AHDATH.INFO – خاص لم يكن أحد يناديه باسمه: "رحال"، بدءا من زوجاته حتى أبنائه وأقربائه وجيرانه ومعارفه،أما أخوالي وكانوا ثلاثة، ولد وابنتان، جميعهم أنصاف إخوة لأمي، أي أنصاف أخوالي، كانت أم والدتي زوجته التي لاأعرف ترتيبها في عدد زوجاته السابقات واللاحقات، كان اسمها مطابق لاسمه كإناء لغطائه "ارحيلة" رمزية قبلية للرحيل، فالرحامنة أصلهم قبائل رحل، كلما ازداد طفل جديد، لم يسموه أبدا "محمدا" أو "فاطمة" بل اشتقوا اسمه من سمفونية تاريخ الترحال لديهم، بحثا عن الكلأ والماء. حتى بعدما استقروا بمنطقة الرحامنة،احتفظوا بنفس التسميات، كنت كلما سألت أحدا من الكبار عن سر تلقيبه ب"الوطن" يجيبونني بأنهم لايعرفون، كنت متأكدة من العكس، وأن وراءه حكاية مخجلة أو حزينة، لايريدون الإطلاع على سرها وشرها، ولم يكن يخطر ببالي أن أسأله، لأنه كان كهلا قليل الكلام، هادئا كصخور الرحامنة المتوحشة الصماء امتهن بيع " الفول طايب وهاري" و"حمص كامون" منذ هاجر من الرحامنة نحو الرباط،، ثم استوطن الخيام، بمنطقة ‘المحاريق" قرب " سوق الغزل" لكثرة اشتعال أو إشعال النيران في الخيام البيضاء، واحتراق بعض السكان و أطفالهم وأمتعتهم أكثر من مرة في السن. وحتى عندما تمت استفادتهم من السكن، بحي "الأمل" بيعقوب المنصور، لم يناد أحد ذاك الحي باسمه، بل رافقت قاطنيه صفتهم الأولى، المحاريق"، لم أستطع مساءلة نصف جدي عن سر هذ "الوطن" الذي صار اسمه الرائج، فقد كنت أراه ممسكا عن الكلام الكثير، موغلا في عمق ذاته الغارقة في الحنين الصامت لرائحة التراب والماشية الوديعة وماء المطر الشحيح، ورائحة القمح الصلب وأعراس القبيلة على وقع الصابة ومواسم الحصاد الجيد، لم يحمل معه من مهارة بدوية، سوى كيفية شراء الفول اليابس بقشره والحمص الكبير الحجم، يرطبهما لليلة كاملة في أواني حديدية كبيرة، يسميها "المرميطة" واحدة للفول وأخرى للحمص، بعدما تكون زوجته قد قامت بتنقيتهما ونفضهما من الغبار،يقوم عند الفجر، لا ليتوضأ ويصلي، فلم يكن شخصا متدينا بالمرة، يشعل نار الفحم والأعواد تحتهما، ويترك المحتوى ينضج،عند بداية الصباح،يتناول فطوره : خبز شعير، كأس شاي منعنع و"سبسي" من الكيف المقصوص والمعد مساء البارحة بعناية فائقة، على إيقاع صوت طاجين غنمي بالبصل والزيتون بترتر بجانبه،وكؤوس الشاي، وصوت الشيخة خربوعة، يصدح بعيوط مرصاوية وحوزية، ينهي فطوره و"كميته" فيقوم بعون من زوجته بوضع "المرميطتين" فوق العربة الصغيرة، التي يدفعها بيديه، يضعان "كواغط" التلفيف البيضاء، وعلبتي الملح والكامون، المصنوعتين من علب حليب "كيكوز" كان جدي الوطن،قد قام بثقبهما بمسمار صغير، يرش منهما الملح والكامون فوق قرن "طايب وهاري" أو "حمص كامون" عند تقديمهما لزبنائه الصغار والكبار بحي العكاري والمحيط، وعندما يعود، قبيل مغرب اليوم، يكون قد باع كل شيء. يدخل الخيمة أو البيت "المحاريقي" الجديد، محملا بنصف كيلو من لحم الغنمي، وربطتين خضراوين :الأولى من نعناع بوريي و الثانية ربطة كيف كتامي معتبر، يغسل رجليه في طشت معدني أييض بالماء الساخن والملح، تمسدهما زوجته وتنشفهما بخرقة قطنية من صدار قديم، ليبدأ في ممارسة طقسه اليومي و إعداد عدته من قص الكيف فوق "قرطة خشبية بواسطة موس "بونقشة حاد جدا وبراق، يعمر الشقف بتأن وتلذذ كبيرين ، يأخذ نفسا عميق وطويلا ثم ينفث الدخان من السبسي من فمه وأنفه بمتعة لاتضاهيها، سوى متعة مضاجعة زوجته كل ليلة، على ضوء قنديل الشمع، أو المصباح الكهربائي الضعيف، عندما انتقل للسكن داخل الإسمنت…وكنت كلما مررت بمنزله، وقد ماتت جدتي قبل أن أراها، وتزوج بعدها كثيرا من النساء، لم تنجب منه إحداهن أبدا بعد أخوالي وأنصاف إخوتهم السابقين، والذين ليسوا أخوالا لي في شيء، تهاجمني استفهامات محيرة حوله، لم أفك لغزها لحد الآن،تماما كما لم أستطع يوما، إدراك سر ابتسامته الدائمة وانحناءة رأسه الأصلع المغطى بطاقية بنية، ابتسامة أفتقدها الآن…بعدما فقدت نصف- خالي موتا، ونصف خالتي الإثنتين جنونا…أما أمي، فلا تريدني اعتباره ولا حتى ربع جدي .