تصاعد بأس »لمقرقبين» وإرهابهم في السنوات الأخيرة، إلى أن تحولت هاته الفئة المجنونة والخطيرة من المدمنين على المخدرات إلى انفلات إجرامي يحصد في طريقه القريب والبعيد من أفراد الأسرة والأهل والأقارب والجيران والأصدقاء وكل أبناء الوطن والوافدين عليه، و«سفاح» مجزرة سيدي مومن أبلغ وأقوى نموذج لدق ناقوس الخطر. رؤوس مشروخة تناثرت أمخاخها، ودماء متخثرة تكسو أربعة أجساد ممددة جنبا إلى جنب على أرضية غرفة ضيقة0 هذا المشهد البشع لجثث أربعة أفراد من عائلة واحدة، شكل الصورة النهائية لجريمة قتل سادية، وقعت نهار الثلاثاء 26 يناير 2010 داخل شقة بإقامة الشرف بحي سيدي مومن بالدار البيضاء، وراح ضحيتها رب أسرة وزوجته الحامل وابنه الصغير وحماته المسنة0 جريمة قتل بصيغة مجزرة جماعية رهيبة عصية على الوصف بالكلمات، أفزعت البيضاوين عند تداول أخبارها شفويا وإعلاميا، وهالت صور الجثث المكبلة والغارقة في دمائها النازفة من جروح غائرة في الرؤوس عامة الناس والمصالح الأمنية، حيث تحولت العمارة 7 بإقامة الشرف القريبة من شارع الحسين السوسي بسيدي مومن إلى مزار لحشود من المواطنين، الذين لم يستوعبوا على مدار عدة أيام أن مرتكب هذه «المذبحة» الفظيعة هو ابن المرأة المسنة وأخ الزوجة الحامل وخال الطفل الصغير وصهر الضحية الرابعة0 ووصلت حدة الدهشة والحنق لدى كل من سمع بالخبر المفجع، حين علم الخاص والعام أن «السفاح» مدمن على حبوب الهلوسة ومضطرب نفسيا من فرط تعاطيه للمخدرات0 «مقرقب» يتحول إلى «سفاح مرعب» لم تكن معاينة الجثث في هذه الجريمة الوحشية هينة على رجال الشرطة، الذين اقتحموا الشقة رقم 146 بالطابق الثالث للعمارة 7 بإقامة الشرف في حدود الساعة الثامنة والنصف من تلك الليلة الباردة0 أول مشهد بشع وصادم وخز عيونهم وأرجف قلوبهم، هو تكدس أربعة أجساد في غرفة واحدة تحت حصير وأغطية ملطخة بالدماء0 كانت الجثث منبطحة على بطونها ورؤوسهم شبه مهشمة بفعل ضربات عنيفة لساطور على الجماجم، وأطرافهم مكبلة بمناديل وقطع ممزقة من لحاف0 هجوم ضار للقاتل لم يترك فرصة لنجاة طفل في سنته السابعة وأمه ذات 38 من العمر الحامل في شهرها التاسع وزوجها المشرف على أواخر الخمسينات وجدته المسنة0 التحريات الأولية للشرطة القضائية لأمن البرنوصي زناتة لم تخرج عن دائرة الشكوك القوية في المدعو (شفيق راشدي من مواليد 1977) شقيق القتيلة الحامل، باعتباره المشتبه فيه رقم واحد، لأنه حسب شهادات أقاربه ومعارفه مصاب بخلل نفسي ومدمن بشكل مرضي على «القرقوبي»، كما تسجل سوابقه العدلية عدة اعتداءات بالضرب والجرج والتعنيف في حق والدته المسنة (القتيلة الثانية)، قضى بسببها فترات حبسية قصيرة في السجن0 عرفت هوية القاتل الفار، ووزعت صوره على جميع مصالح الأمن والدرك الملكي وشرطة الحدود والمخبرين في كل مكان0 كانت الفرق المكلفة بالتحري والبحث تسابق الزمن لتوقيف «سفاح» مسلوب الوعي العقلي والنفسي جراء إدمانه على حبوب الهلوسة، كما استبد الرعب بشقيقاته السبعة وأفراد عائلته، بعد شيوع أخبار عن النية المبيتة لمرتكب المجزرة الرهيبة في تصفية قائمة من أقاربه، بل وصل الخوف مداه في نفوس الأسر البيضاوية، التي لم تعد آمنة في بيوتها جراء ما تعرض له أربعة أفراد من أسرة واحدة من غذر وقتل بشع وهي في عقر دارها بين عشرات الجيران القاطنين في نفس العمارة السكنية0 انتهى مسلسل الرعب بعد إلقاء القبض على القاتل خلال ثلاثة أيام من الهروب، وتحولت ساعات طويلة من ليلة الخميس 28 يناير 2010 وصبيحة الجمعة الموالية إلى حلقات متوالية وشاقة من التحقيقات والإستنطاقات لمبيد خمسة «أرواح» من أسرته، حيث كان عناصر الفرقة الجنائية للشرطة القضائية بحي أناسي بالبرنوصي، يحاولون أن يتنفسوا الصعداء بعد وقوع المجرم الخطير في قبضتهم، لكنهم في نفس الوقت ظلوا تحت ضغط فك لغز الجريمة البشعة ومعرفة تفاصيل الإجهاز بعنف وبشاعة على أسرة بكاملها، لم يسلم منها الصغير والكبير من بأس ضربات ساطور على جماجمهم، التي تهشمت وتناثرت أمخاخها، والتنكيل بجثثهم المضرجة في الدماء بعد تكبيل أطرافها وتكديسها في غرفة واحدة وإغلاق باب الشقة عليهم من الصباح الباكر إلى ساعة متأخر من مساء نفس يوم ارتكاب الجريمة0 جريمة قتل برائحة المخدرات في مقر الشرطة القضائية بحي أناسي بالبرنوصي، كانت نوبات الهيجان أول صورة ظهر بها «سفاح» مجزرة سيدي مومن، وهو مصفد اليدين في مكتب للفرقة الجنائية، لكن الإستنطاقات المتواصلة للمحققين طيلة الليل وساعات من النهار، جعلت القاتل يصل إلى مستوى من الإعترافات المضطربة، ويصف بالتفصيل مجريات إجهازه بواسطة عصا و«يد مهراز» وساطور على أخته الحامل وابنها الصغير وأمه المسنة وصهره صاحب الشقة مسرح الجريمة0 اللقطات المتسارعة حسب رواية «السفاح» ابتدأت بتعنيف شقيقته وإبراحها ضربا، وحين تدخل الطفل الصغير أوقعه أرضا وهشم رأسه بالساطور، وبنفس الكيفية المتوحشة والفظاعة انهال على جماجم الأخت ووالدته، ثم كدسهم في إحدى الغرف وكبل أطرافهم اعتقادا منه أن نبض الحياة قد يعود إليهم0 نظف آثار الدماء من باحة الشقة وانتظر قدوم الزوج من عمله في حدود الساعة السابعة صباحا، حيث باغثه بضربة «شاقور» شرخت رأسه ووجهه إلى شطرين0 تخلص من سرواله وحذائه الملطخين بدماء الضحايا، وارتدى ملابس أخرى تعود لصهره، وغادر الشقة بعد إغلاق بابها، ثم هام على وجهه في دروب وأحياء المدينة الكبيرة، خصوصا منطقة حي الفرح وحي الأمل وحي الإدرسية، حيث ترعرع وشب في مسكن جدته0 وجدت عناصر الفرقة الجنائية بأمن البرنوصي زناتة صعوبة في إنجاز «محضر سليم» لأقوال المتهم بارتكاب مجزرة جماعية في حق أربعة من أفراد أسرته، وذلك منذ توقيفه مساء الخميس 28 يناير بحي الأمل0 حاول المحققون طيلة الليل وعلى مدار ساعات نهار اليوم الموالي أن ينتزعوا من «القاتل» اعترافات دقيقة ومحددة حول ملابسات وكيفية إجهازه دفعة واحدة بواسطة ساطور على أخته الحامل في شهرها الأخير وابنها الصغير ووالدته المسنة ثم صهره، لكن نوبات الهيستيريا دفعت بالوكيل العام للملك إلى إصدار أمر للمسؤولين على التحقيق بتوقيف إستنطاقه وعرضه على طبيب مختص0 هذه الإجراءات القانونية لم تسهل مأمورية الفرقة الجنائية في مباشرة الإستنطاق، فقد استمر «مرتكب المذبحة» يهلوس بأقوال وتفاصيل مرتبكة حول سيناريو الجريمة البشعة، حيث كان يردد من تلقاء نفسه أنه قضى الليل في ضيافة شقيقته «خديجة» برفقة ابنها «ياسين» ووالداته «فاطنة» وفي الصباح قتل الجميع بضربات ساطور عثر عليه بالمطبخ بعد شجار مع أخته الحامل على إثر مطالبته إياها بالمال لاقتناء حاجته الملحة من المخدرات0 الهلوسات والصراخ و«الدخول والخروج في الهضرة» دفعت الجهات المعنية بالتحقيق إلى اتخاذ قرار نقل مرتكب «مجزرة سيدي مومن» إلى قسم الأمراض النفسية والعقلية (36) بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، الذي كان في السابق يعرض عليه من طرف أسرته كمريض نفسي بسبب إدمانه على المخدرات وحبوب الهلوسة. وحدها الكشوفات الطبية ستثبت أن مرتكب المجزرة العائلية لم يكن مريضا نفسيا بل مجرد شاب مدمن على أقراص الهلوسة وتدخين الحشيش، ونموذجا غير استثنائي أو فريد لإبن ضائع وجاحد في حق من ولدته وربته وأنفقت عليه لمدة ثلاثة وثلاثين سنة من عمره، وناكر لجميل سبعة أخوات، كان في وقت قريب يعتبر أعز أخ لهم رغم انحرافه وعنفه ضد أصوله في مرات متكررة وعديدة إلى أن حصلت المأساة الرهيبة0 سعيد لقلش