تأتي البلاغات الأمنية أو تلك الصادرة عن وزارة الداخلية المتعلقة بتفكيك خلايا الارهاب أشبه بأفلام رعب حيث يبدأ الفيلم بخطط وتفجيرات ومطاردات ثم ينتهي بنفس الوثيرة لا يترك للمتفرج الوقت ليسترجع أنفاسه بسبب زحمة الوقائع واكتظاظ مشاهد الفيلم بالعنف والتشويق. وحتى عندما ينتصر الخير على الشر في مثل هذه الأفلام تكون الخاتمة مفتوحة على كل الاحتمالات وإمكانيات العودة إلى نقطة الصفر. هذا هو حال الأجهزة الأمنية هذه الأيام، والسبب هو توفر عوامل تفريخ مثل هذه الظواهر، وقريبا لن تبدو السرقة والاعتداء على الممتلكات وغيرها من الجنح والجرائم شيئا أمام هول الخطط «الداعشية». هو فيلم رعب حقيقي. أما أسبابه وعوامله فقد تراكمت على امتداد سنوات كما تتراكم الطبقات الجيولوجية كلما نبش الباحثون (جيولوجيون وأركيولوجيون) جزءا منها إلا وفاحت بأسرارها. لم يكن الفقر والجهل والأمية في أزمنة سابقة من التاريخ المغربي والعربي والعالمي سببا في الارهاب وقطع الرؤوس. لقد أولت الدراسات السوسيولوجية في المغرب اهتماما لهذه الظاهرة بعد تفجيرات 2003، وبسبب التحفظ والحذر العلمي فضل بعض الباحثين عدم الخوض في هذا الموضوع والاكتفاء بالملاحظة والتتبع مفضلين اتخاذ مسافة زمانية بين هذه الأحداث والشروع في تحليلها ودراستها، غير أن توالي الاعتداءات وارتفاع حجم الاستقطاب لم يترك لهم هذه الفرصة بسبب سرعة تطور الظاهرة (بالمعنى السوسيولوجي للظاهرة) وحضورها الاعلامي المستمر، لذلك ظهرت دراسات ركزت فقط على تمظهرها وعلى الفاعلين فيها (الانتحاريون والارهابيون) كفئات معينة تعيش داخل بيئة معينة وليس كأفراد. سبب إيراد هذه الملاحظة هو تغييب العامل النفسي والقرار الفردي الذي يتخذه كل مجند ضمن هذه الخلايا الارهابية، بل هو في حد ذاته السبب الرئيسي للقيام بأي عمل إرهابي، فمجمل الدراسات لم تركز على الأفراد وعلى مدى استعدادهم النفسي للقيام بتلك الأفعال ليس فقط ساعة الاستقطاب بل منذ سن مبكرة ما يعني أن دور عالم النفس الاجتماعي لم يكن حاضرا في تحليل هذه الظاهرة. الدراسة الوحيدة التي تمكن صاحبها إلى حد ما من تناول هذا الجانب هي تلك التي أنجزها الدكتور مصطفى الرزرازي تحت عنوان «الديناميكيات النفسية للانتحاريين»، والتي خلص خلالها إلى أن «عملية إعداد الفرد والترويضه لقبول أهداف الجماعة الجهادية لا تكفي في الواقع لصناعة الانتحاري ما لم يتم توفير تعزيزات معنوية وروحية ونفسية لخفض قلق الموت ومن تهييء الفرد لقبول تنفيذ عملية انتحارية». فهم العوامل النفسية والاجتماعية لا يعني توقيف الظاهرة ولكن على الأقل البحث عن حلول لها في ثقافتنا وقيمنا وتعليمنا وتنشئتنا وهي حلول تتطلب تراكما لإعادة توجيه الخطاب الديني -المحرك الأساسي- نحو هدف يخدم هذه الحلول. وذلك لا يمكن أن يتحقق بكسل الباحثين والسوسيولوجيين والنفسيين ولا بتحفظ علماء الدين والفقهاء، ولا بألاعيب السياسيين، ولا أولائك الذين يلعبون على حبل الدين والسياسة في الآن نفسه، ولا بانسياق الاعلاميين وراء هذا البحر من المعلومات والمعطيات دون تنقيح، ما يحول الاعلامي نفسه إلى مجند «داعشي».