لاعب تجاوز الروعة بكثير حين كان يلعب الكرة، لكنه أصبح الأفضل حين توقف واعتزل. يوم وصل روماريو قمة الكرة العالمية عاد روماريو ذات يوم إلى الحياة الواقعية، هناك في برازيل الفقر والفافيلات. اكتشف أن ستواته رفقة الكرة العالمية والتي قادته يوما إلى كأس العالم وفريق برشلونه وبقية الأمور العابرة ليست الأصل، وأن هناك حياة أخرى، حقيقية، تنتظر منه شيئا في بلده. لم يشتر روماريو مقهى ولم يرب أبقارا، ولم يذهب لكي يلعب "التبوريدة" بخيل اقتناها بمال الكرة مثلما يفعل الدوليون القدامى المغاربة رغم أنهم لم يبلغوا من شأو وشأن روماريو في الكرة العالمية شيئا. لا، قرر روماريو أن يخوض معركة السياسة من أجل أبناء بلده، دخل برلمان بلده، ومثلما كان أصليا في الكرة يتعارك بالقدم وباليد أيضا ويضرب من لا يروقونه، قرر روماريو الذهاب بعيدا في تجربته السياسةي حد إغضاب "العقلاء" المحيطين به في البرلمان الذين قرروا أن يزيلوه من قربهم لأنه يقول كلاما لايتماشى والأمور التي يتفقون عليها. لم يكترث روماريو، ونزل إلى الشارع يقول للبرازيليين إن طبقتكم السياسية فاسدة ومختلسة وأنها سبب فقركم، وفي كأس العالم التي نظمت الصيف في البرازيل خاض حربا ضروسا من أجل حق الفقراء في اقتناء تذاكر بأثمنة في متناولهم لأن "الكرة لعبة الفقراء وليست لعبة للأغنياء وبلاتر" مثلما قال، بعدها طالب بسجن مسؤولي الاتحاد البرازيلي يوم انهزمت السيليساو بالسباعية أمام ألمانيا وقال إن "الفساد نخر الكرة وأن اللاعبين لا يلامون". لروماريو قصة إنسانية أخرى يعرفها المقربون منه وقرر هو الكشف عنها وخوض حرب من أجلها هي قصة إبنته المصابة بالتثلث الصبغي التي اختار يوم اعتزاله اللعب لكي يخبر العالم كله بإعاقتها . في مباراة اعتزاله أخبر روماريو عبر رسالة مكتوبة تحت قميصه الكل بحكاية إبنته "دخلت السياسة من أجل إيفي" يقول روماريو. إيفي (تسع سنوات الآن) هي إبنته الصغرى، وقد ولدت بإعاقة "التثلث الصبغي" (trisomie 21) . يقول روماريو "عندما ولدت إيفي فهمت مايعيشه حوالي 25 مليون برازيلي أي 12.5 في المائة من ساكنة البرازيل: الإقصاء والتهميش للمختلفين الذين يعانون من كل أنواع الإعاقات كيفما كانت، واكتشفت ألا أحد في البرازيل كلها يشغل باله بالدفاع عنهم وعن حقوقهم." لذلك وعوض أن يختار مسارا مهنيا مرتاحا ومريحا كمعلق رياضي في غلوبو كبرى قنوات البرازيل العالمية أو أن يتجول في قنوات الشرق الأوسط التي تمنح مالا وفيرا مثلما يفعل أغلب زملائه من اللاعبين القدامى، قرر روماريو أن يحتفظ بكرامته غير منقوصة وأن يدخل معترك الدفاع عن الفقراء والمهمشين والمختلفين وكبار السن والمحرومين في بلده. قرر "القصيور" مثلما يلقب روماريو في بلده (نسبة إلى قامته القصيرة) أن يتحدث في وسائل الإعلام نيابة عمن لاصوت لهم. تمكن في البرلمان من تمرير قانون لصالح المعاقين، وأضاف إليهم قانونا آخر يهم تعويض العائلات الأكثر فقرا، وساندته الرئيسة ديما روسيف في مسعاه رغم أن جزءا أساسيا من الطبقة السياسية البرازيلية حاربه بكل قوة. يصر روماريو إلى الآن على إزالة بذلته الرسمية فور الانتهاء من مهام السياسة وعلى ارتداء اللباس الرياضي والنزول إلى شواطئ كوبا كابان للعب الكرة مع رفاقه القدامى. بعض السياسيين قالوا له "إنه من غير الجدي أن ينزل سياسي وبرلماني محترم إلى الشاطئ بالشورت لكي يلعب الكرة". سخر منهم ورد عليهم باستهزاء "أصلا أنتم تشاهدونني منذ أن بدأت هاته الحياة مرتديا الشورت، فلماذا أزعجكم هذه المرة؟" سعادة النائب المحترم يلعب الكرة عاريا في الشاطئ ولا يهتم بالمتكلسين خاض روماريو حربا قاسية ضد بيليه لأنه يتصور أنه يتحدث كثيرا، ووعد نفسه والصحافة مرارا وتكرارا ألا يعود للتعليق على مايقوله الأسطورة القديمة، لكنه كان يجد نفسه دائما مضطرا للرد عليه خصوصا إذا أطلق بيليه واحدة من درره الغبية والمشهورة، مثلما فعل يوم طلب من الشعب البرازيلي ألا ينزل للاحتجاج في الشارع على كأس العالم. أتى حينها روماريو إلى ندوة صحفية وقال للصحافيين "تذكرون أنني وعدتكم بعدم الرد مجددا على بيله، لا أستطيع. بيليه يصبح شاعرا حين يقفل فمه. هذه هي الحقيقة". كل من شاهد يوما روماريو على ملعب للكرة فهم أنه أكثر من لاعب عادي، وأنه موهبة تجري فوق العشب. وكل من تذكر مغامراته الليلية وهو يلعب حين كان يقول للمدربين "أنا أكون أفضل حالا حين أمضي الليلة في ناد ليلي أرقص وأشرب، وأنا أسجل أهدافا أفضل حين أكون قد انتهيت للتو قبل المباراة من المضاجعة" (كل هؤلاء) يعرفون أن هذا اللاعب غير العادي لايمكنه أن يواصل حياته إلا بهذا الشكل غير العادي والرائع فعلا... إعداد: سليمة العلوي