غير تزامن شهر رمضان هذه السنة مع فصل الصيف كل المقاييس المعتمدة من قِبل المصلين لاختيار المساجد، التي يفضلون أداء صلاة التراويح فيها..فبدل أن يبني المصلون اختيارهم للمسجد على حسن صوت المقرئين للتلذذ بنعمة الخشوع في الصلاة، بات همهم يتركز على إيجاد مسجد يوفر لهم الراحة. أصبح بعض المصلين يبحثون عن مساجد مكيفة، تؤمن لهم أداء شعائرهم في ظروف مريحة، هربا من بعض المساجد التي لا تعتبر مريحة في نظرهم، نظرا لموقعها داخل بعض مناطق المدن القديمة، كالدارالبيضاء، وفاس، ومراكش، والتي تكاد تنعدم فيها الظروف لأداء صلاة التراويح، لكثرة الإقبال على المساجد خلال هذا الشهر، إذ تتزايد أعداد المصلين بشكل لافت كل سنة، وكذا لضيق مساحة المساجد بالأحياء القديمة، ونظرا لغياب وسائل التهوية، إلى درجة ينعدم الأوكسجين في بعض الأحيان. ويضطر من يعانون مشاكل في الجهاز التنفسي للبحث عن مساجد مناسبة لحالتهم، ويقول عبد الصمد الرحموني، الذي بدا منهكا بعد إتمامه صلاة التراويح بأحد المساجد الكبرى في عمالة مقاطعات سباتة بالدار البيضاء "مسكني يبعد عن هذا المسجد بحوالي كيلومترين، ورغم وجود مسجد بالقرب من بيتي، أفضل أن أصلي بهذا المسجد، ليس لأن المقرئ هنا أحسن من نظيره بالمسجد القريب مني، بل لأنه صغير ولا يتوفر على نوافذ كافية للتهوية أو وسائل لتلطيف الجو". ورغم حسن صوت المقرئين في بعض المساجد، التي اعتاد المصلون التوجه إليها من مناطق بعيدة ومختلفة، إلا أن إكراه الجو الصيفي الرطب والحار ليلا فرض عليهم التوجه نحو مساجد توفر، ولو في الحد الأدنى، ظروفا صحية لأداء صلاة التراويح، ما عرض هذه المساجد لاستقبال أعداد تفوق طاقتها الاستيعابية. ويقول عبد العزيز خربوش إمام مسجد، "في رمضان، تمتلئ المساجد بالمصلين من كل الأعمار، إلا أن هناك مساجد لا تتيح لمرتاديها إكمال صلاة التراويح، بسبب درجة الحرارة المرتفعة، لتزامن شهر الصيام مع فصل الصيف"، ويضيف أن "على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن توفر الوسائل الضرورية لراحة المصلين، من وسائل تهوية، ومكبرات صوت جيدة". وحسب مصدر في المندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن الوزارة توفر ميزانية مهمة لإصلاح المساجد وتجهيزها بالوسائل الضرورية، من إنارة، ومروحات، وأفرشة، وطلاء للجدران، لسد الخصاص في بعض المساجد. وقال المصدر ذاته، في اتصال مع "المغربية"، إن أغلب عمليات الصيانة ينجزها المحسنون، وحين يتعلق الأمر بأحد المساجد التي تخبر المندوبية عن طريق شكايات المواطنين بحاجتها للتدخل، تستجيب المندوبيات الجهوية في الحال. ورغم كل الإكرهات التي تواجه المصلين في بعض المساجد، فإن هناك فئة من المصلين تحدت كل هذه العوامل، وفضلت الاستمتاع بلحظات من الخشوع وراء أصوات شجية وتلاوات متميزة للمقرئين، يقول عادل (ش)، الذي كان يتصبب عرقا بعد انتهائه من أداء صلاة التراويح. ويضف "رغم أن مساحة المسجد ضيقة والنوافذ قليلة به، فأنا اعتدت على الصلاة هنا، لأني ارتاح لصوت المقرئ، وتلاوته المميزة"، كما أن وضعية بعض المساجد، التي يعاني المصلون بها ارتفاع درجة الحرارة دفعت عددا من المحسنين إلى تزويدها بمكيفات هوائية ومراوح. ولوجود أغلب المساجد الصغير المساحة بأحياء شعبية، فإن المصلين اتخذوا من الشوارع المجاورة لها مكانا للصلاة لامتلائها في أوقات مبكرة. وساهم الباعة المتجولون، الذين يستغلون الإقبال الكبير على المساجد لترويج معروضاتهم، بعرباتهم المجرورة، في الفوضى بالشوارع القريبة من المساجد، وفي إرباك حركة السير. ويبقى إقبال بعض المحسنين على إنشاء قاعات للصلاة من أبرز صور الاحتفاء بهذا الشهر ، إذ تغطي بعض الخصاص في المساجد، بينما تتحول "الكاراجات" والمحلات التجارية الشاغرة إلى أماكن للعبادة واستقبال المصلين، ويرجو أصحابها التقرب إلى الله من خلالها. وحسب المندوبية الجهوية لأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن الوزارة لا تسمح بفتح قاعات للصلاة إلا عند الضرورة القصوى، خاصة في المناطق التي تكاد تنعدم فيها أماكن للصلاة، وتبلغ الطاقة الاستيعابية في المساجد الكبرى في بعض المدن إلى أزيد من 515 مصليا، وعدد هذه المساجد المسماة "المساجد الجامعة" يصل إلى 491 مسجدا، ويوجد بالدار البيضاء 1425 مسجدا، بينها مساجد وقاعات للصلاة، و400 مسجد جامعة، تصلى بها صلاة الجمعة، ويفوق عدد قاعات الصلاة عدد المساجد، خاصة خلال هذا شهر رمضان، الذي يتزايد فيه الإقبال على المساجد. ومن بين المساجد التي تغص بالمصلين، مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، المصمم لاستقبال 25 ألف مصلي، ومسجد المنارة في مراكش، ومسجد مولاي يوسف في الرباط. وتعيش هذه المساجد بسبب أعداد المصلين التي تتقاطر عليها في كل ليلة، حالة طوارئ، ما يستدعي تدخل رجال الأمن للحفاظ على الاستقرار وضمان السير العادي في الطرقات.