأ تكوينهم في 2014 وسيستمر هذا التكوين في مركز جديد انتهى بناؤه، وينتظر أن يدشنه العاهل المغربي قريبا. واليوم التحقت عدد من البلدان الأفريقية بهذا المركز ومن بينها تونس وساحل العاج وغينيا كوناكري والسنغال، اضافة الى بلدان أوروبية ومن بينها فرنسا وبلجيكا. كما قوى المغرب تشريعاته المتعلقة بمحاربة الإرهاب حيث اقرت الحكومة في أكتوبر الماضي تعديلات قانونية تعاقب بالسجن حتى عشر سنوات كل من التحق أو حاول الالتحاق ببؤر التوتر او قام بالتجنيد أو التدريب لصالح التنظيمات الإرهابية، اضافة الى غرامات قد تصل الى 224 ألف يورو.