عندما انطلق الحراك الاجتماعي في المغرب، مطلع هذه السنة، لم يكن يوازي قوة شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي رُفع في عدد من البلدان العربية، غير شعار «فلوس الشعب فين مشات» الذي رُفع في شوارع المغرب. فقد كانت حركة 02 فبراير، وكل الديناميات الاحتجاجية الدائرة في فلكها أو السابقة عليها، واعية كل الوعي بأن مشكل المغرب الكبير هو ماله العام «السائب». ألم يردد المغاربة دائما مقولة: «المال السايب كيعلم السرقة». الآن أصبح الكل مؤمنا بأن وضع الحد للتسيب المالي هو المدخل الحقيقي للحد من كل التجاوزات والفوضى التي يعرفها المشهد السياسي المغربي. «المساء» تحاول في هذا التحقيق تقريبكم من بعض جوانب إهدار المال العام. قبل خمس سنوات، نُظمت محاكمة كبرى لناهبي المال العام بالمغرب. وبما أن المتهمين كانوا كثرا، بما لا يسمح لقاعة المحكمة أن تستضيفهم، فقد ارتأت رئاسة المحكمة أن تقتصر الجلسة، التي احتضنها مقر هيئة المحامين بالرباط، على أكبر عملية نهب للمال العام عرفها المغرب: قضية صندوق الضمان الاجتماعي، التي بلغت عدد الأموال المنهوبة فيها 115 مليار درهم! كان ثاني شيء قامت به المحاكمة الرمزية، بعد «تفكيك» شبكة الناهبين وتقديمها، رمزيا، للمساءلة، هو استدعاء خبراء اقتصاديين لتفكيك الرقم المهول (115 مليار درهم) وإعادة تركيبه. وكانت النتيجة كالتالي: إذا نحن استطعنا استرجاع المبلغ، فبإمكاننا أن نضمن 4 ملايين منصب شغل، أو بناء 22 ألفا و400 مدرسة نموذجية، أو بناء مليون و67 ألف وحدة سكنية اقتصادية، أو بناء حوالي 25 ألف مستشفى متوسط. لم يتم استرجاع المبلغ. وما يزال28 شخصا، منذ 2002 وإلى حدود نوفمبر الجاري، يتابعون في هذا الملف أمام محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، ضمنهم ثلاثة في حالة فرار. المال السائب في نهاية شهر غشت المنصرم (2011)، وقع عباس الفاسي «رئيس الحكومة» على منشور موجه إلى وزراء حكومته يدعوهم إلى «ترشيد نمط عيش الإدارة والمؤسسات والمنشآت العامة»، وقد تسلمه كل الوزراء، بمن فيهم منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة، ووقعوا على تطبيقهم له، واحترام مقتضياته التي جاءت، من جملة ما جاءت به، بالاستغناء عن شراء أو كراء سيارات المصلحة. لكن ما لم يكن عباس الفاسي، في الغالب، يعرفه هو أن بلخياط كان قد اكترى قبل ذلك بأيام، وتحديدا يوم 10 غشت، سيارة من نوع «أودي أ.8» كانت ستكلف مالية الدولة 324 مليون سنتيم، قبل أن ينكشف أمر الصفقة في الصحافة، حيث سيلغي بلخياط العقد. وانتهت القضية بالرغم من أن مثل هذا الأمر يستوجب «إحالة الشكاية على الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى لإجراء تحقيق شامل في الموضوع بخصوص الطرف المتمتع بالامتياز القضائي، وإحالة باقي الأطراف المشتكى بها على الجهة المختصة قصد إجراء بحث دقيق ومفصل حول المنسوب إليهم»، حسب المحامي زهير أصدور، الذي يعلل ذلك بكون أن عملية الكراء «لم تقع بصددها أية مناقصة لكراء السيارة المذكورة، رغم أن الغلاف المالي يستوجب دفتر التحملات والإعلان عن الصفقة طبقا للمرسوم رقم 02-06-388 الصادر بتاريخ 5 فبراير2007 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة، وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 5518 الصادرة بتاريخ 19 أبريل2007». ويضيف الأستاذ أصدور أن «الأفعال التي قام بها السيد الوزير وموظفوه، الذين يأتمرون بأمره، يعاقب عليها طبقا للفصول 233 و234 من القانون الجنائي، وحيث إن المبلغ المحدد وتوابعه تحوم حوله شبهات، مما يتعين معه البحث في احتمال تلقي فوائد نتيجة الإصرار على التعاقد المباشر مع الشركة المكرية، دون المرور بالمساطر القانونية، مما يفرض متابعة المتورطين من الموظفين العموميين بمقتضيات المادة 245 من القانون الجنائي». قبل واقعة وزير الشباب والرياضة بأربعة أشهر، سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر في أبريل 2011 أن وزارة التجهيز والنقل، التي يقودها «الاستقلالي» كريم غلاب، سقطت، من خلال عدد من المشاريع التي أنجزتها أو برمجتها، في خروقات عديدة أدت على إهدار المال العام. خرج تقرير قضاة المجلس إلى الرأي العام وكتبت عنه الصحافة من دون أن يزعزع ذلك ساكنا؛ فلم تحرك النيابة العامة أية دعوى قضائية، ولم تنبثق عن البرلمان أي لجنة لتقصي الحقائق، وحده مصطفى حدفات، وهو مهندس مختص في القناطر والطرق، أنجز تقريرا مفصلا، تبنته الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب وراسلت بمقتضاه وزير العدل في موضوع «تبديد وإهدار المال العام بوزارة التجهيز والنقل»، مقدمة تقريرا في إحدى وعشرين صفحة حافلة ب«الخروقات»، سواء المتعلقة ب«سوء التدبير والتسيير المؤدي إلى إهدار للمال العام»، كما يرد في الجزء الأول من التقرير، أو تلك التي وقفت عندما يسميه التقرير في جزئه الثاني «خروقات واختلاسات أدت إلى ضياع المال العام، والتي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات»، حيث نجد أن «من بين الخروقات التي وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات، نجد حالة مقاولة «بلانومدومكس»، حيث إن هذه المقاولة غير معروفة في ميدان الأشغال العمومية، والتي لم تكن تتوفر على أي مرجع أو تجربة في إنجاز الطرق، فقد تفاجأ الجميع بكونها استفادت، في أواخر سنة 2004، من صفقتين لإنجاز جزئين من الطريق السيار سطات- مراكش. الجزء الأول وطوله 38 كلم يمتد من سطات إلى أم الربيع. والجزء الثاني وطوله 23 كلم يمتد من أم الربيع إلى صخور الرحامنة. وبعد أكثر من تسعة أشهر (يوليوز 2005)، ألغت الإدارة الصفقة الثانية المتعلقة بالجزء الثاني، لأن المقاولة لم تقم بأي عمل في المشروع، كما يشهد بذلك السيد بوشعيب بن حميدة، رئيس الفدرالية الوطنية للبنايات والأشغال العمومية (FNBTP)، وكذلك السيد عبد الرحيم الحجوجي، الرئيس السابق للكونفدرالية العامة للمقاولات. رغم ذلك، يتفاجأ الجميع في يناير 2006 بخبر فوز مقاولة PLANUM بصفقة ثالثة تتعلق ببناء الطريق السيار الممتدة من أكادير إلى أمسكرود. ومع كامل الأسف، تضطر الإدارة من جديد إلى إلغاء الصفقتين الأولى والثالثة معا، حيث أُلغيت الأولى في يناير 2007 والمتعلقة بالطريق السيار الممتدة من سطات إلى أم الربيع. وفي ديسمبر 2007 ألغت الإدارة الصفقة الثالثة المتعلقة بالطريق السيار الممتدة من أكادير إلى أمسكرود. وللتذكير، فإن السيد الوزير توصل برسائل تخبره بهذه الاختلالات والثغرات وتحذره من سلبيات تدخله المباشر في تسيير بعض المؤسسات الوطنية. وهكذا، فإن عدم الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المستندة إلى مرجعيات علمية وقانونية يطرح عدة تساؤلات من بينها: كيف تمكنت هذه المقاولة غير المعروفة عالميا في ميدان إنجاز الطرق السيارة (وذلك بشهادة السيد بوشعيب بن حميدة والسيد عبد الرحيم الحجوجي) من الفوز بصفقتين لبناء شطرين من الطريق السيار يبلغ طولهما 62 كلم؟ ولماذا أسندت الإدارة صفقة ثالثة إلى هذه المقاولة، رغم أنها لم تف بارتباطاتها والتزاماتها في الصفقة الثانية؟ ولماذا انتظرت الإدارة وقتا طويلا لإلغاء الصفقتين الأولى والثالثة؟ وأخيرا، كم كلفت هذه الصفقات الملغاة خزينة الدولة؟». كما سجل تقرير مصطفى حدفات، المهندس المختص في القناطر والطرق، خروقات تتعلق بإنشاء الطرقات والقناطر، «على سبيل المثال نجد أن شركة الطرق السيارة قررت إنجاز قنطرة معلقة بالكابلات (pont à haubans) كلفتها تساوي عشر مرات كلفة قنطرة عادية وجميلة وتؤدي نفس الوظائف وبالكامل». وعلاقة بمجال إنشاء القناطر، سجل تقرير مصطفى حدفات ارتجالات لا حصر لها في مشروع «قنطرة أم الربيع»، الذي يهم الشركة الوطنية للطرق السيارة، حيث إن «هذه القنطرة حسب التصاميم الأولى كانت من نوع قنطرة «pont à voussoirs» ذات كلفة جد عالية، إلا أن المقاولة الأولى المكلفة بإنجاز القنطرة، تخلت عن المشروع وفسخت الصفقة. وقبل فسخ الصفقة، كانت المقاولة قد أنجزت الأعمدة، إلا أنه تم تغيير نوع القنطرة إلى نوع عادي جدا «pont en béton précontraint»، لكن بدون نقص المسافة بين الأعمدة، من أجل تدارك التأخر الذي حصل، إلا أنه بهذا التغيير، وجب إنجاز عوارض الجسر (poutres) في الحدود القصوى المسموح بها لهذا النوع من القناطر، حيث طول العوارض بلغ 46 مترا ووزنها فاق 120 طنا، إذ تصعب مناولتها ووضعها بسلامة فوق الجسر. وفعلا، عند مناولة هذه العروض، انكسرت وسقطت وأدت إلى حالة وفاة وخسارة مادية مباشرة بلغت 1،6 مليون درهم دون احتساب الخسائر غير المباشرة. وللإشارة، فرغم تغيير نوع القنطرة من جسر ذي كلفة جد عالية إلى جسر من النوع العادي، حيث كلفة القناطر من نوع فوسوار (ponts à voussoirs) قد تفوق أربع مرات كلفة جسر من النوع العادي، إلا أننا نجد أن كلفة هذا الجسر العادي تطلب زيادة في الكلفة بلغت 18 مليون درهم، أي بزيادة 25 %. وفي ما يتعلق بشركة استغلال الموانئ، كان تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد وقف على أن «شركة استغلال الموانئ لا تعتمد مبدأ المنافسة بالشكل الأمثل، حيث إنه ضمن عينة مكونة من 72 صفقة تم إبرامها بين 2007 و أبريل من سنة 2009، تم اختيار المتعهد المقبول من بين متنافسين إلى ثلاثة متنافسين. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إسناد 12 صفقة من العينة المذكورة إلى متنافس وحيد». ويعلق المهندس مصطفى حدفات على ذلك قائلا بأن «هذه الشركات تتفاهم فيما بينها لتقتسم فيما بينها الصفقات». و«من بين «المفارقات المضحكة المبكية»، بتعبير طارق السباعي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، أن يتخلى مكتب استغلال الموانئ، وفي ظروف غامضة، عن الرافعة المعروفة ب MGM، حيث بيعت بثمن جد هزيل قدر في 50 مليون سنتيم، ثم تبين أن هذه الرافعة لازالت في حالة جيدة، لكن ليس بميناء الدارالبيضاء، بل بميناء ست الفرنسي (Port de Sète)، وثمنها خمسة ملايير سنتيم! عود على بدء، وقبل 10 سنوات من الآن، وتحديدا في نوفمبر 2001، شكل مجلس المستشارين لجنة لتقصي الحقائق حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بطلب من 150 مستشارا. وقد ضمت اللجنة، التي ترأسها رحو الهيلع، 21 مستشارا، انحصرت مهمتهم في الاطلاع على نتائج تدقيق الحسابات التي أجرتها المكاتب المتخصصة، و معرفة مدى مطابقة التسيير للمبادئ القانونية المعمول بها في هذا الصدد، وتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بالخروقات في التسيير، وتحديد الوضعية الحالية للمؤسسة، وحصر المبالغ التي صرفت دون سند قانوني. وكم كانت صدمة اللجنة، عندما خلصت إلى أن المبالغ المختلسة تصل إلى 115 مليار درهم، منها 47.4 مليار درهم «اختلاسات وصفقات مشبوهة»، وهي مبالغ لا يقوى أغلب أعضاء اللجنة على عدها، أو تحويلها إلى السنتيم كما صرح أحدهم حينها. وبالإضافة إلى هذا المبلغ الضخم، الذي سُجل اختلاسه في صندوق الضمان الاجتماعي، توصلت لجان تقصي برلمانية، التي بدأت في التشكل مع مجيء حكومة التناوب، وبالضبط منذ سنة 2000، إلى أن عددا من المؤسسات العمومية قد تعرضت للاختلاسات، وهي حسب تقرير للهيأة الوطنية لحماية المال العام: «المكتب الشريف للفوسفاط: 10 مليارات درهم - كومانف: 400 مليون درهم - المكتب الوطني للنقل: 20 مليون درهم- الخطوط الجوية الملكية (قضية مدير عام سابق للخطوط الجوية اختلس مليار سنيتم، إضافة إلى تبذير مبالغ مهمة على صيانة الطائرات بالخارج). ويذكر أن لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب كانت قد استدعت في يناير من هذه السنة (2011) ادريس بنهيمة، المدير العام للخطوط الملكية المغربية، للاطلاع على الوضعية المالية ل«لارام»، التي كانت المفتشية العامة لوزارة المالية قد وقفت على خصاص مالي يقدر بحوالي 300 مليار سنتيم، وعلى استفادة مستشارين للمدير العام من رواتب خيالية وصلت إلى 12 مليون سنتيم، مقابل مهام غير محددة داخل المؤسسة. وفي ماي المنصرم حلت فرقة مكافحة الجرائم المالية، التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بمقر المكتب الوطني للمطارات للتحقيق، من جديد، في صفقات عمومية أبرمها المكتب مع مجموعة من الشركات، ولازالت التحقيقات جارية –وفي مكتب التكوين المهني تم الاحتيال على مبلغ 7 ملايير سنتيم في إطار برنامج العقود الخاصة للتكوين- وكالة المغرب العربي للأنباء: 1.76 مليون درهم - المطاعم المدرسية: 85 مليون درهم - جمعية مطاحن المغرب: اختلاس مليار و 900مليون سنتيم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاتحاد الوطني للتعاونيات الفلاحية المغربية، الذي أكدت بخصوصه المفتشية العامة للمالية وجود اختلالات خطيرة في تقرير الافتحاص الذي أنجز بطلب من وزارة الفلاحة في ماي 2002. وبالإضافة إلى هذه الاختلاسات، التي بحثت فيها لجان برلمانية، وعرضت على المحاكم، أو تحقق فيها الضابطة القضائية، تطالب الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالتحقيق في مؤسسات أخرى مثل قضية البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، «التي تورط فيها العديد من الشخصيات والبرلمانيين»، وقضية المكتب الوطني للصيد البحري «حينما صرح وزير سابق للقطاع بأن 70% من الإنتاج الوطني للثروة السمكية يباع بطرق غير قانونية»، وقضية القناة الثانية التي كانت قناة خصوصية وتم تحويلها إلى قناة عمومية، و»بمجرد إفلاسها تم ضخ أموال ضخمة من المال العام لإنقاذها من الإفلاس»، وقضية خوصصة فندق حياة ريجينسي ب18 مليارات درهم، «في الوقت الذي كانت قيمته الحقيقية تساوي 27 مليار درهم، أي بفارق 9 مليار درهم»، وقضية تفويت معمل إيكوز بدرهم رمزي، «في الوقت الذي كان قد كلف ميزانية الدولة 40 مليار درهم، علاوة على أنه عند تفويته كان به مخزون يقدر ب 9 مليارات سنتيم»، وقضية خوصصة لاسامير بتفويتها للشركة السعودية كورال بتروليوم ب300 مليون دولار فقط، «في الوقت الذي قدرت قيمتها ب2 مليار دولار، وقد كان مستثمرون كنديون عرضوا ألف مليار سنتيم مقابلها وتعهدوا باستثمار 700 مليار سنتيم على امتداد خمس سنوات، وللإشارة فقد أصبح وزير الخوصصة سابقا آنذاك مديرا عاما للشركة نفسها»، قضية شركتي صوديا وصوجيطا اللتين كلفتا بتسيير واستغلال جزء من الضيعات المسترجعة من المعمرين، كانت لهما في البداية 305 آلاف هكتار، ولم يعد لهما سوى 124 ألف هكتار من المساحة الأصلية، يتم استغلال 99 ألف هكتار منها فقط، في حين تم تفويت الباقي، إما في إطار ما سمي بعملية الإصلاح الزراعي، حيث «تم كراؤها بأثمنة رمزية لمدة 99 سنة، وهناك أراضي أخرى تم الاستيلاء عليها من طرف بعض النافذين وأخرى تم منحها لبعض المستفيدين، وتم الشروع في تفويت كل الأراضي التي كانت تسيرها شركة صوديا للخواص، بهدف التستر على ما طال القطاع الفلاحي من هدر وسطو على مداخيل أخصب الضيعات ولعدد من السنين، وقد خضعت هذه الأراضي منذ سنة 2006 إلى شطرين من التفويتات، هما الشطر الأول حوالي 44 ألف هكتار والشطر الثاني 38 ألف هكتار، ورغم مراسلة الهيئة الوطنية لحماية المال العام لوزارة الفلاحة من أجل الكشف عن مصير تلك الأراضي والأسباب والمعايير المعتمدة لتفويتها، ولائحة المستفيدين منها ونشر الأسماء وكذا دفتر التحملات ومصير الشغيلة الفلاحية، لكن دون أن تقدم إلينا أية أجوبة». كما سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام أن أصدرت لائحة بأسماء شخصيات سياسة وأخرى في السلطة قالت بأنها استفادت من آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية والعقارات. اختلالات الجماعات المحلية وقف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009، والذي لم يصدر إلا بتاريخ 20 أبريل 2001، على مجموعة من الاختلالات التي تعاني منها الجماعات المحلية. وقد تطرق التقرير إلى اختلالات 31 جماعة حضرية و21 جماعة قروية و31 مرفقا مسيرا في إطار عقود التدبير المفوض. وإذا كان التقرير قد خلص إلى أن أهم هذه الاختلالات تتمثل في عدم تنفيذ العديد من المشاريع التي سبق للمجالس أن برمجتها، وكذا تناقض الأرصدة المالية المخصصة للمشاريع، مع ما تم صرفه من أرصدة... فإن التقرير لم يشر، وهذا راجع إلى عدم اختصاصه طبعا، إلى الخلل السياسي الذي يفرز رؤساء جماعات لا علاقة للعديد منهم بالتسيير والتدبير الجماعي، بل إن بعضهم متابعون بتهم تزوير الشهادة الابتدائية إلى جانب تهم تبديد واختلاس المال العام. ففي بلدية مثل طاطا، وقف تقرير المجلس الجهوي للحسابات على ما يشبه «التدبير البدائي للجماعة «بتعبير....، والمتمثل في عدم قدرة المجلس المسير على تقدير مداخيل الجماعة بشكل مضبوط من خلال الفرق الكبير بين التقديرات وبين المداخيل المحققة، خصوصا تلك المتعلقة بمنتوج المخيمات والرسم المترتب عن إتلاف الطرق والرسم المترتب عن السماح بإغلاق بعض المحلات العامة بعد الميعاد المحدد وواجبات مقبوضة بساحات أخرى للبيع العمومي. وسجل التقرير أيضا أن الجماعة لا تتوفر على أي إحصاء ولا تقوم بتحصيل الضريبة على الأراضي الحضرية غير المبنية، كما أنها تهمل مسألة متابعة المديونين للجماعة أمام المحاكم المختصة لإجبارهم على تأدية ما بذمتهم. ورصد التقرير أيضا كيف أن المجلس قام ببناء مرفق صحي عمومي بسوق الأحد في إطار برمجة فائض سنة 2000 /1999 بمبلغ يصل إلى 100 ألف درهم، لكنه لم يستغل، كما سجل التقرير وجود 114 آلة لتصفية الدم بمستودع الجماعة لا يتم استغلالها. ومن بين الجماعات التي تطرق إليها التقرير، مجلس بلدية ورزازات، الذي توقف التقرير فيها عند وجود اختلالات مالية تصل إلى 2 مليون و50 ألف درهم من مداخيل المنطقة الصناعية، التي تمتد على مساحة 41 هكتارا، بفعل عدم أداء بعض المستفيدين من القطع الأرضية بالمنطقة ما بذمتهم للمجلس. بالإضافة إلى مشروع التطهير السائل، الذي مولته الحكومة البلجيكية بملايير السنتيمات، لم تستطع إيصال الماء إلى أزيد من 35 في المائة من ساكنة المدينة. كما خلص التقرير إلى أن تفويت المجلس لصفقة خدمات التطهير إلى إحدى الشركات، بعدما كان يقوم بالتدبير المباشر، كبد المجلس حوالي 6 ملايين درهم عن كل سنة، إذ انتقلت تكلفة تدبير خدمات التطهير الصلب من 2.381.823,30 درهما سنويا إلى 8.244.737,55 درهما. ولم يفت التقرير أن يقف عند التجاوزات التي اعترت تدبير التجزئات الحضرية بهذه المدينة السياحية، منها استفادة رئيس الجماعة مجانا من بقع أرضية عديدة أقام عليها عددا من مشاريعه، مقابل غضه الطرف عن المنعشين العقاريين الذين لم يحترموا دفتر التحملات، حيث أصبحوا يقومون بأشغال البناء دونما ترخيص من المجلس. وفي جماعة تاملالت، التابعة لإقليم قلعة السراغنة، توقف التقرير عند وجود «تدليس» في استفادة بعض المحظوظين من قطع أرضية معدة أصلا لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وحاملي الشهادات بأثمان تفضيلية محددة في 150 درهما للمتر المربع، حيث استفاد منها أشخاص لا علاقة لهم بأي نشاط اقتصادي ولا شواهد لهم، أو من خارج المدينة، كما أن بعض المستفيدين هم أشخاص في وضعية مالية مريحة. كما رصد التقرير إهمال الجماعة لمسألة تحفيظ الأملاك الجماعية، وكذا عدم تسجيل العديد من أملاك الجماعة ضمن سجل الأملاك العامة، والخلط بين الأملاك الخاصة والأملاك العامة في سجل الأملاك، وعدم تصفية الوضعية العقارية للعديد من أملاك الجماعة، وعدم احترام مسطرة نزع الملكية، وعدم التتبع الدقيق لعملية استلام المقتنيات. نفس الملاحظة تقريبا سجلها التقرير بالنسبة إلى جماعة الكارة، حيث وقف التقرير على عدد من الخروقات تهم بالأساس عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة في مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخاص بالجماعة، ورصد اختلالات في تنفيذ النفقات العمومية، وتجاوزات في الاقتناءات والمشتريات. تقرير محايد إذا كانت هذه النماذج من بعض التجاوزات، التي وقف عليها تقرير المجلس الأعلى للحسابات في بعض الجماعات، والتي جاءت نتيجة لتفتيش القضاة، لم يعقبها في الغالب أي تفاعل «جمعوي» موازٍ، فإن إطارا مدنيا في مدينة الحسيمة، هو «الهيئة الوطنية لحماية المال العام» قام بعمل مقارن، خلص بمقتضاه إلى أن الاختلالات التي رصدها تقرير المجلس الأعلى ليست إلا جزءا من مجموع الاختلالات المتعلقة بتبذير المال العام، خصوصا في مجال العقار الذي أصبح يسيل لأجله لعاب «لوبيات» العقار في هذه المدينة، التي انطلقت فيها مؤخرا مشاريع بناء كبرى. يقول التقرير الموازي- المقارن «إننا في الهيئة، وباعتبار أننا أشرنا سابقا إلى الاختلالات التي واكبت إنجاز هذه المشاريع، فإن ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات دفعنا إلى تسجيل الملاحظات التالية: أولا، عدَّد المجلس حجم الخسائر المالية فيما يخص مشروع أسيما (مرجان حاليا) في 11310000,00 درهم، بناء على أن متوسط ثمن المتر المربع بمراكز المقارنة هو 1125 درهما للمتر المربع (تم تفويتها بمبلغ 150درهما للمتر المربع)، في حين وقفنا في الهيئة على أن متوسط الثمن المرجعي بمراكز المقارنة هو 10000,00 درهم، مما يجعل من حجم الخسائر التي ضيعت على الخزينة العامة، ما لا يقل عن 116000000,00درهم عوض 11310000درهم، الذي عدده تقرير المجلس. ثانيا، عدد المجلس الخسائر المالية فيما يخص مشروع المركب السياحي «ميرادور» في 11512800,00 درهم، بناء على أن ثمن المتر المربع بمراكز المقارنة هو 1125 درهما للمتر المربع (تم تفويتها بمبلغ 100درهم للمتر مربع)، في حين كشفت معاينة الهيئة الوطنية لحماية المال العام أن الحد الأدنى للثمن المرجعي بمراكز المقارنة هو 9000 درهم للمتر مربع، مما يجعل حجم الخسائر التي ضيعت على الخزينة العامة لا يقل عن 101088000,00 درهم عوض 11512800,00 درهم التي حددها تقرير المجلس». اختلاسات الجمعيات أدانت مجموعة من الجمعيات الحقوقية المهتمة بملف المعتقلين السلفيين بالمغرب، تورط فتيحة المجاطي في عملية تلقي مبالغ مالية من الخارج واستغلال قضيتهم لفائدة مصالحها الشخصية. كانت الشرطة قد استدعت من جديد فتيحة المجاطي للاستماع إليها حول مصادر تمويلها من الخارج. فيما سبق لفتيحة المجاطي أن صرحت لعناصر الشرطة بأمن الدارالبيضاء، أنها تتلقى مبالغ مالية بالعملة الصعبة شهريا من جمعيات في الخارج، شريطة أن تمكنهم من تقارير وأخبار بشكل دوري عن أوضاع السجون في المغرب وتطورات ملف السلفية الجهادية. وهو الأمر الذي اعتبرته عائلات المعتقلين في قضايا الإرهاب أو ما يعرف بملف السلفية الجهادية، استغلالا وإساءة إلى ملفات أبنائهم، بل والاسترزاق والمتاجرة بملفهم. في أكتوبر من السنة الماضية أمرت النيابة العامة بمدينة تازة باعتقال أمين مال الجمعية الإقليمية لمساندة المرضى المصابين بالقصور الكلوي بإقليم تازة، على خلفية اتهام المكتب المسير للجمعية له باختلاس مبلغ 130 مليون سنتيم من مالية الجمعية التي يرأسها عبد السلام الهمص، برلماني تازة عن حزب الأصالة والمعاصرة. الأمين العام المعتقل سيحرر من داخل زنزانته تقريرا من 10 صفحات يتهم فيه الرئيس بالتلاعب بمالية الجمعية، بحيث «كان يتسلم هبات من بعض المحسنين بالخارج ويضمها لحساباته الشخصية»، وغيرها من الاتهامات. لكن النقطة التي أثارت كثيرا من الغبار هي إدلاؤه ب»تصريح بشرف» موقع من طرف رئيس الجمعية (البرلماني)، يؤكد تسلم هذا الأخير مبلغ 530 مليون سنتيم، الأمر الذي أنكره رئيس الجمعية، حيث أحالت المحكمة الوثيقة المتنازع عليها (تصريح الشرف) على خبير محلف في الخطوط بمدينة مكناس، وهو الأمر الذي طعن فيه رئيس الجمعية، بدليل أنه على خلاف مع خبير الخطوط إياه، حيث أحالت النيابة العامة الوثيقة على الشرطة العلمية للدار البيضاء التي أصدرت تقريرا يقول بأن الخط الذي وقعت به الوثيقة يعود لرئيس الجمعية (البرلماني)، لكن التوقيع ينقصه حرف «ه». أمام كل هذا، نظمت جمعية حماية المال العام في تازة ومعها العديد من الجمعيات وقفة احتجاجية، طالبت خلالها بإجراء تحقيق شامل في موضوع اختلاسات مالية الجمعية الإقليمية لمساندة المرضى المصابين بالقصور الكلوي بإقليم تازة. إذا صح أن نستعير تعبير «أكلة أموال مرضى القصور الكلوي»، الذي يطلقه التازيون تنذرا على المتورطين في قضية جمعية مساندة المرضى المصابين بالقصور الكلوي، فإننا سنطلق لقب «أكلة مال العطشى»، على قضية اختلاس مالية جمعية الماء الشروب بدوار أيت عبد الله بتكات جماعة سيدي بيبي، والتي يتهم فيها رئيس الجمعية وأمين المال باختلاس 60 مليون سنتيم من مالية الجمعية، منها 40 مليونا مبالغ مالية صافية و20 مليون سنتيم عبارة عن رسوم الاشتراك في عدادات الماء. وقد استمع الدرك الملكي بخميس أيت عميرة ضواحي أيت باها إلى 24 شخصا هم مجموع أعضاء مكتبي الجمعية السابق والحالي، وكلهم أكدوا أن الرئيس وأمين المال، الذين لم يتم تغييرهما، هما المتورطين في هذا الملف. وكانت قضية اختلاس مالية جمعية الماء الشروب بدوار أيت عبد الله بتكات قد تفجرت عقب شكاية تقدم بها أعضاء المكتب الحالي، يتهمون فيها كلا من أمين المال والرئيس السابق بالتورط في اختلاس أموال عمومية متحصلة من عائدات تزويد الساكنة بالماء الشروب، منذ سنة 2007 إلى غاية شهر مارس من 2011، وكان أعضاء المكتب الحالي، قد أمهلوا أمين المال مدة شهر تنتهي في أبريل لاسترداد المبالغ المختلسة، لكنهم تفاجؤوا بغيابه عن الجمع العام، ليقرروا تقديم شكاية في الموضوع. و علمت «المساء» أن الوكيل العام باستئنافية أكادير أعاد الملف إلى سرية الدرك بأيت عميرة لتعميق البحث في الموضوع. وبالإضافة إلى “أكل أموال” مرضى القصور الكلاوي، والعطشى، كانت المحكمة الابتدائية بعين السبع بالدارالبيضاء قد أدانت، في فبراير 2010، رئيسا سابقا لجمعية آباء وأصدقاء الأطفال المعاقين ذهنيا، بستة أشهر موقوفة التنفيذ، بعد اتهامه باختلاس مبلغ مليار و350 مليون سنتيم، التي تعهد بإرجاعها. كما قضت المحكمة بتغريمه 50 ألف درهم. وكانت شكاية قد وضعت ضد المتهم على أساس تقرير للمفتشية العامة للمالية كشف هذه الاختلاسات، كما وقفت على تزوير في الوثائق الإدارية لتبرير الاختلاس. ولم يقف الأمر عند الجمعيات المهيكلة، بل حتى تيار السلفيين، الذين يشتغلون عادة بطرق غير منظمة، أصبحوا يكيلون التهم لبعضهم ب”اختلاس مالية المعتقلين وعوائلهم. فمؤخرا اتهمت بعض نساء المعتقلين السلفيين، فتيحة المجاطي، بالتلاعب في أموال تتلقاها خصيصا لدعمهم، فيما رد مساندوها على عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير، متهمينه بتأليب عوائل السلفيين على زوجة المجاطي، ومتهمينه باختلاس مبالغ مالية بالملايين تلقاها من بعض «المحسنين» بالخارج بغاية توزيعها على عائلات المعتقلين السلفيين.
مغاربة يطالبون بمحكمة جنائية دولية للمال العام احتضنت مدينة مراكش أيام 24 و25 و26 أكتوبر المنصرم “مؤتمر الدول الأطراف الرابع لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد”، والذي تطرق إلى مواضيع تهم العمل على تطويق الفساد والحد من الجرائم المالية، وقد راسلت الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب المؤتمر، ملتمسة منه إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة ناهبي المال العام، في الحالات التي يكون من الصعب أو الاستحالة فيها مقاضاة المسؤولين الفاسدين. ويُرجع محمد طارق السباعي، رئيس هيئة حماية المال العام، أهمية وأصالة هذا المطلب المغربي إلى تفاقم الجرائم المالية، حيث، يقول السباعي، “حسب تقديرات البنك العالمي فإن مرتكبي الأعمال الجنائية والمحتالين والهاربين من دفع الضرائب، يهربون في كل عام ثروات تتراوح قيمتها بين 650 مليار دولار و1050، نصفها يأتي من دول تعاني الفقر الشديد، في حين أن مساعدات التنمية لا تزيد عن 100 مليار دولار”. ويضيف السباعي أن حجم الأموال الناشئة عن الفساد، والتي تم تحويلها من الاقتصادات النامية والانتقالية يتراوح ما بين 20 إلى 40 بليون دولار أمريكي سنويا، وبالقارة السمراء جرى تهريب حوالي 854 مليار دولار نحو الخارج بأشكال مختلفة، طوال المدة الفاصلة بين 1971 و2008”. كما طالبت الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب المؤتمر الدولي الذي احتضنته مراكش، بإنشاء صندوق دولي تودع به فورا الأصول المسروقة عند الاكتشاف أو التبليغ عنها والعمل على إرجاعها، وتمكين المجتمع المدني من الحق في مقاضاة كل شخص من السلطة العامة يقوم باختلاس المال العام أو تهاون في محاربة الفساد، ومطالبته باسترداد المسروقات بدون قيود أو شروط تشرعن للإفلات من العقاب، وحث الدول على تقليص المدة الزمنية للبت في قضايا الفساد ونهب المال العام المعروضة على القضاء، وإلزام الأبناك برفع السرية عن كل الودائع الناشئة عن الفساد والإبلاغ عن أية معاملات مشبوهة. وإلغاء الواحات الضريبية مع فرض عقوبات إذا ما تلكأت السلطات المسؤولة في التعاون ولم تبلغ عن العوائد، التي يحصل عليها الهاربون المهربون للثروات والكشف عن جميع العمليات البنكية والتحويلات لكافة المسؤولين الفاسدين في العالم، وتسهيل الحصول على المعلومات بشفافية، ثم تجريم أشكال الفساد الأكثر شيوعا في القطاعين العام والخاص، والإعمال الصادق والجدي للمادة 33 من الاتفاقية حول حماية الأشخاص المبلغين عن الفساد”.
ادريس بنعلي: الفساد في المغرب هو اقتصاد الريع قبل أسابيع من تنظيم المناظرة الدولية للمنافسة، التي ستحتضنها مدينة طنجة من 14 إلى 17 دجنبر المقبل في موضوع «الريع الاقتصادي»، انفجر إدريس الراضي العضو بمجلس المستشارين عن فريق التجمع الدستوري الموحد، يوم الثلاثاء الماضي، في وجه كريم غلاب وزير النقل، في موضوع استفادة «أشخاص نافذين» من اقتصاد الريع. و «اتهم» الراضي غلاب بتوزيع رخص النقل والمقالع على من سماهم «المعارف»، المستفيدين من احتكار رخص الصيد بأعالي البحار ورخص استغلال المقالع، مؤكدا أن من بين هؤلاء المستفيدين من تصل أرباحه، بفضل الريع، إلى 140 مليون سنتيم في اليوم! كما استفسر إدريس الراضي عن محتكري رخص استغلال للمياه الجوفية المعدنية، مشيرا إلى أن ثمن لتر من الماء أصبح أغلى من ثمن لتر من الحليب، بالرغم من أن الحليب، يكلف مصاريف علف البقر والعناية به. ولم يفت الراضي أن يتطرق إلى محتكري أراضي الدولة داخل المدارات الحضرية، والتي يتم تفويتها بمبالغ زهيدة (100 درهم) على أساس إنشاء مشاريع سكنية اقتصادية، لكن المستفيدين منها يعيدون بيعها بمبالغ تصل إلى 30 ألف درهم للمتر المربع! كما توقف ادريس الراضي، في معرض مداخلته، عند موضوع احتكار القطاع البنكي من طرف 8 شركات بنكية لا أكثر، وقال إنها «تتحكم في توجيه السوق المالي لخدمة مصلحة لوبيات مالية»، ما يجعل «95 في المائة من رجال الأعمال مجرد «حمالة» لهاته الأبناك»، في حين، يضيف الراضي، أن «المواطن المغربي إذا احتاج إلى سلف استثماري يتعدى 100 مليون سنتيم، يكون ملزما بتقديم ضمانات عينية، وشواهد الطبية تثبت أنه غير مريض مع التأمين على الحياة». وكان عبد العالي بنعمور، الذي عينه الملك في أبريل الماضي رئيسا لمجلس المنافسة، قد صرح مباشرة بعد تعيينه قائلا: «سنحارب اقتصاد الريع والمفسدين لأننا نملك فريقا من الاقتصاديين ورجال القانون، نساء ورجالا، لهم من الكفاءات ما يجعل المجلس يضطلع بأدواره في إطار الإصلاحات الإستراتيجية الهيكلية والقطاعية العميقة لتأهيل الاقتصاد الوطني وتوفير الشروط السليمة المحفزة على الاستثمار وتعزيز الثقة التي يتمتع بها المغرب من لدن الأوساط الاقتصادية والمالية في الداخل والخارج». من جهته، أكد الخبير الاقتصادي ادريس بن علي ل«المساء» أن «الفساد في المغرب هو اقتصاد الريع، لأن هذا الأخير أدى إلى ما وصلنا إليه الآن من مأزق مالي واقتصادي، والدولة من جهتها لا تريد وغير جدية في محاربة الفساد، بل تحاول «إلهاء» الشعب من خلال إخراج بعض ملفات الفساد ومحاكمة بعض المفسدين، فلماذا مثلا لا يتم تفعيل ما جاء به تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي يصدر كل سنة؟ فالناس عندما يرون بأن الدولة لا تفعّل تقريرا خطيرا تصدره هي بنفسها، يفقدون الثقة فيها فتزول مصداقية الدولة آنذاك، لأنها تقول إن هناك مفسدين، وتذكر ذلك بالأسماء والإحصائيات، دون أن تكون هناك متابعة لهؤلاء المفسدين».