يوم 23 أكتوبر 1983، تسبب انتحاري، تابع لحزب الله الشيعي، في قتل 241 جنديا أمريكيا خلال هجوم انتحاري على مقر « المارينز « ببيروت. في الوقت نفسه تقريبا، تعرضت عمارة « دراكار «، التي كانت تأوي جنودا فرنسيين، لهجوم آخر: قُتل 58 مظليا. بعد مرور شهرين، سحب الرئيس رولاند ريغن جنوده من لبنان. كان للعملية تأثيرها على العالم ككل، ولا تزال القاعدة تستشهد بهذا الحدث. يوم 23 أكتوبر 1983، قامت فتاة لبنانية في السادسة عشرة من عمرها، سناء محيدلي، بتفجير نفسها أمام مقود شاحنة مفخخة بالقرب من فريق عسكري إسرائيلي، مخلفة قتيلين عسكريين إسرائيليين. أصبحت بذلك أول امرأة تقوم بعملية انتحارية في الشرق الأدنى. سنة 1985 و سنة 1986، قامت خمس نساء بعمليات مماثلة في لبنان. استُعملت العمليات الانتحارية في الشرق الأدنى منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي في لبنان وكذلك خلال النزاع الإيراني - العراقي. وقد أصبح هذا النوع من العمليات مرجعا للإرهاب العالمي وترتبت عنه ميولات أخرى. إذا لم تكن الأعمال المتطرفة ظواهر جديدة، فقد خلفت مشاركة النساء في أعمال القتل والتدمير خليطا من الإعجاب، من الاستنكار ومن الاهتمام العام. كيف نتناول رغبة هؤلاء النساء اللواتي تتطلعن إلى الموت وإلى القتل كذلك؟ لماذا تخترن حزاما ناسفا وتَمُتْنَ باسم الله، باسم تحرير فلسطين أو الشيشان؟ الإلهام الياباني يعني لفظ « كاميكاز»، في اللغة اليابانية « الريح الربانية «. واللفظ يعني، في الأصل، التيفون المدمر. أواخر القرن الثالث عشر، حاول جنود منغوليون اجتياح اليابان، الذي أذن ل « الساموراي « بإجلاء الغزاة. وخلال الحرب العالمية الثانية، ألهم هذا الحدث خلق وحدة جوية تتكلف بالمهام الانتحارية اعتمادا على تقاليد « الساموراي « في الوفاء والشرف إلى درجة الموت. كانت البواخر الأمريكية تقترب من الأرخبيل الياباني، وكان على الطيران أن يُعطل تقدمها حماية للوحدة الترابية. لم تكن فكرة الاستسلام واردة، فانطلقت الهجمات الانتحارية خلال شهر أكتوبر 1944 في سياق اليأس. كان الطيارون الشباب ، « التوكوتاي «، المتطوعون مبدئيا، قد حصلوا تكوينا إجماليا. وكانوا يشدون قنابل يدوية إلى أحزمتهم لكي يُخلف ارتطام طائراتهم، بالبواخر الحربية الأمريكية، أكبر قدر من الخسائر. كما كانوا يشدون رؤوسهم بعُصابات بيضاء تقليدية تزينها شمس حمراء، مثلما كان « الساموراي « يفعلون قبل المعركة. قبل الهجوم، كانوا يجتمعون حول ضابطهم الأعلى لتلاوة « التانكا «، قصيدة وداع، إحالة على التضحية تم يشربون آخر « ساكي « ( خمر من الأرز ). عبّر بعض الانتحاريين اليابانيين، « الكاميكاز»، في الرسائل الأخيرة التي كتبوها إلى أسرهم، عن حزنهم لأن عليهم أن يموتوا لإنقاذ وطنهم. لم يكن بإمكانهم رفض التضحية خوفا من مواجهة العار، لهم ولأسرهم. لم تكن طائراتهم مزودة بالكثير من البنزين لكي يعودوا إلى قواعدهم وكانوا محميين في الغالب، خلال مهمتهم الوحيدة والأخيرة، إلى أن يتم بلوغ الهدف. لم تشارك اليابانيات في العمليات الانتحارية. في حين أن الكثيرات منهن انتحرن وهن تلقين بأنفسهن من أعلى، في الفراغ، رفقة أبنائهن، من أعلى جرف في جزرهن كلما اقترب الأمريكيون. إن الحزام الناسف و العصابة المزينة باستشهادات دينية، حول الرأس زينة استلهم منها الانتحاريون المسلمون، المرشحون للشهادة، لإبرازها في رسائل الفيديو المسجلة قبل عملياتهم. ويتعلق الأمر هنا بالتوازي الوحيد الذي يمكن إقامته بين « التوكوتاي «، عناصر جيش بلد في حالة حرب يستهدفون عسكريين، وبين الانتحاريين المعاصرين. الانتحاريون في الجهاد يمكن لمحفزات الفرد لبلوغ مرتبة الشهيد، أن تجد مصدرها في العديد من العوامل: اضطرابات نفسية، الضغط الاجتماعي، العار، الإيديولوجيا الدينية، المظهر المالي ( توزيع المال بين أفراد الأسرة )، شروط العيش القاهرة، النضال من أجل التحرر. كما أن النساء تتعاملن بحساسية كبيرة مع « نداء الجهاد. « . وقد ورد في حديث نبوي، ما معناه: إذا نسفتم أنفسكم وقتلتم أعداء الإسلام، فإنكم ستتناولون الطعام مع النبي، والحديث من الحجج المُستعمَلة لإقناع المرشحين لعمليات انتحارية ( في بغداد، إذا قلت لسائق سيارة أجرة « سأتناول الطعام مع النبي «، فإنه يتخلى فورا على سيارته خوفا من عملية انتحارية. وبذلك يتم الاستحواذ على السيارة). حسب هيغل، فالنضال من أجل الاعتراف يتطلب مواجهة بين السيد والعبد، وليس القتل. إذا مات العبد، لم يعد بإمكان السيد أن يزاول هيمنته وسيطرته عليه. إن الرجوع إلى قدسية الشهادة يعني أن النضال من أجل الاعتراف يمكنه أن يؤدي إلى الموت لاكتساب كرامة خيالية خارج عالم يتنكر لأية كرامة. ولاستقطاب انتحاريين من كل الأعمار، لا بد أن تعمل التنظيمات الإرهابية أو المتمردة على نشر معتقد الشهادة. في القرآن، يعني لفظ « استشهاد «، المشتق من الجذر « شهد»، تقديم شهادة وليس الموت. وكلما ورد « الموت في سبيل الله « في القرآن، تستخدم عبارة « ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون «( السورة الأعراف، الآية 154. و» قضية / سبيل الله «، هو التعبير الأساسي المستعمل إشارة إلى ما سيأتي من بعد والمعروف بلفظ الشهيد. فالمسلمون الأوائل، الذين عانوا أو فقدوا الحياة بعدما درّسوا وحدانية الله، شهداء بالتحديد. في المجتمعات الإسلامية، يعتبر الشهيد شخصا موقعه بين البطل والولي: إنه من يموت في سبيل الله، في خدمة الأمة، بمشاركته في الجهاد ( في حرب مقدسة )، من يؤكد إيمانه بالتضحية بالنفس. ولم يكف لفظ « جهاد « ( ممارسة قوة، كَدّ ) على التطور مع مرور القرون. و نجد في القرآن تعبير « جاهدوا بأنفسكم «، أو « الجهاد في سبيل الله « الذي يعني كذلك حبا في الله، من أجل قضية الله. أما الجهاد الهجومي فهو مُستلهَم من إرادة تدمير عدو الإسلام باللجوء إلى عنف يعتبره الدين شرعيا. والنضال يعني قتل الخصم، الكافر والغازي في نفس الوقت. يفسر الكثيرون من علماء الإسلام الجهاد على أنه نضال بالمعنى الروحاني قبل أي شيء آخر. إن الجهاد الأساسي يتجه نحو الذات. نحو البحث عن المعرفة. العزيمة في مواجهة اختبارات الحياة، ممارسة السلوك الحسن. أما القتال المسلح فليس سوى شكل صغير جدا في الجهاد، يتجه نحو الخارج. إن الشهيد هو من يضحي بدمه لتأكيد حقيقة إيمانه. وهو يعتبر نفسه كمقاتل لا يمكنه أن يُكبّد عدوه خسائر إلا إذا ضحى بنفسه. إن الأمر يتعلق بمثال للمقاومة يعني التوجه إلى الموت خدمة لقضية يعتبرها مقدسة. بناء على ذلك، توظف التنظيمات الإرهابية الإسلامية الدين لإضفاء الشرعية والغفران على الانتحار الذي يؤدي إلى قتل الغير متبجحا، من بين أمور أخرى، باكتساب مكان في الجنة، المغفرة لسبعين من أفراد عائلته، عدم مواجهة عذاب القبر، الحصول على 72 عذراء. هل يمكننا إذن أن نتصور المحفز الأول للشهيد: القضية التي يدافع عنها أم الجنة الموعودة؟ استبعاد النساء من القداسة ومن الشهادة لم يتطور معادل لفظ « شهيد « في الديانة اليهودية. والتعبير المستعمل في العبرية للإشارة إلى الشهادة هو « كيدوش هاشيم «، الذي يعني اسم الله، الذي يمكن لليهودي، في الحالات الحرجة، أن يحيى بحياته ويموت كشهيد دفاعا عنه .ويكون عليه عندها أن يتلو « الشيما «، كصلاة مركزية في اليهودية، كاعتراف حقيقي بالإيمان يستحضر وحدانية الرب، مثلما فعل ذلك الشهداء اليهود في القدم. في اللاتينية والإغريقية، نجد أن لفظ « الشهيد « ، الذي يعني التطهير، مشتق أيضا من جذع يعني « الشهادة «. إن المفهوم المسيحي للشهادة ، التعذيب، مرتبط بأصوله اليهودية، بتاريخ الشهداء اليهود المعذبين، في القرن الثاني قبل الميلاد، الذين دخلوا تاريخ المسيحية الإغريقية حتى القرن الرابع. أن يكون الإنسان شهيدا، في المسيحية، وليا، معناه كذلك احتلال مكانة ذات قيمة في المجال الديني وهذه « المهنة «، مهنة ولي، تخصص حصريا للرجال. فالرب نفسه شخصية مذكر، إنه أب وله ابن وليس بنت. أما النساء، فلا يمكنهن بلوغ مرتبة « الولي « إلا بعد معاناة قصوى تفرضنها على أنفسهن ( الجلد، المبالغة في الصوم ) أو تكابدنها، ك « العذارى الشهيدات « خلال القرون الأولى للمسيحية، اللواتي رفضن التخلي عن إيمانهن. كذلك في الإسلام، ورغم كون النساء المسلمات شاركن في عمليات انتحارية خلال السنوات الأخيرة، فهن غير حاضرات في بانثيون الشهداء الإيرانيين أو شهداء القاعدة. ليس لشهادة النساء دائما مكانها في الجهاد. هناك إقصاء متعمد يجعل منهن مواطنات من الرتبة الثانية، بنوع من الرضا الضمني من قبلهن إلى حد ما. بالفعل، إن أنصار القاعدة، الذين قضوا عدة سنوات في المجتمعات الغربية الحديثة، وتعلموا التيكنولوجيات الدقيقة ( تيكنولوجيا الإعلام/ الهندسة الحديثة، إلخ ) لم يقلدوا الغرب على مستوى العلاقات بين الرجال والنساء. على هذا المستوى، اختاروا عَمْدا أن يظلوا خارج النموذج الغربي، معتبرين « العائلة واحدا من الفضاءات حيث يمكن بناء هوية إسلامية، مختلفة تماما عن الهوية الغربية « ( فرحات خوسروخافار، شهداء الله الجدد، فلاماريون، 2002 ). إنهم يعتقدون أن الأجناس متكاملة، لكنها غير متساوية. فدور المرأة هو الاعتناء بالأسرة، ومهمة الرجل هي أن يوفر لها الحياة اللائقة وضمان أن لا ينقصها أي شيء. إن مكان المرأة هو البيت، ومكان الرجل في الفضاء العمومي. كان مطلوبا من النساء أن تكن عفيفات وتتسمن بالحياء. أما الرجال، فينبغي أن يتميزوا بالرجولة وأن يحموا شرف العائلة. هذه الإيديولوجيا، القديمة قدم العالم، لا تحمل أي شيء إسلامي خاص. أما في الواقع، فالعلاقات بين الرجال والنساء في المجتمعات الإسلامية الحديثة، يحكمها دياليكتيك أصبحت فيه للنساء، اللواتي هن أمهات، أخوات، بنات أو زوجات، مستقلات بشكل متزايد وتتحدين وضعية الرجال باعتبارهم الفاعلين الاجتماعيين لوحدهم في المجال العمومي. إن الرجال يحاولون مقاومة هذا التطور المحتم بتعميق الهوة الفاصلة بين الرجال والنساء. والغياب الواضح للتغيير الذي نلاحظه ليس نتيجة عناد سلوك تقليدي، بل هو بالأحرى مبادرة تقهقر ترتبط بارتكاس هوياتي، رفض للاعتراف بالتحول الجاري حاليا، يحمل معه شكلا جديدا من أشكال الصرامة. إن رفض الرجال مخاطرة النساء بحياتهن يسهم في مبادرة مقاومة التطور هذه. وليس الهدف منها حمايتهن، بل حرمانهن من الحق في الفردانية عبر تعميد النار. بالفعل، إن تقديس الفرد البطولي يساعده على الانبثاق، على الظهور فعلا في المجال العمومي باعتباره فردا. انطلاقا، إذن، من اللحظة حيث تضحي نساءبحياتهن لأجل ما تعتبرنه قضية نبيلة، سيكون على الرجال إذن أن يعترفوا برفعتهن الاجتماعية. في إيران، كان من بين الشعارات التي رفعها حزب لله: « إن دم الشهداء يضمن حياء النساء « ( فرحات خوسروخافار، النزعة الإسلامية والموت - الشهيد الثوري في إيران.، لارماتون، باريس، 1995. من بين ما يحلله المؤلف في هذا الكتاب، دور الأطفال خلال حرب العراق - إيران كان الأطفال يُستخدمون لتفجير الألغام لتسهيل عبور الجيش ). إن رفض منح النساء الحق في ولوج الفضاء العمومي والإبقاء عليهن تحت سيطرة الرجال، يجد تبريره في الدم الذي يقدمه الرجال كشهداء. بذلك يكتسب الرجال وضعية تفوق لا يمكن للنساء بلوغها بما أنهن لا تلجن الموت المقدس. طالما أنهن لسن في مستوى تعريض حياتهن للخطر، فهن تحت حماية الرجال الذين ينكرون عليهن، بذلك، الحق في تقرير مصيرهن في المجال الدنيوي. بذلك، يتم تأبيد اللاتماثل الاجتماعي، بل تهييجه. إن النساء ممنوعات من ولوج مرتبة الشهادة بالدم، بسبب طابو ثابت أكثر مما هو بسب دوافع سياسية. فسواء في إيران أو في الجزائر، في مصر أو في أفغانستان، فإن ذلك يعني أنه لا يمكنهن امتلاك حياتهن وموتهن بنفس طريقة الرجال. مع ذلك، فالبراءة، المفترضة في النساء، ستجعل منهن رهانا أساسيا لتجاوز التدابير الأمنية، سواء في سيريلانكا، في الشيشان أو في غيرها. . التحرر وإثبات الذات بالموت: هل هو مفهوم كوني؟ تقول كلارا بايلور: « حين تتحول النساء إلى قنابل بشرية، فإن نيتهن هي تقديم تصريح، ليس باسم بلد فقط، باسم ديانة، باسم قائد، بل باسم نوعهن كذلك «. إن مشاركة النساء في عمليات إرهابية ليست ظاهرة جديدة. لقد شاركن في هجمات إرهابية منذ القرن التاسع عشر على الأقل، ولعبن دورا في الإرهاب الحديث الذي أخذ في الانتشار منذ الستينيات. هناك أمثلة كلاسيكية كثيرة للنساء اللواتي شاركن في الحملة التي قادتها جبهة التحرير الوطني في معركة الجزائر العاصمة خلال الخمسينيات ومطلع الستينيات؛ حملات الرعب التي قادتها عصابة « بادر - مينهوف « ( 1986 - 1977 ) في ألمانيا مع أولريك مينهوف؛ العمليات الفلسطينية لتحويل اتجاهات الطائرات أواخر الستينيات وحتى منتصف السبعينيات والألوية الحمراء الإيطالية خلال السبعينيات والثمانينيات. كما أنه تم توظيف النساء كأدوات للرعب في أوغندا، في إفريقيا الجنوبية، في سيراليون، في كولومبيا، في الفيليبين، في إيرلندا الشمالية... إن مشاركتهن في عمليات انتحارية ليست ظاهرة جديدة، ولو أن عددها محدود جدا. خلال السنوات التي تلت العملية الانتحارية التي نفذتها سناء محيدلي، قلدت تنظيمات كثيرة النموذج اللبناني باستخدام نساء انتحاريات إلى جانب زملائهن الرجال. وقد تكاثرت العمليات لانتحارية التي تشارك فيها نساء في مختلف جهات العالم ( سيريلانكا، إسرائيل، الشيشان، تركيا، الهند، باكستان، أوزباكستان، العراق ). ما بين 1985 و 2006، ضحت أكثر من 200 امرأة انتحارية بأنفسهن، ويمثل هذا الرقم قرابة 15 % من مجموع الانتحاريين الذين تم إحصاؤهم، بما فيهم أولئك الذين تم إيقافهم قبل تنفيذ العملية. كما تم استقطاب نساء تنحدرن من أصول غربية لارتكاب اعتداءات انتحارية في الشرق الأدنى كالبلجيكية موورييل ديكوك، التي اعتنقت الإسلام، والتي نفذت، سنة 2005، عملية خلفت خمسة قتلى من رجال الشرطة شمال بغداد. خلال شهري يناير و ماي 2008، تورطت أزيد من 17 امرأة في عمليات انتحارية، في الأسواق بوجه الخصوص، مخلفة أزيد من 130 قتيلا، و 300 جريح . ما يعني إن انخراط النساء في العمليات الانتحارية سجل ارتفاعا ملحوظا إذا ما نظرنا « فقط « إلى 8 عمليات ارتكبتها نساء انتحاريات سنة 2007، و 4 هجمات ارتكبت سنة 2005 و 2006. إن اختيار الموت وقتل الآخر اعتبار عبر المراحل، الحدود، الإثنيات، النزعات الدينية، الأنواع. النساء كقربان إذا اتضح أن وظيفة الانتحاريات أداة تحرير تتحدى وضعية اللامساواة وتبعية النساء في المجتمعات الإسلامية، فهل يعتبر الأمر كذلك في المجتمع السريرلانكي، حيث زرعت نساء، منخرطات في « الفهود السود «، الرعب باسم القضية الانفصالية. في سيريلانكا، تحولت التضحية بالذات إلى معيار أكثر مما هو فعل استثنائي في النضال من أجل منطقة تامل. فالدعم الجماعي والشروط الاجتماعية لمجتمع التامول، المكون من أغلبية هندوسية، ساهما في تعميم هذا الفعل، الذي أصبح أعلى مرتبة من ديانة، قضية أو مذهب متزهد. إن التضحية بالذات تشكل وسيلة للنضال ضد المضطهِد. كانت أول عملية ناجحة لامرأة من الفهود السود، هي قتل الوزير الأول الهندي راجب غاندي، يوم 21 ماي 1991, في الهند. واعتُبرت الانتحارية بعد ذلك ضحية اغتصاب من طرف جنود هنديين. في أوساط الفهود السود، لم تكن النساء تستجبن فقط لمقتضيات سياسية أو تنظيمية. وينبغي أخذ السياق الاجتماعي والثقافي بعين الاعتبار لفهم هذا الانخراط. بالفعل، وبالنسبة للمجتمع، لم يكن هناك أي فرق ملحوظ بين الرجال والنساء في التنظيم. ولم تشكل النساء الانتحاريات تهديدا أكثر من الذي يشكله الرجال الانتحاريون. كن منخرطات سلفا في وحدات القتال النشيطة مثلما كان الرجال. وبالتالي، لم يكن على نساء الفهود السود أن تبرهن على أنهن متساويات مع الرجال. كانت تضحيتهن بدواتهن تعتبر، تقريبا، بمثابة امتداد لفكرة الأمومة في ثقافة التامول. كان التصرف على أساس أنها قنبلة بشرية يرمز إلى قربان، تفهمه وتتقبله امرأة تعرف أنها لن تكون أبدا أما. كما أصبحت اعتبارات أخرى مرجحة بالنسبة للانتحاريات الشيشانيات. الأرامل السود لعب الانتحاريون دورا أساسيا في الحملة الإرهابية المنظمة ضد الاحتلال الروسي، وذلك رغم معارضة أغلبية المجتمع الشيشاني للعمليات الانتحارية . فمنذ بداية الصراع، كان يتم تبرير استخدام النساء الانتحاريات، من قبل المتمردين الانفصاليين الشيشان، بالتأثير الانفعالي الذي يخلفه بالنسبة للأعداء وبتحفز ورغبة المرشحين. لقد نفذت النساء العمليات الأكثر خطورة. يوم 26 أكتوبر2002، شاركت 19 امرأة انتحارية، ترتدين الحداد الأسود وتربطن قنابل إلى أجسادهن، في فرض المراقبة على مسرح دوبروكفا. الحصيلة: قتل 19 رهينة خلال الهجوم العسكري. بتفجيرهن لأنفسهن، كانت هؤلاء النساء تسعين إلى الانتقام من المحتل الروسي أكثر من سعيهن إلى إثبات المساواة بين الرجال والنساء. لقبتهن وسائل الإعلام « الأرامل السود « حين اتضح أن العديد من بينهن فعلن ذلك انتقاما لأفراد من أسرهن ( زوج، أبن، أخ ). وكانت غالبيتهن متطوعات، قليلات من بينهن فقط هن اللواتي أجبرهن على ذلك قريب من الأسرة. وغالبا ما أوضحن عملهن من خلال تمجيد الإيديولوجيا الجهادية الوهابية، المتبعة في الشيشان لتبرير الإرهاب، وبرغبتهن في إقامة العدالة الاجتماعية، مقاومة الغزاة والانتقام للأقارب الذين قتلهم الروسيون. ويكمن محفزهن الرئيسي في ما عانينه نفسيا وشخصيا. لقد دمرت حروب الشيشان آمال المواطنين. حيث وُلد خلالها التمرد الإسلامي المناهض لروسيا، ثم انتشر في القوقاز ككل، ومن هنا تمجيد الإيديولوجيا الوهابية الجهادية للشهادة وحثها على الجهاد بهدف خلق خلافة إسلامية عالمية. لم يكن هذا النزوع نحو الإسلام موجودا قبل حرب الشيشان الأولى. وقد تم استيراده إليها من البلدان العربية، من خلال شبكات إرهابية، كالقاعدة، كانت نشيطة جدا في بناء المساجد والمدارس. و ساعد خوض الحرب باسم الإسلام في الارتباط بشكات جهادية دولية، تحصيل تمويلها وتجميع كل الحركات الإثنية المتواجدة بالمنطقة. من جهتها، غالبا ما صرحت الحكومة الروسية، التي كانت تتخوف من تفكك الفيديرالية، بأن الحركة الإرهابية الشيشانية لم تكن موجودة إلا بفعل تمويلات وقوى خارجية. إلا أن هذه الرواية، لم تكن تأخذ بعين الاعتبار واقع المس بحقوق الإنسان الذي شهدته الشيشان والذي واصلت عمليات المتمردين الجهاديين تغذيته. الشهيدات الفلسطينيات إن الفلسطينيات هن اللواتي حددن، على مستوى واسع، صورة العمل الانتحاري في صفوف النساء عبر العالم. وقد أثارت الظاهرة، التي كانت تحظى بالتمجيد في الشرق الأدنى، كما كانت تُواجَه بالإدانة، العديد من المحللين. « إنها شهيدة حتى القدس «، أعلن ياسر عرفات، يوم 27 يناير 2002، حين فجرت وفاء إدريس نفسها، في أحد الشوارع الرئيسية بالقدس، مسببة قتل جندي إسرائيلي وجرح أربعة أشخاص، لتصبح بذلك أول امرأة فلسطينية انتحارية. وأكدت شهادات أصدقائها وأسرتها أن دافعها إلى الانتحار كان شخصيا أكثر مما كان وطنيا أو دينيا. كانت وفاء إدريس ممرضة في السابعة والعشرين من عمرها، تخلى عنها زوجها وكان ابن عمها في الوقت نفسه، بعد سبع سنوات لم تُنجب خلالها. وقد جعلها وضعها كامرأة مطلقة وعاقر في مجتمع أبيسي تقليدي، أي كعبء اقتصادي على والديها، في وضعية لا مخرج لها. و كان سبيلها الوحيد للتخلص من وضعية الدونية، التي حكم عليها بها محيطها، هو أن تصبح شهيدة في سبيل وطنها. فهل انتحرت لأن حياتها كانت بئيسة؟ بدافع اليأس، أم أنها ضحت فعلا من أجل بلدها؟ لم تترك أي شريط مصور يوضح ذلك. لكن، مهما كان الدافع العميق، فقد بلغت هدفها بمعنى أن عملها جعلها تحظى بالاعتراف كامرأة، وكبطلة. لقد احتفظ الشعب بالفعل في حد ذاته. وكان التقدير بالإجماع. تُوجت كبطلة في العالم العربي ككل، وتم تقديمها كرمز للنسائية الإسلامية الجديدة، كتعبير « نبيل وبطولي « عن قوة إرادة النساء المسلمات عموما، والنساء الفلسطينيات بوجه خاص، للانخراط في محاربة أعداء الإسلام، وإسرائيل بالدرجة الأولى. ما بين عملية وفاء إدريس خلال شهر يناير 2002 وشهر ماي 2006، حاولت 67 امرأة فلسطينية تنفيذ هجمات انتحارية. فهل قررت هؤلاء النساء الشهيدات جميعهن أن تكن سيدات مصيرهن؟ هل كن فعلا نساء مستقلات وعازمات، لهن آراء جازمة وتتمتعن بقدرات استثنائية؟ إن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك. لقد كانت النساء، أمثال وفاء إدريس، هدفا سهلا بالنسبة لمن يمارسون الاستقطاب. كان هؤلاء يفضلون اقتناص النساء الموضوعات على هامش المجتمع، المضطهدات، العازبات، غير المُنجبات، المطلقات، المغتَصبات أو اللواتي كن يربطن علاقة... حوافز وروايات متناقضة رغم كل ما حققنه اجتماعيا وسياسيا، فإن النساء لا تزلن مع ذلك تُعتبرن، في المجتمعات المسلمة، كأمهات ( الجنة تحت أقدامهن )، الجنس الضعيف، الذي لا تتلاءم طبيعته الأمومية الغريزية مع العمليات الانتحارية، كفعل عُرف عنه أنه لا نسائي. بناء على ذلك، فإن دورهن في حلبة الهجوم - الانتحار يوصف بالصادم، إن لم يكن غير مستساغ. خلافا للحماس الذي يدافعون به عن حق وواجب الرجال في الانخراط في عمليات ضد إسرائيل، ورغم كل الثناء الذي أحاطوا به وفاء إدريس، فإن معظم الرجال الفلسطينيين اعتقدوا أنه لم تكن هناك حاجة لاستخدام النساء كانتحاريات، وعبروا عن معارضتهم لهذا النوع من العمليات. لم تكن تلك المعارضة راجعة لمبدأ الرفض الأخلاقي لحق ديني أو وطني للنساء في إنجاح عملياتهن. إن تصريحاتهم تعكس، بوجه خاص، الخوف من تدهور محتمل لشرف النساء الفلسطينيات، سيكون ذلك بالطبع مسا بشرفهم كرجال. ولا أحد منهم يثير تناقضا صارخا: رجال هم الذين يستقطبون النساء الانتحاريات ! أما المظاهرات المؤثرة التي نُظمت في الضفة الغربية وشريط غزة لذكرى هؤلاء النساء، وأناشيد الثناء التي تبثها وسائل الإعلام العربية في حقهن، فقد خلفت الانطباع بأن النساء الانتحاريات كن مستقلات، واعيات كل الوعي بما كن مُقدمات عليه: نساء كن تطمحن إلى المشاركة الفاعلة والمتكافئة في النضال المسلح وكان المجتمع الفلسطيني يدعمهن. ويبقى السؤال المطروح هو معرفة إذا ما كانت هذه الصورة الأحادية البعد، في وسائل الإعلام، قد ترسخت في الواقع. هل هناك مسافة بين الأسطورة التي تحيط بالنساء الانتحاريات الفلسطينيات والواقع الشخصي والاجتماعي الذي تتحركن فيه، يمكن أن تكون قد دفعت بالكثيرات من بينهن بالتعبير عن تطوعن للقيام بمهامهن؟ إن الروايات المتناقضة التي تقدمها المرشحات للعمليات الانتحارية، لوسائل الإعلام، تبين تضارب الدوافع وكثرتها : أسباب شخصية، سياسية أو دينية، التعويض المالي للأسر، إلخ... ? والظروف التي جعلتهن تتطوعن لتلك العمليات. ورغم الكثير من شعارات الاعتزاز التي كانت تُرفع بعد كل حدث، من قبل الأنصار الخارجيين، فإن تلك المواقف لم تكن واضحة في بداية الأمر. فخلال التحقيقات التي أُجريت معهن بعد اعتقالهن، اعترفت بعض المرشحات أنه تم استغلال وضعيتهن لجعلهن تُقدمن على ترشيح أنفسهن للقيام بالمهمة، من غير أن تكن قد فكرن في العمل الذي كن مقدمات عليه. بعد اعتقالهن لمدة طويلة، وتوجيهن العقائدي من قبل رفيقات لهن في الزنازين، ظهرت العديد من المرشحات للعمليات الانتحارية، منتقلات من تقديم توضيحات شخصية لعملهن الانتحاري إلى تبني التفسيرات الوطنية والدينية ( التضحية بالنفس في سبيل الله وفلسطين )، و / أو التفكير في الغير ( ستخصص التعويضات لليتامى الفلسطينيين )، إضافة إلى الجانب البطولي طبعا. داخل السجن، تقمن ببناء، قبول وتكييف رواياتهن، وصياغة قصصهن لتفسير انخراطهن. لقد تحولن إلى حاملات للواء الإسلام و» النضال الوطني الفلسطيني ضد العدو الصهيوني «، العدو الشيطاني، الذي تبرر أعماله أي نوع من العمليات، بما فيها الاغتيال الأعمى لأبرياء. لقد ظهرت النساء الانتحاريات بشكل حصري، تقريبا، في المجتمعات المحافظة إلى درجة كبيرة.، حيث لا تتمتع النساء بنفس الحقوق والوضعيات التي يتمتع بها الذكور داخل المجتمع. في بعض التنظيمات الكردية والسيريلانكية، يعِد القادة بأن النساء المشاركات في هذا النوع من العمليات ستفتحن الطريق في وجه نساء أخريات للتمتع بوضعية مساوية للرجل، وستحققن بذلك تحررهن. ورغم انخراطهن السابق في الجماعات المسلحة، فإنهن لم تحصلن أبدا على مناصب قيادية. لذلك، فإن وعدهن بترقية النوع بالنسبة لأخواتهن النساء، إذا ما تطوعن في عمليات انتحارية، مجرد وهم كما يتضح في النهاية. لقد مررن جميعهن من وضعيات مأساوية شخصية خطيرة جعلت شروط عيشهن لا تطاق في حضن ثقافتهن ومجتمعهن. ما يعني فشل جميع مشاريعهن الشخصية، وجعل حياتهن بلا معنى. بذلك يصبح الانتحار بمثابة اختيار مفكر فيه، يؤكد رفض الترجي. إنه نضال من أجل الكرامة. إذا كانت النساء أنفسهن تحددن أهداف نسائية لأعمالهن، فإن الأمر يتعلق بتبرير مسبق، بعيدا عن الدافع الرئيسي الذي جعلهن تنطلقن في مهمتهن. وأحيانا، تكون ترقية نوعهن سببا مستوردا الغرض منه كسب الرضا على عملية انتحارية أقدمت عليها امرأة. إن التطلع إلى الشهادة، بالنسبة للانتحاريات الفلسطينيات وكذلك الانتحاريات الأخريات عبر العالم ، يمكنه أن يعكس حاجة أصيلة للمشاركة في معارك ضد عدو شعبهن، إلا أن ذلك لا يغير في أي شيء وضعيتهن الاجتماعية غير المتكافئة والدونية، وكذلك تحفظ مجتمعاتهن التقليدية في إشراكهن في هذا النوع من العمليات. إنهن غير مسؤولات عن التخطيط للعمليات ويتم إرسالهن في مهام بالقليل من المعلومات حول الأهداف المحددة للعملية، برمجتمها الزمنية والطريقة التي ستعتمد في تنفيذها. إن النساء لا تثرن شكوكا كثيرة، ما يؤهلهن لعبور نقط المراقبة وغيرها من الحواجز الأمنية. علاوة على ذلك، لا يتطلب منهن تنفيذ العملية الحصول على كفاءات، كما أن الإقدام على عملية انتحارية لا يتطلب استثمارات كبيرة في التكوين، على مستوى الزمن والمال ( أقل من 150 دولار ). احتلال المقدمة إن مجرد تمكن امرأة من استقطاب انتباه وسائل الإعلام، رهان في حد ذاته. فالتنظيم وقضيته سيستفيدان أوتوماتيكيا من انتشار واسع بفضل التغطية الإعلامية، وهو ما يشكل أحد الأهداف الفورية للعمليات. وبالمقابل، فالمعنويات والحماس يتقويان في صفوف مناضلي القواعد. إن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهي تركز على الحوافز الشخصية والاجتماعية للانتحاريات، دون أن تأخذ بعين الاعتبار المحفزات الوطنية، تساهم في تأبيد الشوفينية في المجتمع العربي - الإسلامي. وفي الوقت نفسه، طورت وسائل الإعلام العربية فكرة المشاركة المتكافئة للنساء في الجهاد الوطني. بناء على ذلك، فقد وُظفت مشاركة النساء في العمليات الانتحارية كسلاح للدعاية من قبل تنظيماتهن. لقد ساعدن المستقطِبين على عكس صورة لمشاركتهن داخل كل شرائح المجتمعات في النضالات الإثنية - الوطنية و / أو الدينية. مع ذلك، ورغم الخطب والثناء المؤقت الذي تتمتع به أولئك النساء أثناء تنفيذ مهامهن، فإنهن لم تنجحن في الرفع من شأن أية قضية مساواتية تخصهن. بالمقابل، فمفهوم الموت من أجل المساواة تتم ترجمته من خلال النتائج السلبية على مستويين: لم يتحقق هذا الهدف ولم يكن محفزا أساسيا للمشارَكات التطوعية. غالبا ما أفاد في التبرير المقدم، بشكل واضح أو ضمني، من قبل الذين يبعثوهن، لعمل النساء الانتحاريات. إن المعتقد الذي شجعته وسائل الإعلام العربية حول صورة وفاء إدريس و تعابير تحديد الهوية بين الفلسطينيات، قد خلقا نموذجا جديدا بالنسبة للفتيات والنساء الفلسطينيات، وكذلك بالنسبة للنساء المسلمات خارج مسرح الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني اللواتي أصبحن تسعين إلى السير على النهج نفسه. مباشرة بعد هجوم وفاء إدريس، تناولت وسائل الإعلام تلك، وبشكل واسع، قضية مدى شرعية مشاركة النساء في عمليات انتحارية. ورغم أن ردود التنظيمات الإرهابية اللائيكية كانت متحمسة، فإن رأي الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لتنظيم حماس الديني والسياسي، كان متقلبا. حسب الشيخ، ومن وجهة نظر دينية وعملية، لم يكن من الضروري إشراك النساء في الهجمات الإرهابية. فمثل تلك المشاركة لم يكن مرغوبا فيها لأن الحركة الإسلامية لم تتمكن من احتضان كل الرجال الذين يطلبون المشاركة في الجهاد وفي عمليات تتطلب التضحية بالنفس. إن ضمان وجود الأمة أكثر أهمية من ذلك. أما سنة 2004، فبفتوى صادرة عنه أعطى الشيخ ياسين موافقة دينية على العملية الانتحارية التي نفذتها ريم رياشي، أول عملية من هذا النوع تتم تحت رعاية حماس: « إن النساء اللواتي تقمن بعمليات انتحارية وتقتلن يهودا يتم تعويضهن في الجنة، إذ تصبحن أجمل من العذاري الاثنتين والسبعين اللواتي وُعد بهن الشهيد « ( عن وثيقة نشرها هيسي كارمل وأمال هاملين، النساء الانتحاريات، عذارى الجهاد، 2004 ). ريم رياشي، في الثانية والعشرين من عمرها وأم لطفلين، يُروى أنها كانت على علاقة مع أحد كبار قادة حماس، وكان عليها أن تموت لإنقاذ شرف زوجها وشرف عائلتها. وبينما قدمت وسائل الإعلام العربية والفلسطينية رواية نسائية من جديد ، فقد وُوجه هذا التصرف ببعض الانتقادات. فالتعاطف الذي أبداه البعض أثار نقاشا حول القضية: بناء على أية مقاطع من القرآن ومن الأحاديث تتخلى أم شابة على جهادها الحقيقي، المتمثل في تربية طفلين، أحدهما في حاجة لحليبها ؟. ومع ذلك، فالنساء لا تختلفن عن الرجال الإرهابيين. إن الرجال الانتحاريين ينحدرون، هم أيضا، من هوامش المجتمع الفلسطيني، ويعيشون صعوبات شخصية تُسهل مهمة استقطابهم للقيام بعمليات انتحارية. رغم ذلك، وفي حالة الرجال، غالبا ما تُعلق وسائل الإعلام بدافع انتقام الإرهابيين أو سياقهم الاقتصادي الصعب، ملمحة بذلك إلى أن الانتحاريين لم يكن لديهم ما يضيعوه. كل ما يحركهم هو الدافع الأمني والدافع الاقتصادي، ونادرا ما يسأل الصحافيون المرشحين للشهادة بخصوص حرمانهم ووضعيتهم الاجتماعية، كعزاب مسلمين ليس لهم أي مستقبل فوق هذه الأرض. لقد أكدت العُشريات الأخيرة أن النساء، اللواتي لا يزال ينظر إليهن في العديد من الثقافات على اعتبار أنهن الخالقات الودودات والساذجات للحياة الإنسانية، بإمكانهن، هن أيضا، في بعض الظروف ( محاربة الغازي أو الكافر، من أجل قضية النساء )، النضال والتصرف أمثال إخوتهم الذكور سعيا إلى نيل وضعية الشهيد. بما أنهن محرَّضات من قبل المجتمع، مستغلات من قبل تنظيمات، تعانين من وضعية شخصية، تخضعن لمعايير أو تتحدين معايير أبيسية، لم تعد النساء فقط هن أمهات من يجرؤون على التضحية بحياتهم لممارسة القتل. رغم كون عددهن لا يزال ضعيفا، فقد أصبح يُنظر إلى البعض منهن على أنهن « مبعوثات الموت «، يتم استغلالهن، وكذلك الانتحاريون الذكور، كأكباش فداء. *عن المركز الفرنسي للبحث حول الاستخبارات تريبين ليبر ع 46 / 1 - 5 - 2014