قدر بلدية مراكش، أن يحولها بعض المسؤولين المنتخبين، إلى ضيعة خاصة، يعيثون في أموالها تبذيرا وتلاعبا، ويحولونها إلى أرصدة خاصة، دون رادع أو وازع. فما تكاد تنتهي فصول فضيحة مالية، حتى تطفو على السطح فضيحة أكبر، عنوانها الصارخ استنزاف المال العام،ومراكمة الثروات على حساب المدينة وساكنتها، تحت يافطة: «الميدة ميدة الله، واللي كرمو الله تايتكرم». الفضيحة هذه المرة جاءت في صيغة صفقة عمومية، تهم قطاع التشجير والبستنة، أعلنت عنها المصالح البلدية، فتقدم مجموعة من أصحاب المقاولات والشركات بعروضهم، في انتظار الإعلان عن عملية فتح الأظرفة. كانت الصفقة من نصيب إحدى المقاولات المتخصصة في هذا النوع من المشاريع، باعتبارها المقاولة التي تقدمت بأقل ثمن ضمن المقاولات المنافسة، والتي حددت سعر توليها الصفقة بقيمة 270 مليون سنتيم. إلى هنا تبدو الأمور عادية، وقد احترمت كل معايير ومقاييس الصفقات المماثلة،إلى أن توصل أصحاب المقاولة بمكالمة هاتفية من أحد نواب عمدة المدينة المكلف بالسهر على الصفقة، يطالب من خلالها بملاقاته. أصحاب المقاولة، لم يستسيغوا هذا الابتزاز غير المتوقع، خصوصا وأن مشروعهم المقدم، يتضمن هامشا للربح في حدود المعقول، لا يسمح بتوزيع«البركة»على من لا يستحق، فكان قرارهم إدارة الدهر للدعوة غير الكريمة من «سعادة» النائب، خصوصا, أنهم يتوفرون على مراسلة من المصالح البلدية تخبرهم بكون الصفقة قد رست عليهم بالمبلغ المومأ إليه، ما اعتبروه ضمانة كافية لحقوقهم، دون أن يدور في خلدهم أن رياح بلدية مراكش، تجري بما لاتشتهيه سفن المتعاملين ذوي الصرامة في التعامل المالي. لم يدم الأمر طويلا، حين حاول المعنيون استكمال باقي الإجراءات لتفعيل الصفقة، حين كانت في انتظارهم مفاجأة من العيار الثقيل، بعد توصلهم بمعلومات تؤكد أن العملية قد تسربت من بين أيديهم، كما تتسرب مياه البحر من رمال الشاطيء، حيث تم تفويت الصفقة لمقاولة أخرى، كانت تتربع في الترتيب الرابع ضمن المقاولات المنافسة، حيث فوت لها المشروع بمبلغ 320 مليون سنتيم بالتمام والكمال، ما يؤشر على أن مالية البلدية قد خسرت مبلغ 50 مليون سنتيم، الفارق بين الصفقتين، وحده الله والعاملون عليها، يعرفون أسرارها وخباياها، وبالتالي الكشف على ان المال العام هنا، قد دخل خندق «المال السايب». أصحاب المقاولة الأولى، وبعد صدمهم جدار التفويت المذكور، قرروا رفع التحدي ومن ثمة تقديم شكاية للجهات المسؤولة، تضمنت كل هذه الحقائق الصادمة، مع الإصرار على التشبث بحقهم في تولي الصفقة بالمبلغ المقترح، خلال عملية فتح الأظرفة. فاطمة الزهراء المنصوري عمدة مراكش، ومباشرة بعد توصلها بشكاية في الموضوع، قررت تبرئة ذمتها من هذا التلاعب الجديد، فعملت على فتح تحقيق داخلي، للوقوف على كل الظروف والملابسات التي حرمت مالية الجماعة مبلغ 50 مليون سنتيم، في ظل العجز المالي الذي ما انفكت تعانيه منذ انطلاقة تجربة التسيير الحالية، مقابل النفخ في أرصدة بعض النواب الذين سارت بذكر فضائحهم الركبان، دون أن يمسسهم سوء، أو تتحرك آلة المحاسبة اتجاه طريقة تدبيرهم الذي تطرح أكثر من علامة استفهام، ولا تخلو تبعاتها من حرف «إن». تحقيق تؤكد كل المعطيات المتوفرة، أنه سينتهي بمكتب النيابة العامة، على اعتبار كل المعطيات والحقائق المومأ إليها، فيما مالية البلدية، لا تزال تئن تحت وطأة تدبير أشخاص، لا يتورعون في اقتناص الفرص، للقيام ببعض القفزات، التي تصب في خانة «إلى عطاك العاطي، لا تحرث لا تواطي». سماعيل احريملة