سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كريم مولاي في حديث خاص ب« المساء »: أنا مستعد أن أكشف عن ملفات من العيار الثقيل حول نزاع الصحراء الجماعات المسلحة وتنظيمات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هي من صنع المخابرات الجزائرية
حينما اتفقت مع كريم مولاي، عميل المخابرات الجزائرية السابق، على اللقاء في لندن، تغيرت أشياء كثيرة في تفاصيل اللقاء، فالرجل بحسه المخابراتي لم يحدد لي موعد ومكان اللقاء بالضبط، بل هاتفني قبل ساعة من الموعد، ناهيك عن أنه اعتذر عن تناول إفطار رمضان معي، قبل أن ينتهي بنا المطاف في أحد الفنادق القريبة من حي «كوينزواي». يقول كريم، الذي أشرف على الإعداد اللوجيستيكي لهجوم «فندق أطلس أسني « بمراكش، عن نفسه إنه مواطن جزائري، ينتمي إلى عائلة مجاهدة، ثورية، و أن والده من قدماء جيش جبهة التحرير الوطني، و أنه عاش جحيم سبع سنوات من حرب التحرير، و أنه كان مكلفا بنقل السلاح من تونس إلى الجزائر، فأصيب خلال حرب التحرير. كما زج به الاستعمار الفرنسي في السجن مدة ثلاث سنوات (من 1959 إلى 1962). ويضيف كريم أنه كان يحلم بأن يساهم و لو بقسط متواضع في خدمة المصالح العليا للوطن، خاصة أنه من قدماء الكشافة الجزائرية، كما كان مكلّفاً بالإعلام، الثقافة و التكوين في الثانوية، و رئيس تحرير مجلة. وكان أيضا يحلم بالالتحاق بالجامعة، فتحقق له ذلك عام 1987، لكن بعد الالتحاق ب«USTHB»، «كان شيطان رجيم ينتظرني اسمه «A.E.K»، يضيف مولاي، «وجحيم ينتظرني اسمه «DRS»، قلب مسار حياته رأساً على عقب. وال «دي .أر إس» ما هو إلا إشارة للمخابرات الجزائرية، وهو اختصار لاسم «مديرية الاستعلامات والأمن»، التي كانت في السابق تحمل اسم «الأمن العسكري»، ويرأسها الجنرال توفيق . وكشف العميل السابق مولاي، في حديث مطول مع «المساء» دام حوالي ساعتين، أن الله أعطاه موهبة اختراق الآخرين.بيد أنه قال إنه استغلها في أمور قذرة. وأوضح أنه حينما بدأ العمل في المغرب كان يعتقد أن هناك نشاطا تجسسيا ضد الجزائر، وأن هناك حركات تود قلب نظام الحكم فيها. كما بيّن مولاي أن كشفه ملف فندق أطلس أسني لا يتعلق بتاتا بتصفية حسابات مع أشخاص معينين بقدر ما يتعلق بتصفية حسابات مع نفسه ومع جهاز المخابرات الجزائري. وأضاف قائلا:» أريد أن ألتحق بالرفيق الأعلى وأنا مرتاح الضمير». وعبر مولاي عن مشاعر قوية تجاه المغرب، الذي قال إنه أحب بلد في العالم إلى قلبه بعد الجزائر، لكنه سيحرم عليه إلى الأبد للأسف. وكشف مولاي أنه استغل مسألة زواجه وقضاء شهر العسل للخروج من الجزائر، وأن مخابرات بلاده اقترحت عليه قضاء شهر العسل في ماليزيا، وهناك كلفته بمهمة اغتيال نجل عباسي مدني . و أضاف أن شخصا مهما في السفارة بماليزيا قال له: «نريد أن نرسل هذا الشخص إلى الجزائر في تابوت». - إذن، كانت المعلومات تصلكم من داخل مؤسسة الأمن المغربي؟. نعم، كانت تصلنا من داخل نظام الأمن المغربي، ومن مركز الاتصال السلكي واللاسلكي، الذي كنا نحصل منه على أرقام الهواتف، ومن خلالها نحصل على عنوان الشخص المعني، ومن خلال تلك الأرقام نحصل على أرقام أخرى، وهكذا دواليك إلى أن وجدنا أنفسنا أمام سلسلة متواصلة. وأعتقد أن المخابرات الجزائرية كانت تركز في وقت واحد على 40 شخصا، تم إنجاز تقارير منظمة ودقيقة عنهم. - طيب.. بالنسبة لمنفذي هجوم فندق أطلس أسني، هم: ستيفان آيت إيدر، وهامل مرزوق، ورضوان حمادي، وعبد الرحمن بوجدلي, هل سبق لك أن التقيت بهم قبل تنفيذ الهجوم؟. لا، لم ألتق بهم. - لم تلتق بهم حتى في العشاء، الذي قلت، في وقت سابق، إنك نظمته في أحد فنادق مراكش الفاخرة ؟. إذا كانوا موجودين في العشاء ربما قدموا لي بأسماء أخرى. وكما قلت لك إن مهمتي كانت لوجيستية تتمثل في تقديم تقارير دقيقة عن تحركات الأشخاص المعنيين واتصالاتهم، واتجاهاتهم السياسية، ومعرفة ما إذا كانوا أصوليين أم لا . - طيب.. حينما اعتقل منفذو هجوم فندق أطلس أسني، ونشرت صورهم بمختلف الصحف والمنابر الإعلامية، ألم تتعرف عليهم ؟ كلا، لم أتعرف عليهم. وهذا أقوله للتاريخ. - أعود إلى شك أمن الرشيدية في علاقتك بالمخابرات الجزائرية. ما هو الشيء الذي دفعهم إلى الشك بك؟ أنت مغربي وربما أدرى مني بالقضايا المغربية، رغم أنني عملت في الموضوع المغربي. ففي الرشيدية إذا جاءك ضيف جزائري يجب أن تبلغ الشرطة بوجوده لديك. لذا طلب رجال الأمن في المدينة من صديقي رجل أمن الرشيدية بأن يأتي لهم بجواز سفري لأنهم يشكون بأنني عميل للمخابرات الجزائرية. وقد كان رجل أمن الرشيدية عميلا وصديقا، رغم أنه من الصعب جدا أن يتحدث المرء هنا عن الصداقة لأنني اشتغلت به، ووظفته في العمل لصالح المخابرات الجزائرية. وسأقول لك شيئا لا أهدف من ورائه تبرئته أو تبرئة نفسي. ذلك أن رجل أمن الرشيدية كانت لديه ظروف قمت باستغلالها لأقنعه بالعمل لصالح المخابرات الجزائرية، خاصة أنه كان في عمقه مناوئا للنظام الملكي المغربي، فأنا استغللت فيه هذا الجانب. - هل لك أن تحدثني بالتدقيق عن الكيفية التي خرج بها رجل أمن الرشيدية من المغرب؟ وهل تم ذلك مباشرة بعد الهجوم على فندق أطلس أسني؟. غادرت مدينة مراكش بعد يوم من تنفيذ الهجوم على فندق أطلس أسني، متوجها إلى مدينة الناضور، ومنها إلى وجدة. لكن قبل مغادرتي مراكش جمعني لقاء مع الصديق والعميل رجل أمن الرشيدية، وكان ضابط الاتصال المكلف بالتنسيق معي قد سلمني ظرفا يحوي مبلغا ماليا طلب مني أن أسلمه إلى رجل الأمن المغربي، وطلب مني أن ابلغه بأن المخابرات الجزائرية ستتصل به في ظرف أسبوع أو أسبوعين . - هل التقيته في مراكش قبيل مغادرتك لها أم يوم وقوع الحادث؟. نعم.كان موجودا في مراكش يوم الهجوم، لكن لا علاقة له بتنفيذ الهجوم. -أين كنت تلتقي بعملائك في مراكش؟. في فندق المامونية، وفي ثلاث فيلات كنا نتوفر عليها في أحد أحياء مراكش الراقية. - إذن اجتمعت برجل الأمن مباشرة بعد الهجوم؟. بعد تنفيذ العملية التقيته وقدمت له الظرف المالي، ووقع على وصل الاستلام. وقلت له إنه سيتم الاتصال به قريبا. ولما حملت الوصل إلى ضابط التنسيق سألته: «كم أعطيته؟». ونظرا لأنه مر على اشتغالي في المخابرات مدة سبع سنوات، وأصبحت أحظى بالثقة، قال لي: «الظرف فيه 20 ألف فرنك فرنسي». وأضاف قائلا :«سوف نرتب له أموره بشكل جيد . وبالفعل تم الاتصال به بعد أربعة أشهر، أي في نهاية 1994. وبعد ذلك سافر إلى مالطا ومنها إلى ليبيا. ووفرت له مصالح المخابرات الجزائرية العاملة في ليبيا وظيفة في مركز دراسات الكتاب الأخضر في طرابلس كما سبق أن قلت لك في البداية. - وماذا عن العميل مدير مركز الاتصالات السلكية واللاسلكية في مراكش؟. لقد حصل على حصة الأسد من الأموال. إذ أخذ على الأقل مقابلا للخدمات قدره 50 ألف فرنك فرنسي، وغادر بعد ذلك المغرب إلى كندا في وقت قياسي جدا. - هل ساعدته المخابرات الجزائرية على الانتقال إلى كندا وتوفير ظروف إقامته هناك؟ لا أدري. - وهل زرته في كندا أو التقيت به في مكان آخر؟. لا، لم أزره ولم ألتق به بعد ذلك. - ألم تحاول الاتصال بالمخابرات المغربية لإبلاغها بهذه المعلومات ؟ لم أحاول لأنني كنت خائفا على حياتي. - كنت خائفا من المغاربة أم من الجزائريين؟. أنا قلت لك إني خائف من الجزائريين. وكما سبق أن قلت لك، يمكن بعد انتهاء لقائي بك أن أتعرض لعملية اغتيال أو تسميم أو يبعثوا لي نساء... وهذه طريقة معروفة في عمل المخابرات الجزائرية. فهم يقومون بتشميمك مادة مخدرة أو وضعها في مشروب. إنني حذر جدا. وللتاريخ، بإمكانك أن تذكر بأنني قبل لقائنا سألتك هاتفيا هل ستكون وحدك أم معك أحد ما؟. وكنا متفقين أن نفطر سوية، لكن في آخر لحظة غيرت رأيي، فأنا لابد أن أحمي نفسي. وعودة إلى عدم اتصالي بالمخابرات المغربية، فانا كنت خائفا لأن المخابرات المغربية تعتبر من المخابرات القوية في المنطقة، وخفت أن يكون هناك نوع من التواطؤ بين المخابرات الجزائرية والمغربية للتغطية على هذا الموضوع وطي صفحته مقابل صفقة ما. وأود القول هنا إنني حينما أدليت بحديث لبرنامج «بوضوح» لقناة «الحوار» تأجل موعد بثه مدة أسبوع لأن الحكومة الجزائرية عن طريق عملاء لها، بمن فيهم أحد الصحفيين داخل القناة، تدخلت على الخط، وضغطت على القناة ، وتم استعمال مقص الرقيب، الذي اجتز 18 دقيقة من مدة البرنامج، وكذلك أسماء القيادات السياسية والمخابراتية التي ذكرتها. وأشير هنا أيضا إلى أنني لو كنت بدأت بكشف ملفات الدول المجاورة قبل الكشف عن الملف الجزائري لساد الاعتقاد بأنني ما زلت أعمل مع المخابرات الجزائرية، و أن هذه الأخيرة دفعتني إلى القيام بما قمت به من أجل المزيد من تعكير الأجواء. و أود أيضا أن أعلن من منبركم أنني بكشفي عن هذه الملفات، وضمنها ملف فندق أطلس أسني، لا أنتظر مقابلا لذلك، لا مالا ولا جزاء ولا شكورا، فأنا قمت بذلك لإرضاء ضميري، وتحقيق راحة البال، وأنا أنوي القيام بفريضة الحج في المستقبل لبدء حياة جديدة بعدما نظفت نفسي من كل الشوائب. مع العلم أن حياتي في خطر ويمكن أن ألقى حتفي في كل لحظة، لكن الأعمار بيد الله. وهناك نقطة أخرى أريد أن أشير إليها هي أنه كان بإمكاني أن أبقى في الظل، فأموري المادية مستورة والحمد لله: لدي بيت في ملكيتين وأعمل عملا شريفا، فقد درست الحقوق في جامعة بريطانية وحصلت على شهادة ال»باشلور»، وعملت في مكتب محاماة ، و الآن أعمل مع شركة دولية. وأود أن أشير أيضا إلى أن المخابرات في الجزائر منحتني شهادة «ماجستر» في الحقوق، لكنها شهادة بدون دراسة. و أؤكد القول بأنني لو لم أكن أريد أن أحقق راحة لضميري لبقيت في الظل مثلما فعل كثيرون من أمثالي . - وماذا عن ردود فعل المخابرات الجزائرية إزاء كشفك معلومات حول الملف الجزائري الداخلي؟. لم يصدر عنها أي تعليق فيما أعلم لحد الآن حول ما كشفته قبل أربعة أسابيع، أما التعليق الوحيد الصادر عن الجزائر فيتعلق بالمعلومات التي تتعلق بملف فندق أطلس أسني، حيث خرج زميل سابق لي في العمالة للمخابرات الجزائرية، واسمه الصادق بوقطاية، في قناة «الجزيرة «، ووصف ذلك بالهراء ، زاعما أنني أعمل لحساب المخابرات الفرنسية والمخابرات البريطانية، فكان سؤال الصحافي له: «مادام كريم مولاي يعمل لحساب المخابرات الفرنسية والبريطانية، فلماذا تعطي الجزائر امتيازات بترولية لفرنسا وبريطانيا؟».هذا رد فعلهم لما تحدثت عن المغرب، لكن لما كشفت عن جرائمهم التزموا الصمت. - أعلنت في وقت سابق أنك حينما علمت بتنفيذ الهجوم على فندق أطلس أسني أدركت أن العملية تمت من طرف المخابرات الجزائرية، التي اتصلت بك وطمأنتك ووعدتك بتأمين عودتك إلى الجزائر . كيف تم الاتصال بك؟ هل تم هاتفيا أم عن طريق عملاء أم عن طريق السفارة الجزائرية؟. السفارة ربما يكون لديها علم، لكنها لم تكن تتصل بي، وربما كانت تتصل بي من خلال روابط ، وأنا لم تكن لدي معلومات تؤكد أن هذه الروابط تعمل في السفارة بالرباط، خاصة أن الضابط المشرف علي في المخابرات الجزائرية، الذي استلم العيايدة من المخابرات المغربية، كان دائما يقول لي : «لا تسأل أسئلة أبدا . إذا كانت كلمة السر، التي سيقدمها لك الشخص المرسل إليك صحيحة، فتأكد أنه يشتغل معنا . ولهذا حينما وقع الهجوم كنت في ساحة جامع الفنا، وأدركت أن الهجوم هو من تدبير المخابرات الجزائرية، فأنا لست غبيا حتى لا أدرك ذلك. وبالتأكيد، كان بالقرب من مكان الحادث كثير من العملاء وضباط الاتصال الجزائريين، الذين حرصوا على معرفة ردود الفعل إزاء الحادث في حينها. آنذاك ربت أحدهم على كتفي، وقال لي كلمة السر، وطمأنني بشأن تأمين عودتي إلى الجزائر. - وماذا كانت كلمة السر؟. لن يفيد ذكرها في شيء. - قلت إنك غادرت مراكش بعد يوم واحد من وقوع هجوم فندق أسني باتجاه الناظور. كيف استطعت الوصول إلى الناظور دون الوقوع في قبضة الأمن المغربي الذي أقام حواجز أمنية في جميع الطرقات؟. لقد رتب ضابط الاتصال الجزائري كل الأمور. العملية جرت في 24 غشت، وأنا غادرت نحو الناظور يوم 25 غشت على متن سيارة أجرة كانت تقل خمسة أشخاص، كلهم مغاربة، إضافة إلى السائق، فقمنا بإرشاء سائق سيارة الأجرة لتفادي التفتيش عند الحواجز الأمنية . كما تم التكلف بأغراضي لإيصالها إلى الناظور. ولم أكن أحمل سوى جواز سفري الجزائري، فمررنا بنقاط تفتيش تمكنا من تجاوزها دون تفتيش، خاصة أن السائق بمجرد ما كان يصل إلى نقطة التفتيش كان يمد يده إلى الشرطي أو الدركي لرشوته، باستثناء نقطة تفتيش واحدة تم فيها إنزال الركاب من السيارة لتفتيشهم. ولما عرف الدر كي أنني جزائري سألني: «إلى أين أنت ذاهب؟» فقلت له إنني متوجه إلى الجزائر عبر الناظور و وجدة. وهنا تدخل السائق وقام بالمطلوب منه، إذ أخذ الدركي جانبا وقدم له رشوة، فمضينا إلى حال سبيلنا. ولما وصلنا إلى الناظور في منتصف الليل كانت لدي معلومات حول الفندق الذي يجب أن أتوجه إليه. وكان الأمر يتعلق بفندق صغير يقع بالقرب من شاطئ البحر. مضت الأمور عادية مع موظفي الاستقبال لأن الاتهامات بوقوف الجزائر وراء الهجوم لم تكن وقتها قد خرجت للعلن. كما أن صاحب الفندق طمأنني قائلا إن لديه معارف كثرا في أمن الناظور، وأنه بإمكاني الإقامة في الفندق بدون مشاكل. أقمت في الفندق إلى يوم 28 غشت، حيث توجهت إلى وجدة، ومنها إلى منطقة الحدود «زوج بغال»، وهناك سألني رجل أمن مغربي عن جنسيتي وأخذني إلى قاعة قريبة وبدأ استنطاقي بعدما تبين له من خلال المعطيات، التي أخرجها من الكومبيوتر، أنني دخلت المغرب سبع مرات خلال عام واحد، فقلت له إنني كنت في زيارة سياحية. لقد قلت له ما لقنه لي الضباط الجزائريون في حالة توقيفي من قبل رجال الأمن المغربي، خاصة أنهم كانوا يتوقعون أنه سيتم توقيفي. وفتش الأمنيون المغاربة أغراضي فوجدوا فيها صورا كثيرة ، وبعض الصور الخاصة بفندق أطلس أسني، تم التقاطها لي داخله وخارجه، إضافة إلى صور في ساحة جامع الفنا، فسألني رجل الأمن : «ماذا كنت تفعل هناك؟» فقلت له:» إن مراكش منطقة سياحية ويأتيها الناس من جميع أنحاء العالم، فقال لي : «جئت بإسبانيين بالصدفة؟»، فسألته : «ماذا تقصد بالصدفة ؟ «فقال «أظن أن لك يدا فيما حصل في مراكش»، فقلت له : «فاش». وأضفت قائلا: «أنا جوازي أمامك ومهنتي واضحة : مكلف بمهمة في وزارة التعليم العالي»، فقال : «لكن الصور تبين أنك شخصية مهمة، وكانت ضمن الصور صور خاصة تارة في الجامعة و تارة في أنشطة المجتمع المدني» ثم وجه إلي بملاحظة قائلا: «كيف تتوفر على تأشيرة الدخول إلى فرنسا مدتها عام، ولم تزر فرنسا؟». وأضاف أن الناس يحلمون بالسفر إلى فرنسا، فأجبته بأنني كنت ذاهبا إلى باريس في إطار مهمة تبادل زيارات ولم يتسن لي القيام بذلك . وأود التذكير هنا بأنني كنت أقوم بمهام استخباراتية تحت غطاء تبادل الزيارات مع تونس وليبيا والدول العربية. آنذاك أخذ رجل الأمن معظم الصور، خاصة تلك المتعلقة بفندق أطلس أسني ومراكش، وخضعت لاستنطاق نفسي، وكانت الوجوه التي تستنطقني تتغير، وتتم إعادة طرح نفس الأسئلة التي تم طرحها علي من قبل. وفي الختام سألوني إن كنت أرغب في الاتصال بأحد من قبيل السفارة الجزائرية في الرباط، فقلت لهم: «ليست لدي أي علاقة بالسفارة. فلماذا أتصل بها ؟». ثم سألوني أيضا عما إذا كنت أرغب في الاتصال بأحد في الجزائر. والحقيقة أنهم عاملوني معاملة جيدة ولم أتعرض مثلا للضرب أو السب، وسألوني إن كنت أريد أن أتناول طعاما، فشكرتهم وقلت لهم إني أريد أن أعود إلى بلدي. - كم دامت مدة الاستنطاق؟. 10 ساعات. - وماذا جرى بعد ذلك؟ وقع تغيير في الأشخاص العاملين في نقطة الحدود. وسألني أحد عناصر حرس الحدود، الذي بدأ للتو عمله، عما إذا كان لدي يد فيما جرى، فأقسمت له بأنني بريء ولا علاقة لي بما جرى، وبدا لي كأنه صدق ما قلته له لأنه لم يكن على دراية بالموضوع كله بما في ذلك عملية استنطاقي مدة 10 ساعات . وبما أنني كنت على دراية ب»السيستام» السائد، سألته مباشرة كم يلزمك من قدر مالي لتتركني أمر إلى الجانب الحدودي الجزائري، فقال لي: «كم لديك من أموال؟» فأجبته: «لدي حوالي ثمانية آلاف فرنك فرنسي»، فقال : «أعطيني المبلغ كله». وبعد ذلك قام بإخراجي من الباب الخلفي لنقطة الحدود، وطلب مني أن أظل في مكاني إلى أن يشير إلي بالعبور إلى الجانب الحدودي الجزائري، لأنه كان يريد أن يقنع حارس الحاجز الفاصل بين الجانبين الحدوديين بأن يتركني أمرّ ويغض الطرف عني. وانتظرت حوالي 20 دقيقة، قبل أن يشيرإلي بالمرور إلى الجانب الحدودي الجزائري. ويبدو أنه قدم لحارس الحاجز المغربي رشوة . وبالفعل عبرت إلى الجانب الجزائري دون أن يراني أحد وقدمت نفسي لحرس الحدود على أساس أنني جزائري عدت من المغرب، لكنني لم أخبر الضابط المناوب آنذاك بأنني أعمل لصالح المخابرات الجزائرية، وطلبت منه أن أجري اتصالا هاتفيا على انفراد فرفض، آنذاك طلبت منه أن أتحدث إلى رئيس نقطة الحدود، فتم ذلك، وطلبت منه أن يمكنّني من الاتصال بالمخابرات، فاستجاب لطلبي، وتم إرسال سيارة إلي من مدينة مغنية حملتني إلى فندق هناك. وبقيت في مغنية مدة يومين، ثم تلقيت اتصالا يأمرني بالتوجه إلى تلمسان، والإقامة في فندق الزيانيين، وهناك تلقيت أحد ضباط « دي. أر. إس»، ومعناها مديرية الاستعلامات والأمن. - وماذا جرى بينك وبين ضابط المخابرات ؟. اكتفى بالقيام بالحجز لي على متن الطائرة من تلمسان إلى الجزائر العاصمة حيث قدمت لجهاز المخابرات تقريرا مفصلا عما جرى. - هل قدمته للضابط المشرف عليك؟ نعم. - وماذا قال لك هذا الضابط آنذاك؟ طلب مني أن ألتزم الصمت. وأضاف قائلا: «إذا تكلمت سيكون مصيرك رصاصة واحدة في الرأس، وقائمة ضحايا الإرهابيين طويلة». - ماذا فهمت من «قائمة الإرهابيين طويلة» ؟. يعني إذا تكلمت سيتم اغتيالي، وسيتم تحميل الإرهابيين مسؤولية اغتيالي. فيما بعد أحسست بالذنب لأنه تبين لي من خلال الطريقة التي كانوا يقدمون بها الأموال للعملاء المغاربة والجزائريين أن ذلك لم يكن من باب الاعتراف بالجميل أو من أجل سواد عيونهم. وكما سبق أن قلت لك، في عام 1994 كان قد مر على اشتغالي بالمخابرات سبع سنوات، إذ أعرف كيف تكتب التقارير وكيف تتصرف المخابرات. لقد فضلت التزام الصمت لأنني كنت لا أزال أشتغل معهم، واليوم جاء الوقت المناسب للكشف عن ذلك . - بالنسبة للأشخاص الذين نفذوا الهجوم، هل لديك فكرة عن الكيفية التي تم بها انتقاؤهم؟ كما سبق أن قلت لك، تم التركيز على 40 شخصا، لكن الأشخاص الذين نفذوا العملية كانوا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة. بالطبع كانت هناك عمليات تمويه، وأعتقد أن عدد الأشخاص، الذين شاركوا في العملية، تراوح بين 15 و20شخصا، منهم من كان يقوم بعمليات الحراسة، ومنهم من كان يقوم بعمليات تمويه، ومنهم من قام بإطلاق الرصاص في فندق أطلس أسني وقتل إسبانيين وجرح مغربيين، إضافة إلى نهب خزينة الفندق، لأن المخابرات الجزائرية كانت تريد أن تعطي للعملية صورة «عملية مافياوية»، وليس عملا إرهابيا. - بالنسبة للصور التي ضبطها الأمن المغربي عندك في النقطة الحدودية «زوج بغال»، والتي التقطت لك في مراكش وفندق أطلس أسني، هل تمت بطلب من المخابرات الجزائرية؟ وهل أرسلت نسخا منها إليها؟. نعم. تمّ ذلك بطلب منها. - إذا كان الأمر كذلك، ألم ينتبك شك بأن الفندق سيكون مسرحا لعملية هجوم وشيك؟. ليس حتماً، فلقد طلبوا تصوير أماكن كثيرة. - في تصريحات سابقة أعلنت استعدادك الإدلاء بمعلومات دقيقة تخص علاقات الاستخبارات الجزائرية بدول المنطقة، وأخرى تخص عددا من الدول الأسيوية والأوروبية. هل لك أن تحدثني عن بعض هذه المعلومات؟. في الوقت الراهن لست مستعدا للحديث عنها . وموضوع لقائنا اليوم يخص ملف المغرب، و الهجوم على فندق أطلس أسني ، وإذا كنتم ترغبون في إجراء لقاء حول الموضوع في وقت لاحق، فأنا مستعد لذلك،لأن هناك أمورا كثيرة جرت مع دول مغاربية. ولدي أيضا ملفات من العيار الثقيل حول نزاع الصحراء مع المغرب، وحول موريتانيا وليبيا وتونسوفرنسا وإيطاليا وأندونيسيا وماليزيا و سوريا، وهذه كلها دول زرتها في إطار عملية تجسس. - في سياق ذلك، هناك من يقول إن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هو نتاج طبخة أعدتها المخابرات الجزائرية. ما صحة هذه المعلومات ؟ الإرهاب موجود، لكن ليس بالدرجة التي يتم تضخيمه بها من طرف المخابرات الجزائرية. - وماذا عن تنظيم قاعدة المغرب الإسلامي؟. هذه طبخة أعدتها المخابرات الجزائرية بتزكية من المخابرات الفرنسية والأمريكية، لأن الجزائر هي المنطقة الوحيدة التي لا تتوفر فيها المخابرات ووزارة الدفاع الأمريكيتين على قاعدة عسكرية، وهناك معلومات دقيقة تتحدث عن مشروع قاعدة عسكرية أمريكية في الجنوب الجزائري. إذن، فالمغرب والجزائر وموريتانيا والدول المجاورة ستخضع كلها للرقابة الأمريكية. وأنا مقتنع بأن هناك طبخة لأن كثيرا من أمراء ال«جيا» والجماعات المسلحة كان بإمكان المخابرات الجزائرية القضاء عليهم، وألقت القبض عليهم، ولدي معلومات دقيقة ومؤكدة بشأن ذلك، فانا اشتغلت ضمن فرع للمخابرات مهمته تعذيب الإرهابيين الكبار، ف « دي .أر. إس بنعكنون»، الواقعة في حي بنعكنون بالعاصمة، معروفة جدا، فهناك إرهابيون كانوا يقومون بعمليات إرهابية صغيرة، و كان يتم استنطاقهم قبل أن يتم قتلهم خنقا بالأسلاك التي توضع حول أعناقهم. أما الإرهابيون الكبار فقد تم تقديم «الوئام المدني» لهم.فكيف يعقل توجيه الاتهام إليهم بارتكاب جرائم قتل، و اقتراف مجازر بشرية، ثم يقدم لهم «الوئام المدني» ؟. إن المخابرات ما زالت تطبخ الأمور، وسوف يرى الجميع المفاجآت التي ستأتي من المخابرات الجزائرية، خاصة أن هناك الآن في الجزائر صراعا شديدا بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمخابرات. وأجدد القول إن ال«جيا» وجماعة جمال الزيتوني وبعض الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هي من صنع المخابرات الجزائرية. صحيح أنه كان هناك إرهاب، لكن المخابرات ضخمته، وقد كان بإمكانها القضاء على الإرهابيين، لكنها اخترقتهم واستخدمتهم وأعطتهم فرصة ما يسمى ب«الوئام المدني » والمصالحة. ولقد تحدث كثير من الضباط الجزائريين السابقين عن ذلك.