الخمار العلمي أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة يطرق بعض الناس أبواب الشعوذة والدجل في محاولة لحل مشاكلهم المستعصية أو من أجل تحقيق طموحاتهم وإرضاء أطماعهم المادية، ما يعرضهم إلى مخاطر تهدد سلامتهم البدنية وسلامة الأشخاص المحيطين بهم. في الحوار التالي يتطرق الأستاذ الخمار العلمي إلى أسباب لجوء بعض الناس إلى المشعوذين والدجالين وأبرز المخاطر التي تهدد سلامتهم البدنية نتيجة ذلك التوجه، بالإضافة إلى الحلول التي من شأنها المساهمة في القضاء على هاته الظاهرة. ما الذي يدفع بعض الناس إلى طرق أبواب الدجل والشعوذة والمجازفة بسلامتهم البدنية رغم علمهم بما تعرض له أشخاص سبقوهم إلى هذا المجال؟ قبل الحديث عن الدوافع التي تجعل بعض الناس يلجؤون إلى الشعوذة والدجل، يجب الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ترتبط بمجال الوعي والذهنيات أكثر مما ترتبط بأي مجال آخر، وذلك لأن تطور الذهنيات يسير بوتيرة بطيئة بالمقارنة مع تطور الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية. فهذه الظاهرة لا تمس طبقة دون أخرى بل مختلف الطبقات الاجتماعية داخل المغرب، والتي تلجأ إلى اعتماد وسائل غير علمية كالشعوذة أو الدجل من أجل بلوغ مآرب وتحقيق بعض الأغراض. أما الدوافع الأساسية التي تجعل الناس يلجون هذا العالم اللاعقلاني الذي يتوهمون من خلاله أنهم سيبلغون مقاصدهم فترجع إلى مستويين، الأول مرتبط بالمعرفة، والثاني مرتبط بالوجود. يتمثل المستوى المرتبط بالمعرفة في مجموعة من العناصر أهمها: أولا، ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الناس بالإضافة إلى عدم الإيمان بالقدر خيره وشره، خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الزواج، مما يجعلهم يتخذون قرار ولوج عالم الغيبيات وتغليبه على منطق العقل. أما العنصر الثاني فهو مرتبط بصعوبة تفسير الظواهر وإرجاعها إلى أسبابها العملية والواقعية، وهو ما يجعل الناس يرجعون أسباب فشلهم أو صعوبة تحقيقهم لغرض ما إلى سحر أو مظاهر غير منطقية وعلمية. العنصر الأخير مرتبط بضعف الإيمان بمبادئ الاستحقاق المرتبطة بمجال الشغل والنجاح الوظيفي، وهو ما يقود إلى الانسياق خلف أكاذيب السحرة والمشعوذين والدجالين باعتبارهم ذوي قوى خارقة للعادة وبإمكانهم مساعدتهم على تحقيق مبتغاهم. أما بالنسبة للمستوى المرتبط بالوجود فنجد أربع درجات، الأولى ترتبط بالفقر والظلم وقلة ذات اليد، والثانية ترتبط بالجهل والأمية، والثالثة باليأس والإحباط والاتكالية، بينما ترتبط الدرجة الرابعة بالجشع وحب التملك والامتلاك اللامشروع. هذه العوامل النفسية والاجتماعية كلها تفضي بالناس إلى ولوج عالم الشعوذة والدجل من أجل تحقيق مآربهم، وتدفعهم إلى المجازفة بسلامتهم البدنية والنفسية، لأنهم يعتقدون بأنهم سيتمكنون من الوصول بتلك الطريقة إلى ما عجزوا عن بلوغه بشكل عملي وموضوعي وإرادي. أين تتجلى مخاطر وعواقب الاستعانة بخدمات المشعوذين والدجالين في حل بعض المشاكل المستعصية؟ تنتج عن استعانة هؤلاء الأشخاص بخدمات المشعوذين والدجالين عواقب وخيمة تنعكس سلبا عليهم وعلى ذويهم، تتجلى في المخاطر والأضرار الجسدية والنفسية التي تلحقهم، فالأفعال الإجرامية التي يمارسها الدجالون والمشعوذون على أجسادهم قد تحدث لهم عاهات مستديمة بالإضافة إلى العديد من التشوهات. كما أن ركض هؤلاء الأشخاص خلف أوهام الشعوذة والدجل سيؤدي إلى ضياع ما راكموه من ثروة كان من الأولى بهم الحفاظ عليها من أجل تحقيق الرفاه لكافة أفراد الأسرة. ويؤدي طرق أبواب الدجل والشعوذة لحل بعض المشاكل المستعصية من جهة ثالثة إلى الانحلال الخلقي وتفكك روابط الأسرة بالخصوص، خاصة عندما يتعلق الأمر بلجوء النساء إلى المشعوذين من أجل تحصيل الخصوبة، أو كسب محبة الزوج أو إخضاعه لمطالبها. وتفضي هذه الممارسات من جهة رابعة إلى ضعف الحياة الروحية وفقدان الطمأنينة وانعدام القناعة وروح المثابرة والجد، ولذلك يلجؤون إلى بدائل غير مشروعة من أجل تحقيق هذه المآرب. ومن العواقب الوخيمة لهاته الظاهرة ومخاطرها تخلف الذهنيات، الشيء الذي ينعكس على التطور الاجتماعي والاقتصادي، فالتخلف أساسا مشكل تربية وذهنيات أكثر مما هو مشكل اقتصادي أو مشكل تراكم ثروة. كيف يمكن التوعية بمخاطر اللجوء إلى الدجل والشعوذة واستثمار ما يتعرض له الضحايا من أجل دفع الآخرين إلى الاتعاظ؟ لتجنب المخاطر والعواقب المرتبطة بالشعوذة والدجل، يجب توفير مجموعة من الوسائل، خاصة تلك المرتبطة منها بالتربية العقلانية والاجتماعية والأخلاقية، وبالتوعية عن طريق مختلف وسائل الإعلام سواء المكتوبة أو السمعية البصرية، والتي تلعب دورا أساسيا في محاربة هاته الظاهرة. فعندما تهتم وسائل الإعلام بإبراز سلبيات وأضرار هاته السلوكات وهاته العادات، وتظهر ما لها من مخاطر، فإن ذلك سيساهم في توجيه المواطنين نحو إدراك خطورة تلك الأفعال والممارسات وسوف يقتنعون بالتالي بضرورة تفاديها كما سوف يتجنبون الوقوع في مخاطرها. ويمكن للمدرسة والنوادي وجمعيات المجتمع المدني أن تساهم بشكل كبير في محاربة هذه الظاهرة من خلال برامج خاصة تقوم بتوعية الناس بأضرار هذه السلوكات والعواقب الناجمة عنها. ويعتبرالمسجد مجالا مهما جدا يمكنه أيضا أن يساهم في توعية الآباء والأمهات بمواقف الشريعة الإسلامية، من خلال كل ما جاء به القرآن الكريم، والأحاديث النبوية التي تعتبر الدجالين من المنافقين والكاذبين. يجب على الدولة أيضا القيام بدورها في هذا الجانب باعتبارها الضامن لحقوق الإنسان سواء في الحياة أو في الأمن، ومن ثم لا بد من سن قوانين تحمي المواطنين من أفعال السحرة والمشعوذين والدجالين من خلال تجريم تلك الأفعال، والمعاقبة عليها قانونيا، فبهذه الطريقة يمكن تجنيب الناس هذه الممارسات التي تمس بأخلاقهم وبقيمهم وبسلامتهم الجسدية والنفسية والروحية، ونجعلهم بالتالي يرتبطون بالوقائع ويرجعون الأمور إلى أسبابها المنطقية والموضوعية. حاورته شادية وغزو