لم تبدأ علاقة المغرب بتفجيرات 11 سبتمبر، عقب وقوعها كما هو الشأن بالنسبة لمعظم بلدان العالم ، بل ان هذه العلاقة بدأت قبل وقوع الحادث الكبير حين أبلغ عميل مغربي تسلل إلي منظمة القاعدة ، المخابرات المغربية بقرب حصول عملية واسعة النطاق في نيويورك خلال صيف أو خريف 2001، و ذلك قبل أسابيع من الحادث، و هي المعلومة التي أبلغتها المخابرات المغربية بدورها إلى نظيرتها الامريكية، لكن الظاهر أن هذه الأخيرة لم تولها الاهتمام اللازم فكان ما كان. و على غرار باقي البلدان تأثر المغرب بعقابيل هذا الحدث الكوني و تأثر مواطنوه المقيمون بالخارج خاصة في البلدان الغربية ، بيد أن التأثر الكبير تمثل في الاحداث التي عاشها بلدنا في 16 ماي 2003 حين تعرضت العاصمة الاقتصادية للبلاد لهزة إرهابية كبيرة بينت ان المغرب ليس في منأى عن العمليات الإرهابية، و تلا ذلك حملة أمنية استباقية كان نتيجتها تفكيك عدد كبير من الخلايا الإرهابية قبل أن تظهر إلي العلن بوجهها البشع، تزامن أيضا مع نشاط تشريعي كبير لتحيين الترسانة القانونية ، ملاءمتها مع الجرائم الإرهابية الجديدة المغرب ابلغ واشنطن قبل التفجيرات: ذكرنا فى العدد الصادر يوم الجمعة 23 نوفمبر2001 أن عميلا مغربيا تسلل إلى منظمة أسامة بن لادن أبلغ بلاده والولايات المتحدة بالإعداد لاعتداءات 11 سبتمبر الماضي. وذكرنا أن العميل السرى حسن دابو (35 عاما) ابلغ رؤساءه فى المغرب قبل أسابيع من اعتداءات 11 سبتمبر، أن تنظيم القاعدة يحضر «عمليات واسعة النطاق فى نيويورك خلال صيف أو خريف 2001». وكانت جريدتنا قد استقت هذه المعلومات من مجلة «مكسيمال» الفرنسية التى أوضحت أن أجهزة الاستخبارات المغربية نقلت بدورها هذه المعلومات إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية. ، جاء في المجلة أن بن لادن «كان يشعر بخيبة شديدة» من فشل العملية الأولى التى استهدفت برج مركز التجارة العالمى فى فبراير1993. وقال حسن دابو إنه كان من المفترض مهاجمة البرجين بسيارة محشوة بستة أطنان من المتفجرات. وقد بدأ حسن دابو عمله مخبرا فى الأحياء الشعبية فى المغرب ثم أصبح عضوا مهما فى أجهزة الاستخبارات وسافر خصوصا إلى الجزائر وإيران ثم إلى أفغانستان حيث أقام علاقات مع تنظيم أسامة بن لادن الذى أصبح «موضع ثقته». ويعيش العميل المغربى الآن باسم مستعار فى ضاحية واشنطن. 16 ماي المغربية: و بعد أقل من سنتين علي تفجيرات 11 شتنبر الأمريكية، عاش المغرب تجربة مماثلة في ثلاثة أماكن حساسة بعاصمته الاقتصادية، ففي 16 ماي 2003 و في وقت متزامن تقريبا ضرب الإرهاب بيده الدموية كلا من «كاسا دي اسبانيا» و هو ناد خاص تابع للسفارة الاسبانية، و فندق فرح سفير و هو واحد من الفنادق الممتازة وسط المدينة ، و هما الموقعان اللذان عرفا سقوط ضحايا كثر ، أما الموقع الثالث للضربة الارهابية فكان مقبرة للمواطنين المغاربة من ديانة يهودية. و لم يكن اختيار مواقع الضربات تلك عشوائيا، بل كان انتقاء مدروسا. فضرب نادي «كاسا دي اسبانيا» كان المقصود منه إدخال الرعب في قلوب الاجانب المقيمين بالمغرب و الذين عاشوا فيه بطمأنينة و دعة و ضرب إسفين في العلاقات المغربية- الاسبانية، أما الفندق فكانت الغاية من ضربه هي استهداف السياحة بالمغرب و هو القطاع الذي تشكل مداخيله مساهمة حيوية في النشاط الاقتصادي لبلادنا، بينما شكل ضرب المقبرة اليهودية محاولة للنيل من التعايش النبيل و التاريخي بين حاملي الديانتين من أبناء البلد الواحد. و قد ترتب عن هذا الحادث الدموي استنفار محمود للمؤسسات الأمنية كان من ثماره تفويت الفرصة على عدد من الارهابيين، الذين يمتحون من معين فكري و ايديولوجي واحد، و ذلك بتفكيك عدة شبكات إرهابية و اعتقال افرادها قبل انتقالهم إلى مرحلة الفعل الدموي. و تلا ذلك سلسلة من المحاكمات و علاوة على بيانات الاستنكار و الشجب التي اطلقتها الاحزاب السياسية و النقابات و الجمعيات المختلفة نظمت مسيرة حاشدة ضد الارهاب يوم 23 ماي 2003 بالرباط شارك فيها ما يربو على مليوني مواطن رفعوا شعارات التنديد بالتطرف و الارهاب تشريعات ضد الارهاب و من أجل ملاءمة التشريعات القانونية مع جرائم الإرهاب الجديدة علي مجتمعنا، بادرت الحكومة المغربية إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 بإعداد مشروع قانون حول مكافحة الإرهاب شبيه بمجمل القوانين ذات نفس الهدف التي عرفتها الكثير من بلدان العالم، إلا أن الوقفة الحازمة ضد هذا المشروع لمختلف التنظيمات الحقوقية المغربية دفع بالحكومة إلى سحب المشروع لمراجعته.. ثم وقعت أحداث الدارالبيضاء الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 . فأخرجت الحكومة المغربية المشروع من جديد وطرحته على البرلمان الذي وافق عليه في شبه إجماع أياما قليلة بعد وقوع التفجيرات ، و هكذا ساهمت عملية 16 ماي الإرهابية في تقهقر مجال الحريات العامة والخاصة والضمانات المتعلقة بحقوق الإنسان ببلادنا إصلاح المساجد و لأن الإرهاب استند إلى فهم معين للدين لدى المخططين و إلي جهل كبير بسماحة الاسلام لدي المنفذين، أولى المغرب اهتماما خاصا لإصلاح المساجد ودور العبادة، وتحديث مناهج التعليم الديني، وتقوية صلاحيات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. و هكذا صب المسؤولون جزءا كبيرا من اهتمامهم على المساجد و خاصة تلك التي لا تخضع لرقابة وزارة الاوقاف ،و التي فرخت بشكل كبير في الاحياء الهامشية و المهمشة. و كانت ظاهرة المساجد العشوائية هاته قد انتشرت في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي امام تغاضي الدولة و مؤسساتها، مما جعلها خارج نطاق الرقابة و الاشراف و جعل مهمة تأطير المصلين الحاجين إليها،خاصة الشباب منهم، في أيدي «فقهاء» متشبعين بالفكر الظلامي ينشرون فهما و تأويلا خاطئا للاسلام و عقيدته و هم ما اصبح يطلق عليهم اسم «أمراء الدم» . و هكذا عمدت وزارة الاوقاف إلى إعادة توزيع الكثير من الأئمة و إغلاق عدد من المساجد العشوائية التي لا تتوفر فيها مواصفات بيوت الله الجانب الاجتماعي أيضا كما عمد المغرب إلى الاهتمام بالجانب الاجتماعي و الاقتصادي للطبقات المسحوقة و التي عدت مشتلا خصبا لاستقطاب المنفذين ، إذ أن معظم هؤلاء ينحدرون من أحياء هامشية (كاريان طوما...) تنعدم فيها الحدود الدنيا للعيش الكريم ،إذ تعرف براريك هذه الاحياء تكدسا كبيرا للساكنة مع حرمان شبه تام من الماء الشروب و التيار الكهربي و قنوات الصرف الصحي، علاوة على عدم توفر هذه الاحياء علي المرافق الضرورية من مستوصفات و مدارس و.....لهذا شكلت المقاربة الاجتماعية واحدة من المقاربات التي اعدتها الحكومة لمحاربة ظاهرة الارهاب الإرهابي شخص منكفئ يعاني من الحرمان يرى جل علماء النفس أن الحرمان عموما من شأنه توليد درجات و مستويات مختلفة و متباينة من العنف. و بتوفر شروط مواتية و تدخل عوامل خارجية يمكن أن يتحول هذا العنف إلى إرهاب. و لعل أبرز نوع من الحرمان الذي يمكن أن يشعر به أي إنسان_ متعلما كان أو غير متعلم، مسيسا كان أو غير متسيس- هو الحرمان من متع الحياة (لاسيما الحاجيات الضرورية لضمان العيش الكريم) و التي يعاين استفادة البعض منها دونه. و إذا وسعنا مفهوم الإحباط ليشمل الحرمان من جملة من الماديات و الحاجيات و الحيلولة دون إشباعها، مادية كانت أو اجتماعية أو جسمية أو نفسية أو كذلك روحية، يمكن أن يكون هذا الإحباط و بهذا الفهم العام و الشامل فقط مساعدا لتفسير بعض أشكال الإرهاب. و هذا الإحباط قد يتحول إلى عدوان ضد الآخر و قد يأخذ شكل إرهاب، كما يأخذ في حالته القصوى الشكل الانتحاري. و يمكن إضافة عامل آخر، و هو عامل فقدان التواصل بين الجماعة التي تتبنى الإرهاب و الجهة أو الطرف الذي يوجه نحوه الفعل الإرهابي. و في هذا الصدد هناك من يعتقد أن الإرهاب يظهر عندما تنقطع خيوط التواصل و التفاهم. و مهما يكن من أمر فقد اتفق علماء النفس على أن هناك خللا في المكون الانفعالي لشخصية الإرهابي. بحيث يحول هذا الخلل دون الشعور بالذنب عند ارتكاب العمل الإرهابي و الذي غالبا ما يكون ضحاياه أناس أبرياء. و هذا لا يعني أن الإرهابي شخص مجنون أو مختل عقليا بالتعبير العام أو أنه مريض نفسانيا بالتعبير السيكولوجي لأن المجنون أو المختل عقليا مستبعد كليا و قطعا من دائرة الإرهاب لأنه لا أهداف له من وراء ذلك العمل و لا يستطيع السيطرة على أفعاله. و عموما فان الإرهابي شخص منكفئ على ذاته متمحور حولها لا يقيم أدنى اعتبار لمشاعر الآخرين. و غالبا ما يميل إلى إسقاط نواقصه على الغير. إلا أنه وجب التنبيه إلى أن خصائص الإرهابي تظل دائما مرتبطة بالخلفية التاريخية و الاجتماعية و الفكرية و بالتالي لا يمكن تعميمها على الأشكال و على جميع من ينعتون بالإرهابيين. و هكذا فخصائص الإرهابي الديني قد تختلف عن خصائص الإرهابي السياسي و ذلك اعتبارا لفعل الفوارق الحضارية و التاريخية و الفكرية. إلا أنه هناك جملة من الخصائص قد تكون مشتركة بين مختلف الإرهابيين. و لعل من أبرز تلك الخصائص العمر. فأغلب الإرهابيين يتراوح سنهم بين 20 و 35 سنة. و نقطة العمر هذه تثير الاهتمام و هي المرحلة العمرية التي تعد بداية الرشد و النضج العقلي و الانفعالي و الاجتماعي. و هناك خاصية أخرى قد تكون مشتركة و هي المتعلقة بالجانب الاجتماعي. فمن الملاحظ أن علاقة الإرهابي بأعضاء مجموعته تكون قوية جدا مما يوحي بأنها تعويض عن فقدان شبكة العلاقات الاجتماعية المفقودة، و التي يحتاج إليها المرء في أي مجتمع.