يحتفي برنامج “مسار” الذي ينشطه المخضرم عتيق بن شيكر على شاشة القناة الثانية بقامة من قامات الموسيقى المغربية الأصيلة. يتعلق الأمر بالفنان المغربي الكبير عمر الطنطاوي، العوّاد المميز ورئيس الجوق الوطني في أزهى فترات تألقه، ورجل الكلمة الحلوة والنكتة الخفيفة والروح المرحة. وليس من باب المصادفة أن يأتي تكريمه مباشرة بعد حلقة باذخة احتفى فيها صاحب “المسار” الفني التلفزي بهرم الأغنية العربية الأصيلة وديع الصافي. فكلا الإسمين ينتمي إلى نفس الجيل ويحمل نفس علامة الأصالة في مضمار الموسيقى العربية. الحلقة أثراها المحتفى به بشخصيته المميزة، وقدرته على سبك الكلام بذكاء وروح مغربية قحة كان يستدل بها فيما قدم للخزانة الموسيقية المغربية من أعمال ستبقى. كما أغناها مساره الفني الحافل هو الذي رأى النور في مطالع ثلاثينيات القرن الفائت بدرب السلطان بالبيضاء، ودشن مشواره الموسيقي مغنيا وعازفا على آلة العود وعمره لم يتجاوز التاسعة بالكاد، قبل أن يشرب الصنعة على يد موسيقيين أعلام في طليعتهم الموسيقار أحمد البيضاوي. الحلقة التي سافرت سفرا نوسطالجيا مع عمر الطنطاوي عبر أهم محطات حياته الفنية شارك في تأثيثها أصدقاء الفنان عبر تقديم شهاداتهم سواء عن شخصيته في الحياة أو عن عطاءاته في عالم الفن. هكذا حضر الحلقة محمد الوزاني رجل الأعمال و”صديق الفنانين المغاربة” كما ينعتونه والذي رافق المحتفى به وكان قريبا منه، والشاعر الغنائي أحمد وهبي صاحب القطع الغنائية المحفوظة في سجل الأغنية المغربية وقد جمع جزء منها في كتاب أسماه “رياح الشاوية”. والفنان عبد العاطي أمنا. ثم مطرب الأغنية العصرية محمد الغاوي. شهادة صاحب “الغربة” كشفت وجها آخر لرئيس الجوق الوطني السابق. فخلف حس الدعابة الذي ميز شخصية الطنطاوي وبه عُرف يكمن وجه المسؤول الصارم الذي لا يستسهل العمل ولا يتساهل فيه مع نفسه ومع الآخرين. وبفضل حزمه وجديته وانضباطه كانت فترة توليه رئاسة الجوق الوطني من أخصب الفترات، إذ ظهرت معه أهم الأغاني المغربية الموثّقة في وجدان المغاربة وفي ريبيرتوار هذه الأغنية الأصيلة التي غربت شمسها ولم يبق منها اليوم إلا الرجع والصدى. الغاوي سيتحدث عن الطنطاوي الأب الذي دخل بيته وعمره 13 سنة حين فاز هو وابنه نور الدين السائر على أثره الفني في مدرسة الفن المغربية “مواهب” للفنان القدير عبد النبي الجيراري. كما سيثير صورة الطنطاوي قائد الأوركسترا في الجوق الوطني حين التحق به وعاين عن قرب قدرته الكبيرة على التسيير وضبط إيقاع هذا الجوق الذي كان معلمة فنية حية مرت منها كل القامات الموسيقية المغربية في العزف والتأليف والغناء.