على متن دراجة نارية من حجم خفيف، قريب مما يطلق عليه اسم «سوليكس» يحل بالكورنيش، قادما من أحد الأحياء البيضاوية البعيدة عن الشاطئ. يرتدي زيا أسود اللون في أغلب أجزائه، قوامه سروال ومعطف لا يتجاوز الحزام إلا ليغطيه ببعض سنتيمترات. سواد زَيه لا يكسره غير بياض قميص وقفازات. يجلس حال قدومه إلى الكورنيش في الصف الأول من مقاعد مقهى «كناستيل» أحيانا، أو يظل واقفا حين حلوله متأخرا قرب البوابة الثانية لفندق لصيق بها. إن جلس في المقهى يطلب قهوة بالحليب “كبيرة” ، لأن الجلسة قد تطول، وتتجاوز الزمن المفروض لأداء المهمة. يقتني علبة سجائر صغيرة الحجم. إن كانت دريهمات جيبه تسمح، أو يلجأ إلى بائع السجائر بالتقسيط. لا يطيل كثيرا في الجلوس على المقعد، فسرعان ما يغادره، لأن مهمته تقتضي الحركة لجلب الانتباه. قبل معاودة الجلوس مرة ثانية وثالثة... يوزع الابتسامة يمنة ويسرة. يستنشق نفسا عميقا من سيجارة يأخذها من علبة بعشر سجائر لا غير. يتبعها برشفة من كوب القهوة، ويحرص على أن يثير الانتباه. يقلد الشهير «شارلي شابلن» في حركاته التي يبدو أنه داوم على تكرارها حتى بلغ فيها حد الاتقان. ينتظر من يطلب أخذ صورة برفقة «نسخة شابلن المغربية». وعند الشروع في التقاط الصورة يطلب المقابل. الثمن محدد سلفا ولا يقبل التفاوض. أقله خمسة دراهم. صورة بالمحمول، أو عبر كاميرا رقمية، الأمر سيان عند «شارلي» المغربي. لكن الأداء ضروري. لأن «شابلن»، “كيدبر على راسو” كما يقول عارفوه. إنه «الحسين» الذي يبلغ من العمر حاليا 36 سنة. شُغِف بالمسرح فمارسه صغيرا، واحترف الموسيقى فغنى في مطاعم وحانات الغرب. قبل أن يعز الرواج فيقرر الاستقرار في البيضاء. لا يعرف «الحسين» بغير «شارلي شابلن» المغربي في كورنيش عين الذئاب. هو وصف لمظهر يحمله. لكنه كذلك مهنة احترفها، عندما عمد إلى تقليد داهية التمثيل في زمن السينما الصامتة الممثل الكوميدي الشهير بشابلن. بعد أن انفرط عقد سبعينيات القرن الماضي بخمسة أعوام رأى «شابلن» المغربي نور الحياة.. بعاصمة الغرب، مدينة القنيطرة، حيث شب وترعرع. أحب التمثيل، الذي أتقنه، وانخرط في معهد موسيقي ليتعلم المبادئ الموسيقية. انضم إلى العمل الجمعوي، في صيغته الكشفية مبكرا، بالقنيطرة، قبل أن يمارس الكشفية في مقرات لحزب الاستقلال بمدينة العرائش. لكن لقمة العيش قذفته إلى البيضاء. بدرب ميلا قطن «الحسين/شابلن» بمدينة البيضاء، وعندما لم يعد يستطيع إحياء السهرات الفنية، لآلام لا تبارح يده. يكتفي بمحاولة بث الفرحة في نفوس الصغار، وإثارة انتباه الكبار. وحتى إن طولب بإحياء حفلة عيد ميلاد، أو تنشيط عرس أو مناسبة «سعيدة» فإن «الحسين/شابلن» لا يتوانى في تأثيث فضاء الاحتفال. لايسلم أحيانا من مضايقات بعض المراهقين، وحتى الشباب، لكنه يداري ويتحاشى في سبيل «لقمة العيش»، يكتفي بالإشارة في الرد، وينطق همسا، لا تدري بِسَبًّ فاه أو مجرد تبرم أبدى، تجنبا للمشاداة مع فتيان “لا يرحمون”، أو “لايُقدرون”، لأن غرضه تدبر مصروف يومه، ومصروف عيش أسرة صغيرة يعيلها. «شابلن» عين الذئاب متزوج وأب لطفلة صغيرة، لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات، وجد في تقليد «شارلي» فرصة عمل، عله يجد فرصة لاستغلال مواهبه في المستقبل.