قبل عرضه على البرلمان في الدورة الاستثنائية الحالية، سيكون على مشروع القانون المالي للعام المقبل المرور أولا من امتحان ثان أمام مجلس الحكومة. كان مقررا في السابق بأن يعمد صلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية إلى وضع المشروع بين أيدي ممثلي الأمة يوم أمس الاثنين قبل البدء في مناقشته انطلاقا من يومه الثلاثاء، لكن تأخر في انعقاد مجلس للحكومة، سيفرض تأخير وضع المشروع أيضا بالبرلمان.“سيتم عرض مشروع القانون المالي لعام 2012 على أنظار مجلس الحكومة يومه الثلاثاء”، يقول مصدر من وزارة الاقتصاد والمالية، وذلك بعدما حظي بموافقة المجلس الوزاري في الأسبوع الماضي. ويفرض الدستور الجديد ضرورة العودة إلى المجلس الحكومي من أجل تقديمه بشكل مستفيض، لكن أيضا من أجل إقرار التعديلات الضرورية قبل المصادقة عليه، وذلك بعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري. إذا ما تمت المصادقة على مشروع القانون المالي من قبل المجلس الحكومي يومه الثلاثاء، سيعمد مزوار، حسب المصدر ذاته، خلال اليوم نفسه إلى وضع المشروع رهن إشارة ممثلي الأمة. لكن قبل ذلك كان صلاح الدين مزوار في بداية الأسبوع الماضي على موعد مع فرق الأغلبية لتقديم المشروع ومناقشته، وبذلك يكون الوزير قد استنفذ جميع المراحل التشريعية الضرورية التي تسبق تقديم المشروع إلى البرلمان. اجتماع الوزير مع الأغلبية الحكومية كان، على ما يبدو، مناسبة من أجل الاتفاق على إعادة إدراج قانون المالية في جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية، لكن أيضا مناسبة من أجل تذويب جميع الخلافات الحاصلة بين مكونات الأغلبية الحكومية، فيما تشير مصادر إلى أن عباس الفاسي الوزير الأول أشرف بنفسه على إنهاء جميع هذه الخلافات، ليضمن بذلك مرورا سلسا لعمل الحكومة خلال هذه الفترة الانتقالية. تدارك جاء في وقت تناسلت فيه التأويلات، القائلة بوجود خلافات داخل الأغلبية الحكومية، حتى أن البعض ذهب إلى حد الاعتقاد بأن مشروع القانون المالي غير جاهز. “لكن يبدو أن الحكومة تمكنت في آخر لحظة من تذويب خلافاتها” يضيف مصدر قانوني، الذي اعتبر أن موقف الحكومة من الناحية القانونية الصرفة، سليم مائة في المائة، إذ يخولها القانون إصدار مرسوم استدراكي، يتم بموجبه إحداث التعديلات التي ترتئيها، لكن قبل ذلك يجب عقد مجلس حكومي يتم خلاله المصادقة على مشروع قانون المالية وكذلك على المرسوم الاستدراكي. جدل كبير رافق إعداد مشروع القانون المالي للعام المقبل. فبعد إقرار تاريخ 25 نونبر المقبل لإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وما رافق ذلك من جدل حول تاريخ تقديم المشروع إلى البرلمان، وكذا بعدما تم الاتفاق حول إجراء دورة استثنائية لمجلس النواب من أجل المصادقة على عدد من مشاريع القوانين التي أقرها مجلس الحكومة، جاء الدور هذه المرة على جدال واسع تأكد بعدما لم يتضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية مناقشة مشروع القانون المالي. ويعول مشروع القانون المالي المقبل على تحقيق الاقتصاد المغربي لنمو في حدود تتراوح بين 4,7 في المائة و5,2 في المائة. هذه الأرقام لا تستند في نظر المحللين الاقتصاديين على معطيات واقعية، خصوصا أن معدل النمو المأمول تحقيقه لن يعتمد بالأساس على النشاط الفلاحي الذي طالما شكل السند المثالي للحكومات المتعاقبة من أجل تحقيق معدل نمو مقبول، فصلاح الدين مزوار يتوقع ألا يتجاوز معدل نمو الأنشطة الفلاحية 1,2 في المائة، وأن يصل معدل نمو الأنشطة غير الفلاحية ما بين 5 و5,5 في المائة. في هذا الوقت لا يبدو بأن الحكومة تريد أن تكرر نفس أخطاء العام الماضي، عندما عمدت خلال إعداد مشروع القانون المالي للعام الحالي إلى تخفيض توقعاتها بخصوص تطور أسعار النفط بالسوق الدولي، قبل أن تضطر إلى زيادة مخصصات صندوق المقاصة لدعم المواد الأساسية إلى أزيد من 40 مليار درهم، لذلك فإن سعر برميل في حدود 100 دولار، يبدو في نظر الحكومة، منطقيا خلال العام المقبل، كما يبني مشروع القانون المالي توقعاته على سعر في حدود 800 دولار للطن الواحد من الغاز، فيما لن يتجاوز معدل التضخم خلال العام المقبل نسبة 2 في المائة. لكن بالنسبة للحكومة فإن ضرورة صيانة المكتسبات المتعلقة بالتوازنات الماكرواقتصادية، وتوفير شروط استمرار المد التنموي الذي تعرفه البلاد، يبقى الهدف الأسمى خلال العام المقبل، خصوصا، يقول خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة عقب أحد اجتماعات المجلس الحكومي، بعد الجهود الاستثنائية للحكومة المتمثلة في الزيادات الناتجة عن الحوار الاجتماعي، وتأثيرها على كتلة الأجور التي ستفوق 95 مليار درهم خلال العام المقبل، وفي كلفة المقاصة التي ستفوق 40 مليار درهم خلال 2012.