انطوت صفحة مهمة ومميزة في مسيرة الأدب العربي الساخر برحيل الكاتب محمود السعدني عن عمر يناهز 82 عاماً، بعد فترة مرضية طالت أكثر من ثلاث سنوات، أصيب في آخرها بالزهايمر. شهدت مسيرة السعدني الذي اشتهر ب«الولد الشقي»، ثلاثة عصور سياسية وفكرية مختلفة، انعكست على حياته الشخصية والسياسية والصحافية، إذ مثّل ظاهرة فريدة في الأدب المعاصر، وعرفته مجالس الفكر والثقافة سواء في مصر ولبنان والكويت وليبيا والعراق أو في لندن، بخصائص الشخصية المصرية المسماة بابن البلد، الذي يتردد على المقاهي في المدينة والمصاطب في القرى والنجوع. ونجح السعدني في أن يكون واحدا من القلائل الذين اتبعوا نهج المزج بين الهزل والجد في الحديث ولا ينافق أحداً، ووصف نفسه بأنه صايع عقل. وصف عددا من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة والتي عمل فيها في بدايات حياته الصحافية، بأنها «كانت مأوى لعدد كبير من النصابين والأفاقين»، واعتبر أن صدمته كانت كبيرة، فليس هذا هو عالم الصحافة ذات الجلالة الذي حلم به. تعرض للسجن في عهد عبدالناصر، وفي عصر السادات تمت إدانته بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية على رئيس الجمهورية، وسجن على إثرها، بعدها سافر إلى لندن واتخذها كمنفى اختياريا، وأصدر هناك مجلة «23 يوليو» في لندن دافع فيها عن مبادئ الثورة، وحققت المجلة معدلات توزيع في العالم العربي، وعاد إلى مصر من منفاه الاختياري سنة 1982 بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. ارتبط الراحل بصلات قوية بعدد من الحكام العرب مثل معمر القذافي وصدام حسين، وقد اعتزل العمل الصحافي والحياة العامة سنة 2006 بسبب المرض. في عيون الآخرين قال عنه شقيقه الأصغر الفنان صلاح السعدني: «محمود السعدني، كان رحمه الله، لمن عاشره وعاش معه واقترب منه، جماعة ضخمة، أو هو قبيلة كاملة، حارة بكل ما فيها ومن فيها، لأنه كان كاتبا متعدد المواهب». وقال عنه الأديب خيري شلبي: «محمود السعدني خُلق على هيئة بشر، ولكن بمزاج الفاكهة والورود والرياحين، وهو الوحيد الذي جمع بين موهبة الكتابة والخطاب الشفاهي في اتساق تام وتوازن خلاق، ولهذا لم يضع من عمره برهة واحدة في الفراغ، واستطاع أن يفيد الحياة والإنسانية بكل زفرة من زفراته». كما قال عنه الكاتب الصحافي مفيد فوزي إنه كان من أجمل الحكائين في مصر، وهو كحكاء لديه وسيلة وطريقة وجاذبية لا حد لها، وكانت سخريته حادة، من أجل بلد ووطن، وقد أشهر محمود السعدني قلمه في وجه بشر لا حدود لهم. ويشير الدكتور ماهر شفيق فريد إلى قلم الراحل الأدبي بأنه قاص، من أبرز ممثلي الواقعية النقدية التي علا مدها في أواخر الخمسينيات وعقد الستينيات، حيث يتركز اهتمام الكاتب على الطبقات الشعبية المسحوقة المهمشة، في القرية أو في المدينة، ويتبدى هذا في مجاميعه القصصية: «السماء السوداء» و«جنة رضوان» و«بنت مدارس» و«الأفريكي» وفي روايته «حتى يعود القمر» و«الأرزقية». مؤلفاته أثرى المكتبة العربية بالعديد من مؤلفاته منها: «تمام يا افندم، الظرفاء، مذكرات الولد الشقي، ألحان السماء، الولد الشقي في المنفى، الموكوس في بلاد الفلوس، الولد الشقي، عودة الحمار، الولد الشقي في السجن، مسافر بلا متاع، أحلام العبد لله، خوخة السعدان، الطريق إلى زمش، مصر من تاني، السعلوكي في بلاد الأفريكي، بلاد تشيل وبلاد تحط، وداعا للطواجن، حمار من الشرق، أمريكا يا ويكا، المضحكون، رحلات ابن عطوطة، حكايات قهوة كتكوت».