يندرج التعاون الثقافي بين المغرب وإسبانيا ضمن أولويات أجندة البلدين، ويبقى أحد أهم مجالات التعاون بالنسبة لهذا البلد الإيبيري في الخارج، بالنظر للتراث المشترك وعلاقات الجوار التاريخية بين المملكتين. ويتقاسم المغرب وإسبانيا، اللذان تجمعهما علاقات قائمة على الثقة والتبادل البناء، العديد من المصالح على المستوى الاقتصادي والمالي، وكذا الثقافي. وبخصوص هذا الأخير فإن تعاون البلدين يشمل مجالات كثيرة، كالتعاون بين الجامعات، والبحث العلمي، والبحث الأركيولوجي، وجميعها ميادين تكتسي أهمية كبيرة في تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات. ويبقى هذا التعاون أحد المجالات النشيطة جدا بين المغرب وإسبانيا، ليس فقط لأن المملكتين تتقاسمان تراثا تاريخيا غنيا، ولكن أيضا لأنهما بلدان جاران، وأن جزء كبيرا من المغاربة، لاسيما في جهة الشمال، يتكلمون الإسبانية. بل إن هذا التعاون، بحسب المراقبين، يضاهي علاقات الحكومة الإسبانية مع بلدان أوروبية مجاورة أو بلدان أمريكا اللاتينية. وقد أكد الملك خوان كارلوس خلال زيارته الأخيرة للمغرب في يوليوز 2013، والتي التقى خلالها برؤساء الجامعات المغربية والإسبانية، رغبة البلدين في تعزيز علاقاتهما على المستويين العلمي والثقافي، بفضل الجهود المشتركة المكثفة في السنوات الأخيرة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي، ما يفتح آفاقا واعدة لشراكة استراتيجية بين المملكتين. وأشار العاهل الإسباني، في هذا الصدد، إلى أن هذا التعاون، الذي تعزز من على مستوى العلاقة بين الجامعات، يروم تثمين وتقوية عمل الجامعات الإسبانية والمغربية. وأوضح أن تدريس اللغة الإسبانية يظل واحدا من أوجه التعاون المتين والقوي مع المغرب، مشيرا إلى أن اللغة الإسبانية هي ثاني لغة للتواصل في العالم، واللغة الرسمية لأزيد من 20 بلدا في مختلف القارات، إلى جانب أنها اللغة الثانية المستخدمة على شبكة الإنترنت. وللتذكير فالبلدان وقعا في فبراير 2005 عقدا بقيمة 5,9 مليون أورو، رام تطوير المؤسسات الثقافية وتثمين التراث المشترك بمدن شمال وشرق المغرب في سنتي 2005 و2006. وقد هم هذا البرنامج إنشاء متاحف ومعاهد موسيقية، وتكوين العاملين في مجال التراث التاريخي، والمساعدة في ترجمة المنشورات العربية والإسبانية، وإنشاء شبكة للتبادل الأدبي والفني. ووقع البلدان، أيضا، سنة 2012، وبمناسبة انعقاد الاجتماع العاشر من مستوى عال الذي التأم بالرباط، اتفاقا حول التعاون الثنائي في المجالات الثقافية والرياضية والاجتماعية والإنسانية. وبخصوص التعاون من أجل تثمين التراث الأركيولوجي المشترك، يذكر أن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية والتراث الوطني الإسباني وقعتا في دجنبر 2009 اتفاقية تقضي بتسليم الأخيرة للأولى، وفي شكل ميكروفيلمات مزدوجة، جميع المخطوطات العربية التي يحتفظ بها في المكتبة الملكية بدير سان لورنزو دي الإسكوريال قرب مدريد. وبموجب هذه الاتفاقية، أنجز التراث الوطني للمملكة الإسبانية، عن طريق مختبر الأرشيف العام للقصر، نسخا ل553 فيلما، مع ما مجموعه 327 ألف و661 صورة مجمعة لمجموعة المخطوطات العربية التي توجد في حوزته. وفضلا عن هذا التعاون، فإن المغرب يبقى البلد حيث تنشط كثير من الإدارات العمومية والمؤسسات الإسبانية من عوالم الثقافة، من قبيل معهد ثربانتس ووكالة التعاون الإنمائي الدولي الإسباني. كما تتعاون إدارات إقليمية إسبانية أخرى ومجالس أقاليم، مثل إقليمي كتالونيا والأندلس، مع السلطات المغربية في مجالي الثقافة والتراث. وتضطلع مؤسسة الثقافات الثلاث للبحر المتوسط، ومقرها بإشبيلية، في هذا الصدد، بدور هام في التقريب بين الشعبين وثقافات الضفتين. وفيما يتعلق بالتعاون الأكاديمي تعد إسبانيا الشريك الأول للمغرب في مجال التعاون والبحث الجامعي بأزيد من 5ر1 مليون أورو سنويا. كما أن المغاربة هم أكبر جالية أجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي مسجلة في جامعات إسبانيا، لاسيما في بعض التخصصات مثل الصيدلة، وخاصة بجامعة غرناطة في الأندلس. وفضلا عن التعاون في مجال التعليم العالي والعلوم عبر مؤسسات التعليم العالي بالبلدين، فإن العمود الفقري للعمل الثقافي الإسباني بالمغرب يبقى تدريس اللغة الإسبانية عبر شبكة معاهد ثربانتيس التي تعد ثاني أكبر شبكة من حيث العدد في العالم بعد البرازيل، بستة مراكز وستة فروع بمختلف مدن المملكة.