نساء مصحوبات بأطفالهن ورجال راكمت الحياة على وجوههم الكثير من التجاعيد، إنهم أفراد أسر وعائلات ضحايا ماضي الانتهاكات. غصت بهم القاعة عن آخرها، ولم تسع كراسها لاحتوائهم جميعا، ومن تأخر في الالتحاق تابع الحدث واقفا، جاؤوا من مناطق مختلفة، ليجمعهم المركب الثقافي لسيدي بليوط بالدار البيضاء أول أمس، تحت سقف واحد. آذان صاغية وصمت مطبق يعم القاعة، كل أنظار الحاضرين في اللقاء الذي نظمته عائلة المنوزي بدعم من الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الاعدام، مصوبة إلى عبد الكريم المنوزي رئيس الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب التي تركزت حول تخليد ذكرى مرور أربعين سنة على إعدام الرائد ابراهيم المانوزي، الذكرى شكلت للمنوزي فرصة لوضع اليد علي جراج لم تندمل بعد، وفتح ملف المختفين مجهولي المصير، حيث قال «منذ صدور تقرير هيأة الانصاف والمصالحة في 2005 مايزال رفات عدد من المختطفين مجهولا، يجب طي هذا الملف نهائيا»، ثم لينتقل إلى الحديث عن معاناة عائلاتهم وأبنائهم، والتي كان بعضهم حاضرا أمامه. الحديث عن المعاناة، جعلت المانوزي يخرج من جعبته بعض الحقائق التي استقتها الجمعية التي يرأسها من خلال الزيارات التي قامت بها لعدة مناطق، فارتأى أن الحل الشافي لجراجات الماضي، هو «اطلاق حملة وطنية للمطالبة بتسليم رفات كافة ضحايا ماضي الانتهاكات إلى ذويهم»، مؤكدا على «ضرورة جبر الضرر الفردي والجماعي للضحايا من أجل إعادة الثقة إلى نفوسهم وطمأنتهم بالمغرب الجديد». ذكرى إعدام ادريس المانوزي والتي فتح فيها إبن عمه عبد الكريم في كلمته الافتتاحية كتاب ماضي الانتهاكات بكل تفاصيله، هذه التفاصيل ستتعزز أكثر بشهادات مؤثرة من رفاق الدرب، عاصروا الراحل وعرفوه عن قرب، منهم من عايشه منذ الطفولة كعبد الكبير المانوزي أحد أفراد عائلته والذي تكلم عن ذكائه الطفولي ونبوغه الدراسي، ومنيرى بوشعيب رفيقة في الكفاح لما كان في جيش التحرير والذي قال عنه، «كل ماعرفته عن ادريس أنه كان كان حاملا لأفكار تقدمية ومحيا كبيرا لوطنه»، لتتوالى بعد ذلك عدد من الشهادات والتي أجمعت في مجملها على أن الرجل «كان يضع وطنه فوف كل اعتبار». وإذا كانت شهادات رفاق دربه مؤثرة وتاهت بمخيلة الحاضرين في بعض تفاصيل التاريخ السياسي للمغرب في فترة الاستعمار وبداية الاستقلال، فإن شهادة نصيرة المانوزي ابنة ارديس، التي حلت عن عجل من فرنسا، كانت مؤثرة جدا ولم تستطع أن تغالب دموعها التي سبقتها في الانسياب على خذيها، قبل أن تنبس بأى كلمة في حق أبيها لتواصل بكلمات متقطعة، «أنا لاأتذكر الأحداث جيدا، لأن عمري أنذاك كان خمس سنوات»، تقول نصيرة، لتختم وهي تمسح الدموع «كل ما أريده هو أن يكون لأبي كسائر الناس قبرا أترحم عليه».