يستحيل أن تجد مكانا لك داخل المسجد خلال صلاة التراويح لتعج الساحات المجاورة والطرقات بآلاف المصلين كل ليلة، كان ولايزال عنوانا بارزا في ليالي رمضان منذ الثمانينات، صوته الشجي وترتيل المتناغم لايساعد فقط على الخشوع بل يجعل المرء يعيش تفاصيل القصص الواردة في الآيات ويسمو إلى درجات أعلى التجاوب مع القراءة. ولد المقرىء مصطفى غربي سنة 1964 بقبيلة أولاد امراح، التابعة لعمالة سطات، تتلمذ على شيخه المرحوم الحاج الصويري بنفس المنطقة، وتمكن من حفظ القرآن، بعدما بلغ الثالثة عشرة من عمره. وكان مهووساً بسماع القرآن لعدة قراء عالميين، ينتمون لجمهورية مصر العربية، درس قواعد التجويد وفن القراءة رفقة بعض القراء، ليتخذ بعد ذلك مدرسة أحد فطاحلة المقرئين المصريين، الشيخ المرحوم الشهير محمد صديق المنشاوي، والذي يعتبر من القراء الأوائل الكبار بجمهورية مصر العربية. لفت الشيخ مصطفى غربي آذان العديد من الناس بقبيلته، وكل من زارها من خلال حضور بعض المناسبات التي كانت تقام لدى بعض العائلات، نصحه أحد العلماء والفقهاء بالذهاب لمدينة الدارالبيضاء على أساس صقل موهبته، والمشاركة ضمن قراء آخرين للاحتكاك، وكسب التجربة. كانت أول محطة للقارىء مصطفى غربي بمدينة الدارالبيضاء سنة 1980، بالمسجد الكائن بطريق ابن سليمان، حيث تولى مهمة الإمامة. نال إقبال المصلين الذين تهافتوا عليه، وتكاثرت الصفوف بالمسجد رغم صغر حجمه. لم تمر سنة واحدة، على إمامته بهذا المسجد، حتى حط رحاله بمسجد الشهداء مباشرة بعد بنائه من طرف المرحوم الشريف مولاي علي الكتاني، والذي عينه كإمام رسمي، وكمقرىء بعدما سمعه ولفت أنظاره. من هنا انطلقت مسيرة القارىء مصطفى غربي، من خلال الحضور المكثف للعديد من المصلين الذين كانوا يقصدون مسجد الشهداء من كل فج، ومن كل أحياء مدينة الدارالبيضاء، إلى جانب الوافدين من مدينة برشيد وابن سليمان والمحمدية وسطات، وتحضر جماهير أخرى نهاية الأسبوع، أي ليلة الجمعة والسبت من تطوان، طنجة، مراكش ومدن أخرى للاستماع وأداء صلاة التراويح وراء مصطفى غربي. الذي يمتاز بصوته الشجي، القوي، الرخيم، مع حسن التلاوة والأداء الجيد، والطريقة الفريدة التي تساعد على الخشوع لدى كل المصلين في صفوف الرجال والنساء. أصبح لدى الشيخ غربي إشعاع كبير، حتى على مستوى القراءة الفردية المجودة، والتي كان يطرب فيها الجميع، حيث نهج طريقة كبار المقرئين الشيخ محمد صديق المنشاوي، أحيى العديد من الحفلات الدينية والمناسبات، كالأعراس وحفلات العقيقة والمآثم. وسنة بعد سنة، بدأ يظهر مصطفى غربي بمستوى عال من خلال قراءته في صلاة التراويح، ويعد من الأوائل على مستوى ربوع المملكة، حيث أصبحت له دراية واسعة في القراءات وبالمقامات. لقد أعجب به العديد من المهتمين بالموسيقى وأصولها والمقامات، والذين أكدوا ما مرة من خلال بعض الحوارات على أن الشيخ مصطفى غربي يعتبر كأول قارىء مغربي، وكظاهرة أئمة التراويح. لقد كانت له مساهمة قوية بمسجد الحسن الثاني منذ أوائل التسعينات، حيث صلى التراويح بهذا المسجد الكبير لمدة سبع سنوات. لقد حاز على عدة ألقاب وجوائز وطنية ودولية، منها المسابقة الدولية التي نظمت بالسعودية سنة 1984، فاز بالجائزة الرابعة آنذاك. شارك في الملتقى الدولي الاسلامي بمسجد الحسن الثاني، حضره قراء كبار من الدول العربية والاسلامية منها: مصر، سوريا، العراق، الجزائر، ماليزيا، أندونيسيا، الباكستان، والمغرب البلد المنظم، فاز بالجائزة الأولى. حصل أيضا على الرتبة الثانية في المسابقة الدولية التي نظمت بإيران سنة 1995، والتي عرفت مشاركة دول عديدة منها: مصر الأردن تركيا سوريا العراق والمغرب. سجل القرآن الكريم في إطار المسيرة القرآنية للتلفزة والإذاعة الوطنية، كما قام بعدة أنشطة خارج أرض الوطن، بعدما تلقى دعوات من بروكسيل ونيويورك. كما أحيى العديد من المناسبات بالدارالبيضاء وعدد من المدن المغربية من خلال الدعوات التي تنظمها الأسر المغربية. وقد كان يحظى باهتمام كبير خلال حضوره المسابقات الدولية من طرف قراء مصر وقطر وسوريا والعراق والسعودية، والذين يطالبونه بالجلوس معهم على مائدة الإفطار والعشاء. وقد سمعه الشيخ الطبلاوي المصري بالديار السعودية في إحدى الحفلات الليلية، وقال له بالحرف: »الله، الله يا شباب المغرب...«. وقد أكد المقرىء مصطفى غربي للجريدة أثناء محاورته على أنه فضل هذا الموسم/ أي شهر رمضان الحالي البقاء بالمغرب، لإحياء صلاة التراويح والأمسيات القرآنية بمسجد الشهداء، رغبة منه ومن العديد من المصلين والأصدقاء الذين عاشوا معه مسيرته الموفقة والناجحة كإمام، ومقرىء ورجل بسيط يحب «البسط» والحوار. (الدارالبيضاء)