تبرأ الحبيب بلكوش من تصريحات خديجة الرويسي في حواره الأخير مع «الصباح» وقال إن «الأخت الرويسي تعبر عن أفكار شخصية», وأضاف أن المغرب في غير حاجة اليوم لما وصفه بالتشويش عليه. ولاأحد يستطيع اليوم أن يضع تصريحات بلكوش الجديدة في مكانها الحقيقي, إذ في الوقت الذي اعتقد جزء من المغاربة أنهم عثروا على حزب لايعتنق لغة الخشب, ويعبر باسم قطاع واسع من حداثيي البلد الموجودين عن تصورات وأفكار شجاعة ولابد من طرحها اليوم, يعود مثل هذا التصريح لكي يرجع الأشياء إلى منطلقها الأول ويترك المغاربة وخصوصا منهم المدافعين عن الحريات الفردية في موقع ضعف فعلي. منذ مدة غير هينة لم يعد البام ذلك الحزب الذي يتحين الفرص لكي يعبر عن مواقف شجاعة وحقيقية, تنقص على الأقل من جدة ووقع المواقف الظلامية التي لاتتردد أطراف كثيرة في التعبير عنها في مغرب اليوم, وقد تفهم الكثيرون المسألة وقالوا إن المعادلة السياسية المعقدة مغربيا تفرض بعض التقية الحداثية التي قد تكون شبيهة إلى حد ما بالتقية التي يمارسها الظلاميون، على الأقل لكي لايصدم الشعب ببعض المواقف الذي قد لايكون مؤهلا لها ولا لفهمها في هذه اللحظة بالذات. هذا الأمر مفهوم جدا, وله أكثر من داع وغير قليل من التفسيرات. لكن أن يتم الإعلان رسميا عن التنصل من خديجة الرويسي ومن تصريحاتها, وأن يتقهقر الدفاع عن الحريات الفردية لمرتبة ثالثة أو رابعة بعد التهييء السياسوي للأشياء ففي المسألة بعض الحديث الواجب. لاشك أن خديجة الرويسي ستحس وهي تقرأ كلام بلكوش بغير قليل من الألم, إذ هي ستعرف أن الأمر يدخل في إطار مزايدات سياسوية سيخسر فيها البام بكل تأكيد لأنه لن يستطيع منافسة العدالة والتنمية في مجال المزايدة الدينية. لكن الرويسي ستتألم أكثر حين ستقرأ على لسان بلكوش أن «الأصالة والمعاصرة حسم في مسألة إمارة المؤمنين ولا التباس لديه في هذا المجال». هنا نخرج من طور التنصل من تصريحات قد نتفق وقد لانتفق معها إلى طور «التغراق» باتهام الرويسي أنها ضد إمارة المؤمنين, والحال أن السيدة هي الأخرى ماانفكت تعبر عن إيمانها مثل أغلبية المغاربة أن الضمان الأخير ضد سقوط المغرب بين براثن الظلامية الأصولية هي مؤسسة إمارة المؤمنين بالتحديد. وأتصور أنه من العيب فعلا أن يتم اللجوء داخل حزب حداثي أو هكذا يصفه أهله إلى نفس أسلوب الإسلامويين في النقاش, وقد كان حريا ببلكوش في حواره ذاك أن ينوه بكثير من مواقف التي أسماها «الأخت الرويسي», وأن يقول إننا اليوم بحاجة إلى من يجاهر بدفاعه الفعلي والحقيقي عن الحريات الفردية, وأننا تجاوزنا مرحلة الالتباس التي قد تقبل هذا الوجه وتقبل ذاك, ودخلنا اليوم مرحلة استيضاح الأمور جيدا والتعرف على من يريد هذا المشروع الديمقراطي الحداثي للبلد, ومن يريد جرنا إلى الخلف, خصوصا وأن كل ماوقع في الآونة الأخيرة في المغرب أكد ماكنا نخشاه وننفيه باستمرار وهو أن البلد فعلا منقسم إلى نصفين: نصف يريد هذه الحداثة سواء كانت حقيقية أم مفترى عليها, وقسم يريد العودة بنا إلى سنوات الجاهلية. وقد قالها المخرج محمد العسلي قبل هذا الزمن بسنوات ولم نصدقه، لكننا نجد أنفسنا ملزمين فعلا بالمصادقة على الكلام الذي أطلقه ذات لحظة غضب في طنجة حين وزع مغربنا إلى أقلية وأغلبية. وكل ماوقع بعد تلك اللحظة لم يفعل سوى تأكيد هذا الكلام, ولم ينفع سوى في إقناعنا أن معركة الحداثيين والرجعيين لامحالة ستقع في هذا البلد. وعندما نقول معركة, لانقول حربا أهلية, بل نقول تدافع أفكار بين من يتصور أن المغرب قد يكون القاطرة التي ستجر العالم العربي والإسلامي نحو دخول عوالم تقدم لم يكن يحلم بها, وبين من يتصور أن دورنا هو أن نظل مجرد تابعين للمشرق المريض خصوصا في أسوأ مالديه أي في تطرفه وانغلاقه وعدم قدرته على القبول بأي اختلاف. أما بالعودة إلى البام فيمكن القول أن اللعب على كل الحبال أمر لم يعد ممكنا. هناك اليوم ضفة حداثة تتأسس في هذا البلد بعناء شديد, وبغير قليل من السب والشتم والقذف فيها, لكنها تتأسس, وهناك بالمقابل الضفة الرجعية التي تقاتل من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها على امتداد سنوات وسنوات, والمطلوب من حزب يقول اليوم إنه أتى بالجديد الفكري أساسا إلى الساحة السياسية أن يعلنها واضحة لا التباس فيها: مع هذا التوجه الذي يريده لنا جلالة الملك تحت لواء إمارة المؤمنين, وضد التوجه الآخر الذي يريد بالمغرب الكثير من السوء مهما اختفى وراء كاذب الشعارات, والسؤال المطروح اليوم هو هل سيستطيع رفاق بيد الله أن يقدموا الإجابة الواضحة؟ أم تراهم يقلدون بقية الأحزاب ويختفون وراء الفعل ونقيضه دون أدنى إشكال. هاحنا طرحنا السؤال ولننتظر القادم من الأيام فقد يحمل عنه بعض الإجابات. ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق مامعنى أن يراسل حزب سياسي فقيها مثل الريسوني لكي يطلب رأيه في استضافة مغني مغربي مسلم مثل الدون بيغ في مهرجان كالذي نظم في الدارالبيضاء؟ معناه أن هذا الحزب السياسي الديني يعاني من خلط فظيع حقا بين الدين والسياسة والفن ويحتاج إلى من يحلل له الغناء ومن يحرمه لأنه يعتبر أن كثيرا من الفن هو «حرام» لئلا نقول إنه يعتبر كل الفن حراما في حرام. بعض الوقائع الصغيرة تدل على بعض المواقف الكبيرة. يكفي فقط أن نتقن الاستماع لنبض هذه التفاصيل وقراءتها القراءة الصحيحة .