تحقيق من إنجاز : سعيد نافع مارينا الدارالبيضاء : من الفكرة إلى التطبيق 27 مارس 2006 انبثقت الفكرة في دهاليز صندوق الإيداع والتدبير. جاءت فكرة مارينا الدارالبيضاء من رغبة في إضفاء مشهد معماري جديد في المنطقة الفاصلة بين المدينة القديمة، بأبعادها التاريخية المختلفة وأيضا لشكل معمارها الأصيل المرتبط بالأسوار والأبواب، والساحل الأطلسي الذي شكل متنفسا لهذه المنطقة منذ قرون خلت. مع مرور السنوات اتضح أن هذه المسافة الجغرافية لم تعد وفية لروح الدارالبيضاء كمدينة مطلة على البحر، نظرا لتعقد البنية التسكانية بالنظر للتطورات الاجتماعية. من هنا تركز التفكير على ضرورة ربط هذا الماضي بالحاضر، عن طريق إنشاء مشروع عصري ومتطور يراعى فيه أيضا، توطيد علاقة المحيط ككل بالبحر، مع ربطه بالروح التجارية والاقتصادية للقرن الواحد والعشرين. هنا مثلا سيتمكن قاطنو البنايات السكنية من التوفر على رؤية كاملة للبحر دون حواجز، إذن، كان الغرض هو الاستفادة من هذه الرقعة الجغرافية لبعث أنشطة اقتصادية وتجارية تضفي أنشطة حياتية على المنطقة وتجعلها في قلب سياسة تحديث عمراني، مفيد وضروري للمستفيدين من المشروع مباشرة، وللمقيمين حوله. المارينا جزء من مشروع كبير يجمع ساحل الدارالبيضاء بوسط المدينة، يدخل ضمن رؤية تحديثية شاملة أطلق عليها «أبواب الأطلنتي» انطلاقا من ميناء الدارالبيضاء … أول هذه المشاريع كانت مارينا الدارالبيضاء، التي اصطدمت فكرتها العمرانية في البداية بمعوق أساسي : عدم وجود مساحة أرضية كافية لإقامتها بالشكل الذي يتماشى مع التصور المفترض. لتجاوز هذا المشكل تم التفكير في طريقتين تقنيتين، تركزت أولاها في كيفية إضافة المساحة الأرضية الكافية لإقامة المشروع، ثم ما هي المشاريع المواتية له. ثم ماذا يمكن أن نضع في المشروع، على المستوى الاقتصادي كبنيات مختلفة لتطوير جاذبية الدارالبيضاء. لذلك تم العمل علىخلق مساحة أرضية على البحر بلغت 12 هكتارا وكلفت مليار و700 مليون درهم من أصل المساحة الإجمالية للمشروع التي تبلغ 26 هكتار، مع محاولة إيجاد الامتزاج المنطقي الضروري لمكوناتها لتكون « مساحة حياتية ومعيشية» على مدار الساعة 7 أيام في الأسبوع. ولهذا الغرض انشأت شركة «المنار» من رحم صندوق الايداع والتدبير، سهر على تسييرها 37 شابا وشابة في كل الجوانب المتعلقة بالتدبير والميزانية والتسويق بشراكة مع فاعلين دوليين . كيف ستتحول المارينا البيضاء إلى قطب سياحي رائد للأعمال ؟ بالرغم من ديناميتها الاقتصادية المتنامية التي جعلت منها واحدة من أهم وجهات الصناعة والاقتصاد في إفريقيا على مدار قرن من الزمن، إلا أن الدارالبيضاء كانت تفتقر للبنى التحتية الكفيلة باستقبال واحتضان كبريات التظاهرات في هذا المجال، بالرغم من الطلبات المهمة التي كانت تتوصل بها المدينة لاحتضان لقاءات اقتصادية من مستوى كبير. ولا يعقل أن لا تتجاوز سعة أكبر قاعة مؤتمرات بالبيضاء 1500 مقعد، وهو ما لا يليق بأول وجهة «ب سياحة يزنيس» في المغرب، في وقت يفترض في المدن التي ترغب في توفير أجواء استقطاب سياحي «بيزنيس» أن تتوفر على الأقل على قاعة مؤتمرات لأزيد من 2500 مقعد. هذه كانت أولى المعوقات التي حرمت الدارالبيضاء من إقامة عدة تظاهرات اقتصادية من مستوى عالمي خلال السنوات الأخيرة. وبما أن فكرة مشروع المارينا، ارتكزت على إيجاد الامتزاج المنطقي الضروري لمكوناتها لتكون « مساحة حياتية ومعيشية» على مدار الساعة 7 أيام في الأسبوع، كان لا بد من اقتراح بنية تحتية ملائمة لحجم هذا التحدي، ولهذا الغرض تم التفكير في تشييد : قاعة مؤتمرات : بسعة مقاعدة تترواح بين 2000 و 3000 مقعد بنية فندقية : بنية استضافة فندقية من قيمة مميزة، متنوعة تتشكل من حوالي 500 سرير وثلاثة وحدات فندقية بمعايير مختلفة ( 4 نجوم لوكس و5نجوم و 5 نجوم لوكس ). ميناء ترفيهي : port de plaisance في مستوى يضاهي كبريات الموانئ الترفيهية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وخصوصا في الدول المنافسة للمغرب في الاستقطاب السياحي كتركيا وكرواتيا وجزر الكناري. الحاجة إلى الميناء جاءت أيضا من وجود طلب محلي، إذ أن العديد من المغاربة والبيضاويين يمتلكون يخوتا بحرية ولا يجدون فضاءا لركنها ما يضطرهم إلى السفر إلى اسبانيا أو بعض المدن الشمالية. المركز التجاري : الدراسات الأولية للمشروع، أظهرت أن الحاجة التجارية في محيط المارينا تفترض إقامة مركز تجاري بمواصفات عملاقة للاستجابة لطلب أزيد من 700 ألف نسمة، تقطن بجوار المارينا وبعد دراسة سوسيو اقتصادية تناولت الأحياء السكنية على بعد زمني لا يتعدى 20 دقيقة للوصول إلى المارينا. المكاتب – مركز أعمال : الامتداد العمراني المنطقي لقاعة المؤتمرات والوحدات الفندقية، كان لا بد أن يصب في خانة المجمعات الوظيفية أو المكاتب أو الشركات. وهو الأمر الذي تأكد بمجرد الشروع في الأشغال، حيث تلقت شركة المنار طلبات متنامية من فاعلين اقتصاديين متنوعين، لإقامة شركات ومكاتب، للاستفادة من القرب النوعي لقاعة المؤتمرات وهذه الوحدات الفندقية. الإقامات السكنية : تسويق سهل وسريع بالنظر للامتيازات التي يمنحها المكان مع الحرص على توفير شقق عالية المستوى، متطورة بخدمات سريعة رؤية على البحر وخدمة ما بعد البيع مع مراعاة تجهيزها ضد الحوادث والحريق وتخصيص فريق إطفائي تابع للشركة يقوم بمهامه على مدار الساعة سبعة أيام في الأسبوع. المشروع سيحتضن أيضا برجين هما الأعلى في افريقيا الشمالية بعلو يتجاوز 160 مترا . المارينا و المحيط : التصور الجديد لحركة السير باعتباره مشروع سيستقط متدخلين من عدة قطاعات بالاضافة إلى أبعاده التجارية والتسكانية والسياحية، من المنتظر أن تشهد حركة السير والدوران المحيطة بالمارينا اختناقات كبيرة. لهذا الغرض قرر القائمون على المشروع إيجاد تصورات لتجاوز هذا المشكل منذ الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على تصوره العمراني، من خلال ثلاثة دراسات متتالية حول مشكل السير في المنطقة. ولعل المفارقة المهمة في مشروع مارينا الدارالبيضاء في هذا الباب، هو وجود منفذ واحد من جهة شارع الموحدين فقط، لدخول العربات والسيارات إلى المارينا، بالنظر لموقعه الجغرافي المحاذي للبحر من الجهة المقابلة للشارع. وهو ما يعني أن كل التدفق المروري سيتركز على جهة واحدة . لكل هذه الأسباب تم التفكير في توفير طريقة ذكية لتدبير التنقل إلى المارينا وفي الشارعين المجاورين الذين يشهدان تدفقا مروريا كبيرا بين شرق وغرب الدارالبيضاء. الدراسات الثلاث حول حركة السير والجولان في محيط المارينا حاليا ومستقبلا، اعتمدت في بلورة حلول واقعية لمشكل المرور في هذه المنطقة وأيضا لضمان سهولة مرور كبيرة. فقد اتضح من خلال هذه الدراسات دائما، أن شارعي الموحدين وسيدي محمد بن عبد الله يستقبلان تقريبا 2500 سيارة في ساعات الذروة، وهو ما يعتبر معدلا عاديا جدا بالنظر إلى أن تهييئة الشارعين توقعت استقبالهما لحوالي 3800 سيارة في ساعات الذروة. غير أن المشكل المطروح حاليا في المنطقة، يتعلق بكثر ملتقيات الطرق الفرعية التي تؤدي إلى اختناقات مرورية كبيرة. آخر هذه الدراسات. أظهرت أيضا أنه في أفق سنة 2020 سيصبح معدل المرور في الذروة 6000 سيارة وآلية متنقلة. منها 3000 غير معنية بالتوقف في المشروع، ومن هنا انبثقات فكرة خلق ممر أرضي لا يعرقل الراغبين في التنقل في كلا الاتجاهين لتجاوز مشكل المقاطع ملتقيات الطرق0 بداية الممر ستكون من نهاية ملتقى طرق مسجد الحسن الثاني إلى غاية محطة القطار الدارالبيضاء الميناء . كما أن الخظ الثاني للترامواي سيعرف تهيئة محطة ترامواي قريبة من المسجد، ستكون الأقرب للمارينا. مارينا الدارالبيضاء ستكون خالية من حركة السير الداخلية بالرغم من امتدادها على مساحة تتجاوز ال26 هكتارا . الغرض من ذلك، هو فسج المجال لاستعادة فضاءات التجوال والتنزه للعاملين والمقيمين والزوار وجيران المارينا من سكان المدينة القديمة والأحياء المجاورة لها. تمتد على مسافة كيلومتر ونصف، مع تهيئة شارع بحري داخل المارينا يحاذي البحر، كورنيش، مفتوح للعموم، ويعيد مصالحة سكان المدينة مع ساحلهم الأطلسي. «مارينا الدارالبيضاء» تحصل على التزامات مكتوبة من شركائها بأولوية تشغيل «ولاد المدينة لقديمة» أكد محمد لمريني مدير شركة المنار المسيرة لمارينا الدارالبيضاء، بأن الشركة التزمت وألزمت شركائها من الفاعلين الاقتصاديين الذين سيتخذون من مقرات المارينا فضاءا لأعمالهم المهنية والتجارية والخدماتية، بتخصيص «كوطا» خاصة من اليد العاملة من أبناء المدينة القديمة بالدارالبيضاء، في حديث خاص مع الأحداث المغربية. وأضاف أن المسؤولية تحتم على القائمين على المارينا، الانخراط في مشروعات سوسيو اقتصاية، كفيلة بإدماج هذا الصرح العمراني العصري في محيطه الاجتماعي التاريخي والجغرافي. وقدر المسؤول ذاته، حاجيات المارينا من التوظيفات المباشرة في هذه الفترة في 300 شخص، سيراعى أولا انتمائهم للمدينة القديمة عند تنزيل طلبات التوظيف أو التشغيل، مذكرا أن الأولوية ذاتها أعطيت لشباب ورجال المنطقة، في كل ما يتعلق بأعمال البناء والتجهيز، المنتهية أو السارية الآن، وأن أزيد من 1500 عامل وحرفي من سكان المدينة القديمة، شاركوا في الأشغال التي انطلقت في هذا الموقع منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأكد محمد لمريني بأن، المارينا مشروع عصري وحديث يزرع في قلب النسيج الجغرافي والاجتماعي للمدينة القديمة للدارالبيضاء، هذا أولا أمر مهم من الناحية العمرانية، لأن الأفكار المعمارية والهندسية تطورت خلال قرن من الزمان بشكل كبير عن ما كانت عليه في الفترة التي أنشأت فيها المدينة القديمة. هذا التقابل العمراني الكبير يفرض علينا انخراطا تاما في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة. هذا الانخراط سيتم على مستويين، حيث سنعمل على جعل المارينا فضاء عموميا مفتوحا لكل الشرائح الاجتماعية، وتحديدا ساكنة المدينة القديمة دون حواجز أو قيود، بطريقة تعيد ريط سكان المنطقة بالبحر، كما كان عليه الحال دائما، بطريقة تستجيب للمفهوم الجديد للتهيئة الحضرية والعمرانية، عبر إنشاء فضاءات مهيكلة ومشيدة بأساليب ذكية وعصرية، وكذا مساحات خضراء وفضاءات للترفيه تستجيب لهذا الغرض، حيث وجب التذكير بأن ثلثي مساحة هذا المشروع ستكون عبارة عن حدائق ومتنزهات مفتوحة. على المستوى الثاني، أخذنا قرارا داخل الشركة وفرضنا على كل الفاعلين الاقتصاديين شركائنا، عبر التزامات مكتوبة، إعطاء الأولوية في التشغيل لشباب وشابات المدينة القديمة وأحيائها المجاورة عبر تخصيص «كوطا» خاصة للجيران. هذه الكوطا استعملت في أشغال البناء والتجهيز في الأشطر التي انتهت فيها الأعمال، ومازالت حاضرة في المشاريع المزمع إنشائها الآن، بالإضافة لتلك التي ستنطلق فيها الإنجازات قريبا. وختم محمد لمريني حديثه للجريدة حول الأبعاد الاجتماعية للمارينا، بالقول بأن «المارينا مشروع ضخم عصري ومتطور دون حراسة أو أبواب، ستكون فضاءا عموميا بامتياز أمام الجميع. مضيفا بأن مشروع مارينا يتميز بثلاث تحولات نوعية مقارنة بباقي أحياء المدينة ، أولا نوعية المنتوج المتطورة والموائمة لمعايير الجودة العالية، ثم الجانب البيئي، والخدمات التي نلتزم، ونلزم بها شركاؤنا، للوفاء لزبنائنا بكل ما اتفقنا عليه. وتوقع المسؤول الأول في شركة المنار أن تتواصل سياسة التشغيل والتوظيف والتكوين في المارينا بنفس التصور الأولوي لأبناء المنطقة حتى في مرحلة الاستغلال، بعد ثلاث سنوات تقريبا، لأن الطلب سيكون قويا على اليد العاملة خصوصا في ما يعرف بمجالات التخصص الخدماتية أو «الفاسيليتي» كالحراسة والمراقبة والتقنيين والخدماتيين، مع الحرص على أن يكون التشغيل كوطا كبيرة تكوين وتشغيل تخاذ من سكان لمدينة القديمة، اولا تجاوز مشكل التنقل البعيد ، وثانيا لادماج المشروع في محيطه العمراني الاقتصادي والاجتماعي. الأكواريوم الجديد : نوستالجيا بائدة تبعث من رمادها الأكواريوم أو الحوض المائي الذي انفردت به الدارالبيضاء عقودا خلت خلال القرن الماضي، يبعث من جديد داخل المارينا، كوسيلة جذب سياحية وبيئية من الطراز الأول. وإذا كان الحوض المائي الأول للدارالبيضاء قد عرف بجانبه البيئي والبيولوجي المتنوع الذي جعل منه مسرحا لزيارات متواصلة من البيضاويين، فإن الأكواريوم الجديد سيعرف إدخال تقنيات حديثة في بنيته تراعي الجوانب الجمالية والوظيفية لتعيد بريقه الضائع، وتحوله من جديد إلى قبلة يومية لمئات البيضاويين والسياح الأجانب تماما كسلفه البائد. ولهذا الغرض، قررت شركة المنار، راعية مشروع الأكواريوم الجديد إجراء شراكة مع الشركة المسيرة للحوض المائي بمدينة بلنسية الاسبانية، الذي يعتبر الأكبر والأحدث في أوروبا، للاستفادة من الخبرة الاسبانية في هذا المجال. وينتظر أن يضاهي الحوض المائي الجديد للدارالبيضاء، نظيره في برشلونة الاسبانية أو لشبونة البرتغالية من حيث الحجم والمعدات، وهما الحوضين الذين يعتبران ثاني أكبر الأحواض المائية في أوروبا.