طرابلس تحترق، يا أئمة المساجد اخرجوا للساحات وقودوا الجماهير إلى الجنة.. كانت هذه الدعوة الأخيرة للعقيد الليبي معمر القذافي قبل أن يتهاوى نظامه، أو قبل أن تدق ساعة الهروب، مثلما علّق البعض ساخرا، في إشارة لخطاب معمر الأول حين قال: «دقت ساعة الانتصار إلى الأمام..إلى الأمام!». لم تمض غير ساعات بعد الخطاب الأخير، حتى أصبح مصير القائد الثائر مجهولا بعد أن تم القبض على عدد من أفراد أسرته وأبنائه، لذلك فالثوار يبحثون عنه للانتقام زنقة زنقة، شبر شبر، دار دار.. ولم يحددوا مكانه وإن كان قد خاطب شعبه ثلاث مرات كاملة في أقل من 24 ساعة عبر الهاتف من مكان مجهول أعلن فيها رفضه الإستسلام وعبر فيها عن عناده وتمسّكه بموقفه الرافض التخلي عن الحكم، رغم سقوط قسم كبير من العاصمة طرابلس على يد الثوار. وفيما البحث جار عن القدافي، دخلت المعارضة الليبية العاصمة طرابلس دون عناء كبير، وقد هيأت اللجان النائمة، التي كانت تنشط في المواقع الإلكترونية الاجتماعية، وخلايا الاستخبارات الغربية الأرضية لجر سكان طرابلس إلى الابتعاد عن العقيد الليبي. وبقي مكان تواجده هو وابنته عائشة وزوجته صفية مجهولا. وكذلك الشأن بالنسبة لرئيس استخباراته عبد الله السنوسي. المجلس دعا أنصاره بعدم التنكيل بالمحسوبين على القذافي، خاصة نجلي القذافي محمد وسيف الإسلام اللذين قيل إنه ألقي عليهما القبض عليهما ليلة الإثنين قبل أن يتمكن الأول من الفرار وتضارب الأنباء حول مصير الثاني. لكن المعارضة أعطت محمدا، الابن البكر من امرأة القذافي الأولى، الأمان لأنه لم يقطع قنوات الاتصال خلال فترة التمرد، كونه يدير الاتصالات في ليبيا. وشهد حي باب العزيزية، مقر إقامة القذافي، اشتباكات ضارية حتى مساء أول أمس، بين أنصار القذافي والمتمردين. ونفت مالطا استقباله، بل هددت بتسليمه إلى المحكمة الدولية إذا وطأت قدمه أرض فاليتا. وفندت كل من الجزائر وجنوب إفريقيا خبر لجوء القذافي إليها. وراجت أخبار مناقضة لرواية المجلس الانتقالي حول مصير القذافي، إذ ذكر واحد من المتحدثين باسم المعارضة المسلحة أنه لا يزال في طرابلس. وتأكد فرار الوزير الأول البغدادي رفقة مدير التلفزيون الليبي إلى تونس. وأعلنت المعارضة في وقت لاحق عن قطع البث للتلفزيون الرسمي بعد السيطرة عليه من طرف المتمردين. لكن عبد الجليل يقول إنه يريد القذافي حيا وأنه سيحاكم في ليبيا ولن يسلمه إلى المحكمة الدولية.. بينما أعلن المدعي العام للمحكمة الدولية عن طلب نقل سيف الإسلام إلى لاهاي لمحاكمته، وأن المحادثات جارية مع المجلس الانتقالي في الموضوع. أما فرنسا، التي كانت الأكثر تشنجا على القذافي، منذ بداية الأحداث، فدعت إلى اجتماع مجموعة الاتصال بباريس غدا لوضع أسس النظام الجديد الذي سيبقى مدينا للحلفاء الذين ساعدوه على إسقاط النظام السابق. واستقبل الرئيس ساركوزي أول أمس محمود جبريل، رئيس المجلس التنفيذي للمعارضة الليبية بقصر الإليزي. وطمأن عبد الجليل الليبيين حين نفى فرضية فتح قاعدة للناتو بليبيا، مبعدا الشكوك التي تراود منتقديه في فتح أبواب ليبيا على مصراعيها أمام دول التحالف، بعد إسقاط النظام القائم وتأسيس نظام جديد بسيادة مبتورة. الأهم أن معمر القذافي لن يحتفل هذه السنة بثورة الفاتح، ولن يخاطب شعبه في الساحة الخضراء، أو يقرأ لهم جزءا من نظرياته العالمية في الحكم، لن يرفع صوته مجددا ليقول طز في الآخرين، أو يلعن أبو المعارضة، ويصفهم بالجرذان والكلاب الضالة.. لكن شعبه سيحتفل بلحظة الثورة والنصر الحقيقية حين سيتم القبض عليه وحين تبدأ مرحلة جديدة لبناء دولة الحرية والعدل والمساوة والديموقراطية يتساوى فيها كل المواطنين وقادرة على استيعاب كل الفئات من شرق ليبيا الى غربها ومن شمالها الى جنوبها الى وسطها، ويعيش الليبي في مجتمع الكرامة. ولا تزال طرابلس تعيش مستقبلا غامضا، بعد أن اجتاحتها قوات المعارضة قبل يومين بالتزامن مع انتفاضة في المدينة. المعارك دارت بالأسلحة النارية واشتباكات بالأسلحة الثقيلة بما في ذلك المدافع المضادة للطائرات في الوقت الذي حاول فيه المقاتلون القضاء على القناصة وفلول المقاومة من نظام القذافي. في ساحة المعركة سقط المئات فيما يبدو بين قتيل أو جريح منذ يوم السبت. لكن دبابات القذافي والقناصة لا يسيطرون فيما يبدو الا على مناطق صغيرة تتركز أساسا حول مجمع باب العزيزية المحصن في وسط طرابلس. وبقى المدنيون الذين احتشدوا في الشوارع يوم الاحد للاحتفال بنهاية نظام القذافي داخل منازلهم مع استمرار اطلاق نيران الاسلحة الالية والانفجارات. وفي مؤشر على أن انصار القذافي ما زالوا مصرين على القتال قال حلف شمال الاطلسي إن قوات حكومية أطلقت ثلاثة صواريخ سكود من سرت في اتجاه مدينة مصراتة التي تسيطر عليها المعارضة. وكان مجمع باب العزيزية الذي يعتقد البعض أن القذافي ربما يكون مختبئا به محور القتال في طرابلس. وقال عبد الحفيظ غوقة المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي في مقابلة عرضتها قناة الجزيرة انه لا يعتقد أن باب العزيزية سيسقط بسهولة وانه يتوقع نشوب معركة ضارية هناك. ونقلت الجزيرة عن مراسلها قوله إن هناك أنباء عن نشوب اشتباكات عنيفة قرب بلدة البريقة النفطية. وقالت المعارضة في باديء الامر انها أمسكت بثلاثة من أبناء القذافي منهم سيف الاسلام. وقالت قناة الجزيرة ان محمد وهو أحد أبناء القذافي فر مضيفة أن من المحتمل أن يكون قد تم العثور على جثة خميس القذافي القائد العسكري الى جانب جثة رئيس المخابرات عبد الله السنوسي. لكن في خطوة ربما تهديء التوترات قال مسؤول في المعارضة في مدينة بنغازي بشرق البلاد ان هناك جهودا تبذل للاتصال بالسلطات التي لاتزال موالية للقذافي.