منذ 32 سنة لا يزال مهرجان «فقط للضحك» في مونتريال الكندية يشكل أضخم تظاهرة فنية في الشمال الأميركي. فهو يشتمل على بانوراما غنية بفنون الموسيقى والغناء والرقص والمسرح والفولكلور ونشاطات التسلية والترفيه والفرح. فعلى مدار 15 يوماً غصت صالات مونتريال القديمة وشوارعها وساحاتها بالوافدين إليها من مختلف المنابت الفنية والاتنية والثقافية والاجتماعية. وبلغ عدد الزائرين لهذا العام وفقاً لمؤسس المهرجان جيلبير روزون، «رقماً قياسياً» تجاوز مليوناً و35 ألفاً، توزع معظمهم على النشاطات المجانية في الهواء الطلق (250 عرضاً) فيما ارتاد الصالات المغلقة (45 صالة) حوالى 250 ألفاً، علاوة على الفنانين الكنديين والعالميين (120 فناناً) الآتين من 155 بلداً. كان المهرجان لؤلؤة لوجيستية فنية بامتياز، رُكزت على أطرافه شاشات عملاقة لنقل وقائعه. وثبتت في أرجائه كتل من الأنوار كانت تحيل أجواء مونتريال نوراً وضياء. أما موسيقى الروك الصاخبة، فتعاقبت على تأديتها كوكبة من مشاهير العازفين على الغيتارات الكهربائية التي كانت إيقاعاتها القوية بحد ذاتها احتفالية فنية شعبية بامتياز، ألهبت حماسة الجماهير، وأخرجت من النفوس كل ما فيها من غضب وقلق وقضايا، وكانت تواكب بصيحات الفرح والإعجاب والنشوة والانفعال الشديد الذي بلغ حداً لامس الهستيريا والهذيان. أما أصداؤها فكانت تتردد في كل مكان، تمزق هدوء الليل وتشق عنان السماء. وفي مقالب أخرى من المهرجان كانت تجوب أرجاءه مسيرات فولكلورية راجلة ومحمولة واستعراضات من الفنون التنكرية بألوانها المزركشة، ومسرحيات ودمى متحركة يتحلق حولها الصغار... هكذا، كانت يوميات المهرجان حافلة بكل أطياف الفنون التي غمرتها مظاهر البهجة والفرح والحياة من منتصف النهار حتى طلوع الفجر. وفي الجانب الفكاهي من المهرجان، كان الجمهور على موعد مع المغربي رشيد بدوري الذي ما إن أطل حتى قوبل بموجة من مظاهر الحفاوة والتكريم. وكعادته في كل لقاء مسرحي، استهل جولته بشذرات من نكاته ومقالبه وانتقاداته الساخرة. فكشف فيها عيوب الأبعدين والأقربين، ولم يوفر بعض السياسيين وزعماء الأحزاب الكيبيكيين، ولا أبناء جلدته من المهاجرين، ولا أهل بيته وزوجته «الحنون» وأباه «العزيز» وأمه «المأسوف عليها»، حتى نفسه لم تسلم من دعاباته الجارحة. ففي كل صولة وجولة كان يمزج الجد بالهزل، ويخلط الرقص بالغناء ويختصر الكلام بلغة الإيماء والإيحاء، حتى البيانو لم ينج أحيانا من مداعبات أصابعه السريعة. باختصار قدم بدوري وصلات هزلية من مسرحيته الأخيرة «بدوري المشحون – Badouri Recharge) المليئة بالقصص والحكايات والطرائف الظريفة، فكانت تنساب على لسانه من دون كلفة أو تصنع ويجملها بالنكهات واللهجات الكيبيكية والإيطالية والهايتية والأرابلية التي تجمع العربية وشراب الأرابل الكندي.