تجمع المغرب وإسبانيا، منذ أمد بعيد، علاقات تعاون وثيق في مجال علم الآثار والتراث الذي يكتسي أهمية كبرى في النهوض بالحوار بين الثقافات والحضارات، وبالتالي تثمين التراث المشترك للبلدين. ومكنت عمليات التنقيب والحفريات التي تم القيام بها على مستوى مواقع أركيولوجية بالمملكة، من الحصول على معطيات أركيولوجية وأنتروبولوجية أسهمت في إغناء معارف الباحثين والمتخصصين من البلدين في هذا الميدان، وتقديم إجابات للعديد من التساؤلات العلمية حول حقب معينة من التاريخ الإنساني. وبالفعل، فقد قامت فرق من علماء الآثار والتراث المغاربة والإسبان، على مدى أزيد من عشرين سنة، بحفريات على مستوى مواقع أركيولوجية تعود لفترة ما قبل التاريخ، وعهد الرومان والعصر الإسلامي، والتي حفزت على تثمين غنى تاريخ المغرب العريق. ويؤرخ معرض "25 سنة من التعاون الأركيولوجي المغربي-الإسباني. من جبالة إلى درعة، ما بين فترات ما قبل التاريخ والعصور الحديثة"، الذي أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس والعاهل الإسباني جلالة الملك خوان كارلوس الأول على تدشينه اليوم الثلاثاء بالرباط، أهم محطات هذا التعاون المثمر بين البلدين الصديقين اللذين تجمعهما قرون من التاريخ المشترك. ويتوج المعرض الذي تحتضنه المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مرور 25 سنة على أولى أنشطة التعاون في ميدان علم الآثار والتراث بين المغرب واسبانيا، منذ سنة 1988، من خلال بروتوكول تعاون ثنائي في هذا الميدان. ويتناول المعرض مجموع الأعمال المنجزة سابقا في مجال علم الآثار والتراث والتي همت "النشاط الإنساني بالمنطقة الشرقية خلال العصر البلستوسيني"، و"الأبحاث الأركيولوجية بمنطقة جبالة-غمارة"، و"الخريطة الأركيولوجية بشمال المغرب " و"أصول العصور الحجرية الحديثة بالمغرب المتوسطي"، و"الأركيولو-ميتالورجيا بالمغرب"، و"الأبحاث الأركيولوجية بمنطقة سوس تكنة". كما يتطرق المعرض الذي يضم لوحات توضيحية وقطع رمزية تم اكتشافها خلال عمليات التنقيب، إلى حصيلة مشاريع الأبحاث الأركيولوجية المشتركة لمواقع مزورا وليكسوس وتامودا وموكادور. وتعكس هذه التظاهرة المنظمة بمبادرة من معهد ثيربانتيس بالرباط وسفارة إسبانيا بالمغرب، بتعاون مع وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وبرعاية الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي، كثافة وغنى التعاون بين المغرب وإسبانيا في المجال العلمي، وهو التعاون الذي عرف انخراطا فعليا للجامعات والمعاهد المتخصصة بالبلدين. وهكذا، فإن الأمر يتعلق بواحدة من التظاهرات البارزة التي تؤرخ للتعاون بين المملكتين المغربية والإسبانية في مجالي الثقافة والتراث، والذي كان من أبرز محطاته أيضا توقيع اتفاقية في دجنبر 2009، بين المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومؤسسة التراث الوطني الإسباني، تنص على تسليم ميكروفيلمات للمخطوطات العربية المحفوظة في المكتبة الملكية في دير سان لورينزو دي اسكوريال للمكتبة الوطنية. وتفعيلا لهذه الاتفاقية، توصلت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية من مؤسسة التراث الوطني الإسباني، وعن طريق مختبر الأرشيفات العامة للقصر، بمخطوطات عربية وصل عددها إلى 327 ألفا و661 صورة رقمية محملة على قرص صلب. وهكذا، فإن ثمار التعاون بين المغرب واسبانيا في ميدان الأركيولوجيا، والذي يعود ل25 سنة خلت، قد شملت مستويات عدة، لتجعل من هذا المجال عاملا إضافيا للتقريب بين البلدين وشعبيهما من أجل مستقبل مزدهر.