هو أحد كبار القراء الذين أنجبتهم مصر والعالم الإسلامي. تربع على عرش القراءة لسنين صحبة الكبار من قبيل عبد الباسط بعد الصمد، منذ خمسينيات القرن الماضي، ذلك هو محمد صديق المنشاوي، أو المقرئ «الباكي» كما لقبه مجايلوه بسبب صوته الشجي الحزين وتفاعله منقطع النظير مع آيات الذكر الحكيم في مختلف الحفلات الدينية التي أحياها طيل مساره بعد أن ذاع صيته في أرجاء العالم الإسلامي. ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي بقرية «المنشأة» بمنطقة سوهاج بمصر سنة 1920 لأسرة قرآنية بامتياز، ذلك المنشاوي بدأ مشواره على يد أبيه الشيخ صديق المنشاوي، الذي حفظه وعلمه المبادئ الأولى في تجويد القرآن الكريم بالمعهد الذي كان تحت إشرافه، فتشرب بذلك الطفل مناهل هذه المدرسة العتيقة المتفردة، التي حفظ بها القرآن وهو ابن الحادية عشر من عمره. انتقل بعد ذلك لتعميق مداركه في القراءات والتجويد والترتيل على يد كبار أساتذة عصره من قبيل الشيخ محمد النمكي والشيخ محمد أبو العلا والشيخ محمد سعودي بالقاهرة. تكوين متين، انضاف إلى المادة الخام التي رزق بها الفتى محمد بداية من الصوت الحسن الشجي والدبدبات الفريدة التي ورثها عن أبيه المقرئ، حيث أعطى هذا المزيج كله قارئا من طينة خاصة. وخلافا لعدد من مشاهير القراء، فإن صيت محمد صديق المنشاوي، ذاع حتى قبل أن يمر بالإذاعة التي جاءها متأخرا، والتي سجل بها ختما كاملا مجودا للقرآن الكريم، لينفتح -بعدها- العالم الإسلامي أمامه، حيث سيزور الكثير من البلدان الإسلامية، التي قدم لها تسجيلات تراوحت ما بين التجويد والترتيل من قبيل المسجد الأقصى، قبل احتلاله والكويت وسوريا وليبيا. انضاف ذلك إلى الزيارات الكثيرة والحفلات القرآنية التي أقامها بالعديد من الدول والتي نال من بعضها الأوسمة، اعترافا بحسن أدائه وجمال صوته المتفرد الذي يطوعه كيفما يشاء، حتى أن القارئ يلتبس عليه الأمر ويتساءل، إن كان المنشاوي «المجود» هو نفس الرجل «المرتل». رغم أن حياة المنشاوي كانت قصيرة بمقياس الزمن، إلا أنها كانت طويلة بمقياس الإنتاج الغزير الذي خلف الأثر الحسن. فهذا الرجل الذي لم يكمل عقده الخامس، استمر في في خدمة القرآن الكريم حتى وهو يعاني المرض، بعدما أصيب ب«دوالي المريئ»، حيث لم يستسلم وظل يجود ويرتل ويحيي الحفلات القرآنية، وذلك قبل أن يقول القدر كلمته الأخيرة ذات صيف من عام 1969 حيث سيسلم الروح لباريها، مخلفا وراءه إرثا ثمينا ومدرسة متفردة، مازالت تنهل منها الأجيال إلى يوم الناس هذا.