أنا من جيل يعني له سعيد عويطة الشيء الكثير. استفقنا باكرا تلك الليلة وكنا صغارا للغاية. تفرجنا ورأينا المغرب يفوز بأول ميدالية أولمبية في تاريخه. رأينا الآباء فرحين ففرحنا لفرحهم، وفهمنا أن شيئا كبير قد وقع ذلك المساء. لم ننل أي شيء مقابل ذلك الفرح. هو من النوع "العبيط"، الوطني، لوجه الله أو لوجه البلاد والانتماء لراية البلاد، من تلك الأمور التي يصنع الكثيرون المستحيلون من أجل إزالتها من أذهان هاته الأجيال الجديدة. بعد ذلك أصبح عويطة بالنسبة لنا مصدر فخر واعتزاز فعليين. كنا نشاهد سباقات المسافات المتوسطة ونحن متأكدون من الميدالية الذهبية، ولا نكترث إلا بمن سيدخل ثانيا بعد سعيد، وبالرقم الذي سيحققه الأسطورة في تلك السباقات. أطلق مغاربة الثمانينيات إسم عويطة على القطار السريع، وأصبح هو ونوال المتوكل علامتين فعليتين لبلاد تبحث عن إِثبات نفسها على الساحة العالمية، طموحها يدفعها دفعا نحو إبراز هذا الإسم ونحو التباري في كل المجالات من أجل أن يحفظه الكون كله. أنهى عويطة مساره الرياضي وبدأ مسارات أخرى ملتبسة. انتهت حكاية الإجماع حول الأسطورة سعيد، وجاءت مرحلة الخلاف معه لأنه ارتضى لنفسه – وهذه مسألة لابد من احترامها فيه – خطوات أخرى لا تقبل الإجماع. ترشح للانتخابات البرلمانية مع الاتحاد الاشتراكي. صوت عليه البعض ولم يصوت عليه البعض الآخر، ولم ينجح. دخل في صراعات مع الاتحاد المغربي لألعاب القوى، وكنا نألم ونحن نسمعه يتشفى في بلاده كلما سقط لاعب أو لاعبة من المغرب فقط لكي يقول لأحيزون إنه مخطئ. كتبناها في حينها في كل المناسبات وقلنا لسعيد "إكبر ياهذا ولا تتشف في وطنك عبر أثير قناة أجنبية ستظل أجنبية مهما كان". عاد الرجل إلى بلاده ثم غادر منتخب ألعاب القوى مجددا وارتضى لنفسه مسار معلق رياضي في "الجزيرة الرياضية" يحادث عثمان ويحاوره عن جميلات الوثب العلوي وعن القافزات بالزانة، وعن بقية المستملحات ولا بأس في الأمر نهائيا، وانتهت الحكاية أو كادت. كادت لأن فصلا جديدا بدأه عويطة مع جمهور الرجاء. نحن نتحدث عن شعب الخضراء هنا وهو شعب يمتد من المكان إلى المكان، وللراغب في التأكد من الأمر ماعليه سوى استعادة مشهد المغرب كله وهو يخرج احتفالا بإنجاز الموندياليتو حين وصلت الرجاء إلى نهائي كأس العالم للأندية، وحين حظيت باستقبال ملكي في قلب قصر الدارالبيضاء وحين صنعت فرحة رياضية تشبه تلك التي صنعها عويطة يوم أبكى والدينا فرحا بميداليته، ومنحنا ونحن صغار إحساس فخر بالوطن لم نفهمه إلا بعد أن كبرنا. قال عويطة زلة حقيقية وهو يؤكد بأنه "ماكيعرفش الرجاء"، وهي جملة لم يغفرها له جمهور الخضراء الذي رد عليه بكل الوسائل الممكنة، بل أحيانا بوسائل لاتليق مست إبنته وأسرته الصغيرة، وهي أساليب مرفوضة تماما ولابد من إدانتها. التقيت عديدين من الرجاويين قالوا لي بالحرف "شكون هاد عويطة اللي كيضسر على الخضرا؟". ارتعبت من فداحة السؤال لأن عويطة يظل عويطة مهما أخطأ، ولأننا ملزمون بأن نحكي لأجيالنا الجديدة عن أساطيرنا، ومجبرون على دفعها دفعا نحو معرفتها والافتخار بها وبمساراتها مهما أخطأت هاته الأساطير أو ضلت الطريق. بعبارة أخرى عويطة لوس أنجليس 84والأرقام القياسية العالمية والألقاب الكثيرة هو ملك لكل المغاربة لابد أن يعرفه الجميع، ولايجب أن يطرح بخصوصه أحد هذا السؤال "شكون هو هاد عويطة؟". عويطة الآخر: السياسي أو الراغب في اقتحام السياسي أو المعارض لتسيير ألعاب القوى أو بقية الترهات التي نختلف حولها هو عويطة ثان لا يهمني لا من قريب ولا من بعيد من جهة ثانية الرجاء يعرفها الشعب كله، والاختلاف العابر حول ملابس رياضية أو حول صفقة مادية لا يعني أن نمس فريقا بحجم الخضراء، ولا يعني التطاول عليه ودفع محبيه للتطاول المضاد كرد فعل يبدو مفهوما في نهاية المطاف. نقولها باستمرار ونعيدها٬ رياضيونا لا يجدون أي مرافقة نفسية أو بسيكولوجية لهم سواء وهم يمارسون أو حين يتوقفون عن هاته الممارسة لذلك نكتشف صورا لهم لا تليق بماضيهم الكبير ولذلك يحدث أن ينزلوا من علياء إنجازاتهم التي تبهرنا إلى حضيض تصرفات يومية يشبهون فيها بقية الآدميين علينا حمايتهم منها. بين عويطة وبين الرجاء لا أستطيع – رياضيا – تفضيل طرف على الآخر: أحدهما منحني وأنا صغير فرحة كبرى، والثاني منحنا ويمنحنا ونحن كبار فرجة وفرحة نفخر بها، لذلك لايحق للكبيرين معا أن يصغرا. القدر الوحيد للأساطير هو أن تكون أكبر من هاته الصغائر شرط أن تكون كبيرة بالفعل، وهذا موضوع آخر يحتاج كلاما أكثر تفصيلا بطبيعة الحال… ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق ماهو أهم من قطع الطريق السيار أو إقفاله في وجه العابرين منه لتصوير فيلم طوم كروز الجديد أن نفهم أن المغرب أصبح الوجهة الأكثر تفضيلا للإنتاجات السينمائية العالمية التي تراهن على البلد العربي المسلم الأكثر استقرارا من أجل منحه هذا الشرف السينمائي الرفيع.علينا أن نستوعب هذا الأمر وأن نفهمه وأن نهتم بالجوهري لا بالقشور…