يومه الإثنين تصل آخر مذكرات الأحزاب السياسية حول مسودة القانون التنطيمي لمجلس النواب، إلى مكتب وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، وقبلها سبقتها مذكرات حول القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، تتفق هذه المذكرات في الوقت، وتختلف في المضامين، اختلاف استحضره الخطاب الملكي لعيد العرش، والحل هو التوافق الإيجابي بين الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية، لإخراج هذه القوانين التي سيجري في إطارها انتخاب أول مجلس للنواب في عهد الدستور الجديد. طيلة هذا الأسبوع ينتظر أن يجدد الطيب الشرقاوي اللقاء بزعماء الأحزاب السياسية فرادى وجماعات للتوافق حول النقط الخلافية سواء تلك الموجودة في نص القانون التنظيمي لمجلس النواب، أو في قانون الأحزاب، قبل إحالتها على الدورة الاستثنائية للبرلمان، فيما يلي نعرض لأبرز النقط الخلافية التي تستدعي التوافق حولها. العتبة : أحزاب تقبل ب6 في المائة وأخرى تتهمها بالإفساد في توزيع مقاعد أول مجلس نواب في الدستور الجديد، جاءت وزارة الداخلية بمقترح الحصول على ستة في المائة من الأصوات في الدوائر المحلية، لكن هذا المقترح جعل الداخلية أمام ردود فعل مختلفة، ستجعل الطيب الشرقاوي أمام امتحان خلق التوافق حول العتبة. جواب الداخلية يجب أن يكون حول انقسام الأحزاب حول هذه العتبة، إلى من يعتبرها غير ضرورية والحديث عنها غير واقعي كما يقول بذلك حزب التقدم والاشتراكية، حجته في ذلك أن الانتخابات التشريعية في الدوائرالمحلية لم يسبق أن اقتسم المقاعد فيها إلا من حصل على هذه العتبة أو أكثر من ذلك. بينما مثلا حزب العدالة والتنمية يقرأ في الإبقاء على عتبة ستة في المائة مدخلا لتشجيع الفساد الانتخابي على حد تعبير لحسن الداودي نائب أمين عام حزب العدالة والتنمية، ويطرح العدالة والتنمية على الأقل رفع العتبة إلى عشرة في المائة. إضافة إلى وجهتي النظر في العتبة، تضيف الحركة الشعبية مطلب جعل العتبة عتبة وطنية، لأن ذلك في نظرها سيجعل المشهد السياسي والخريطة البرلمانية المقبلة تكون أكثر عقلنة وأقل أحزاب، أما الأحزاب الصغرى فلا ترغب في كل هاته العتبات لأنها في نظرها مخالفة للدستور، وتكرس هيمنة الأغلبية على المعارضة، لذا أرسلت الأسبوع الماضي إلى وزير الداخلية رسالة تحتج فيها على هذه المقتضيات. طاولة الحوار هذا الأسبوع بين الداخلية وزعماء الأحزاب السياسية، هي المؤهل للبت في هذه الخلافات، فالأحزاب الكبرى مستعدة للقبول بأية عتبة، إذا توفرت عل ضمانات انتخابات نزيهة وشفافة، والمشاركة المكثفة للمواطنين في الاستحقاق التشريعي وحدها قد تغير موازين القوى لصالح الأحزاب التي ظلت تشتكي الفساد والإفساد الانتخابيين في الاستحقاقات الأخيرة. اللوائح : إقليمية أو محلية موسعة حسمت الداخلية في عدم العودة إلى اعتماد نظام الاقتراع الفردي في دورة واحدة أو في دورتين بعد أن استبعدته من دائرة المقترحات المقدمة للأحزاب السياسية، ويستمر الخلاف حول نمط الاقتراع اللائحي بين من يدعو إلى الإبقاء عليه في حدود المحلي، أو توسيعه ليكون إقليميا. في مسودة القانون التنظيمي لمجلس النواب المعروضة على أنظار الأحزاب السياسية، احتفظت الداخلية بسلطة التقطيع الانتخابي عبر مرسوم، واكتفت بتضمين هذا القانون، مبدأ عاما، هو أن الدوائر الانتخابي سيراعى في تأسيسها قدر الإمكان التوازن الترابي والجغرافي. الأحزاب في هذه الالتزام طالبت بتوضيحه وتدقيقه وعدم الإكتفاء بالعموميات. ومن الأحزاب من طالب بالخروج من اللوائح المحلية إلى دوائر إقليمية، تكون مدخلا لمحاربة المفسدين بشكل ديموقراطي. النساء : لائحة وطنية أم القسمة مع الرجال أصوات نسائية تعالت تنتقذ مقترحات وزارة الداخلية داخل القانون التنظيمي لمجلس النواب، القاضية باقتسام النساء للائحة الوطنية مع الرجال، وفق قاعدة امرأة رجل، في حدود 90 مقعدا. الطيب الشرقاوي وخبرائه اعتبروا هذه اللائحة التسعينية النسائية الرجالية هي الجواب عن مطالب توسيع مشاركة النساء وإشراك الأطر الرجال في صناعة القرار السياسي داخل مجلس النواب، لكن النساء وزعماء الأحزاب السياسية لا يشاطرون الداخلية هذا الرأي، فالعدالة والتنمية استكثر رفع عدد اللائحة الوطنية إلى 90 فهي حوالي ربع البرلمان، وقد تتم إساءة استعماله، وطالب بتمكين الجالية من حصتها، بينما حزب الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي وخاصة قياداته النسائية، لا ترى أي مكان للرجال داخل لائحة اعتبرت من مكاسب الحركة النسائية، لحل مشكل وضعية المرأة في القرار السياسي. الطيب الشرقاوي تلقى من أحزاب أخرى انتقادا لمقترح تحديد سن الذكور في اللائحة الوطنية في خمسة وثلاثين سنة، فما هو الجواب الذي سيقدمه الطيب الشرقاوي لمن اعتبروا هذا المقتضى غير دستوري، بل ويعتبر تدخلا في قرار الأحزاب وتحديد لوائحها الانتخابية؟. الأحزاب مختلفة حول دور الداخلية تقبل الأحزاب السياسية بالجلوس إلى طاولة المشاورات مع وزير الداخلية القادم من سلك القضاء، وفي نفس الوقت لا يمنعها ذلك من المطالبة بالتدقيق في دور وزارة الداخلية وعلاقتها بتأسيس الأحزاب السياسية. فقبل ملاحظات الأحزاب حول القانون التنظيمي لمجلس النواب، أرسلت الأحزاب السياسية ملاحظتها إلى وزير الداخلية، تطالب فيها بالتدقيق في دور الداخلية وعلاقتها بتأسيس الأحزاب، كيف ذلك؟ الدستور الجديد حسم مع حل الأحزاب السياسية ووضع هذه الصلاحية في يد القضاء والقضاء وحده، إلا أن القانون التنظيمي للأحزاب السياسية أعطى لوزارة الداخلية الحق في الإشراف على تأسيس الأحزاب وطلب إبطال تأسيسها أو توقيفها، واعتبر هذه الطلبات موقفة لنشاط الحزب، مما جعل الأحزاب في ملاحظتها تقرأ في الإبقاء على صلاحيات الداخلية بهذا الشكل استمرار سلطة الداخلية في تأسيس وحل الأحزاب، وتأويل خاص للدستور الجديد. تنتقل ملاحظات الأحزاب حول دور الداخلية إلى الفروع وامتدادات الحزب، فالحزب المؤسس على الصعيد الوطني، لا تقبل سجنه في الإجراءات الإدارية لتأسيس الفروع المحلية والإقليمية والجهوية، والتصريح بذلك لدى أجهزة الإدارة الترابية. المال : للجميع أم حسب الوزن الانتخابي سعد حصار كاتب الدولة في الداخلية وأحد المرافقية للطيب الشرقاوي في إدارة المفاوضات حول القوانين الانتخابية، مطالب ببحث التوافق ما بين الأحزاب حول طرق ومعايير الاستفادة من الدعم العمومي. فخبراء الداخلية عرضوا على الأحزاب صيغة للاستفادة من المالية العمومية، أولها حصة جزافية لكل الأحزاب المؤسسة بشكل قانوني، وتضاعف هذه الحصة لمن يتجاوز ثلاثة في المائة من الأصوات في الاستحقاقات الانتخابية، و الحصة الكبرى للأحزاب التي تجاوز في الانتخابات سقف خمسة في المائة من الأصوات. استحسنت بعض الأحزاب الصيغة خاصة الصغرى التي ظلت تشتكي ضعف الموارد، لكن أحزاب أخرى تتوجس من أن تكون هذه الطريقة الإبقاء على الأحزاب الصغرى حية، وتطالب بأن تكون الانتخابات الأساس الوحيد للحصول على تمويل الدولة، هنا سيكون خبراء الداخلية أمام امتحان البحث عن الحل الوسط، فالأحزاب الصغرى تبقي على هذا الحق عندما تعتبر أن الدستور يعطيها الحق في التأطير ووجودها ليست المشاركة في الانتخابات إلا علامة من علاماته. حتى الآن الداخلية ستتفق مع الأحزاب حول المبدأ، على أن يكون نقاش آخر حول حجم المبالغ لكل صنف، إذ ستحدد هذه المبالغ بمرسوم لوزير الداخلية، سيكون محط تشاور ما بين وزير الداخلية، والأحزاب. الترحال : القبلي أم البعدي الحسم الدستوري في منع الترحال الحزبي، لم يمنع من ظهور الخلافات ما بين الأحزاب والداخلية في طريقة تنزيل هذا المقتضى. مثلا الاتحاد الاشتراكي يرغب في أن يكون القضاء على الترحال مثلما في الدستور، ويضيف لذلك تقييدات على رحل آخر لحظة، من البرلمانيين الذين غيروا ألوانهم الحزبية في الساعات الأخيرة لدخول الدستور الجديد حيز التنفيذ، فكان أن اقترح تضمين عدم ترشيح من لم تمر على انتمائه لحزبه أقل من سنة. بين الرغبة في أن تعود وجوه الرحل إلى البرلمان الجديد، تنتصب مسألة دستورية هذا المقترح ، فما تسرب من آخر اجتماع لوزير الداخلية مع زعماء الأحزاب السياسية حول القانون التنظيمي للأحزاب، أفاد أن هذا المقترح غير دستوري. لأنه يجعل هذه القوانين الجديدة تسري بأثر رجعي، والدستور يتحدث عن أن القوانين لا تطبق بأثر رجعي، وحتى إذا جاز تطبيق هذا المقتضى فالنسبة للانتخابات التشريعية التي تأتي بعد المقبلة. القانون التنظيمي للأحزاب كما عرضته الداخلية على الأحزاب، أتم الحسم الدستوري مع الترحال داخل البرلمان، بمنع الترحال تحت طائلة التجريد من العضوية في مجالس الجهات والأقاليم والعمالات، إلا أن الاختلاف من جديد يعود بين مكونات الطبقة السياسية، بين من يرى أن الدستور منع الترحال بصريح العبارة في البرلمان، ولم يتحدث عن مجالس الجهات والأقاليم والمجالس الحضرية والقروية، حسب هذا الطرح يمكن للمجلس الدستوري التدخل للبت بعدم دستورية مقترح الشرقاوي وخبرائه، لكن داخل الأحزاب وجهة نظر أخرى ترى في مقترح الداخلية مقترحا يتجاوب مع مطالب الأحزاب بحماية الخريطة السياسية في هذه الوحدات الترابية التي تعد أساس سياسة القرب، وحمايتها من الفساد، وأن القانون التنظيمي للأحزاب السياسية يمكن اعتباره قانونا مكملا للدستور، الذي منع تغيير الحزب المترشح باسمه في الانتخابات. الاتحادات الحزبية: غير دستورية أم دستورية طاولة النقاش مابين الداخلية وزعماء الأحزاب، لا يمكنها تجاهل الخلاف الحاصل حول الاتحادات الحزبية، فمشروع القانون الحالي لا يشير إليها من بعيد أو قريب، ويتحدث فقط عن الأحزاب السياسية والاندماجات بينها بخلاف قانون الأحزاب السياسية لسنة 2006. أحزاب الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، كلها طرحت الإبقاء على الاتحادات الحزبية، وإن اختلفت المبررات، فالنسبة للحركة الشعبية اعتبر مشروع القانون التنظيمي حادثا عرقل مساعيه في الاتحاد مع التجديد والإنصاف وحزب العهد الديموقراطي للبحث عن وزن انتخابي تؤثر به الحركة الشعبية في مفاوضات تشكيل أول حكومة في عهد الدستور الجديد، والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية يدافعون عن الاتحادات الحزبية باعتبارها شكلا من أشكال التنسيق والعمل المشترك بين الأحزاب السياسية، ويستحضر التقدم والاشتراكية العلاقات الإيديولوجية مع العائلة اليسارية التي استفادت من هذا المقتضى، يقصد التحالف الثلاثي مابين الحزب الاشتراكي الموحد، والطليعة الديموقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي. فحذف هذه الاتحادات من شأنه أن يدفع في اتجاه حذف إمكانات التنسيق، ويهدد بجعل تيارات سياسية وفكرية خارج المؤسسات، كما قال بذلك في أكثر من مناسبة نبيل بن عبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية. الآن تذهب الأحزاب إلى لقاء الداخلية لتنقل رسالة مفادها أن الحزب الثلاثي اليساري يراقب الأوضاع ويرى تعامل الداخلية مع الأحزاب، وقضية التحالف، فهو لا يستبعد مقاطعة الانتخابات وتقوية التحالف مع الشارع، كما أن أصواتا من داخله تدعو إلى خلق مشكل سياسي اسمه رفض حل التحالف بعد أن يدخل قانون الأحزاب حيز التنفيذ، خاصة وأن القانون وإن كان يلزم الأحزاب بملاءمة وضعيتها مع القانون الجديد في أجل سنة ونصف بعد دخوله حيز التنفيذ فهو لا يرتب الجزاء. هل ستصمد تبريرات الداخلية التي سبق أن عبرت عنها للأحزاب السياسية،من أن الاتحادات لا يتحدث عنها الدستور، والتخوفات التي قد يفرزها حصول اتحاد حزبي على المرتبة الأولى في الانتخابات، وما يرتبط بذلك من إشكالات تمتد إلى تعيين الوزير الأول، أم ستقبل بالمقترحات التي جاء فيها التنصيص على أن الاتحاد الحزبي بدوره حزب، أو الإبقاء عليه للتعاون، دون أن يكون منه الوزير الأول في حال حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات، والتعاون بين الاتحاد ليس فقط في الانتخابات بل قد يساهم في إندماج الأحزاب. الثلث : بين الاختيار والإجبار في تطبيق قواعد التمييز الإيجابي لصالح النساء، حاول خبراء الداخلية الاستجابة لمطلب الحركة الحقوقية والسياسية المطالبة بالثلث في المجالس المنتخبة وفي الأجهزة القيادية للأحزاب السياسية، كيف ذلك؟ تجيب المادة 26 : يتخذ كل حزب سياسي التدابير اللازمة لضمان تمثيلية وازنة للنساء في أجهزته المسيرة وطنيا وجهويا لا تقل عن الثلث، في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة، ويترك القانون التنظيمي الباب مفتوحا أمام الأحزاب لتحدد النسبة الخاصة بالشباب. ما يظهر في هذه المادة استجابة لمنطوق الدستور الذي أفرد الثلث للنساء في المجالس الجهوية، تقرأ فيه الأحزاب فرضا لمقتضيات قد لا تكون الأحزاب مهيأة له، ففي الأجهزة القيادية الوطنية تقبل الأحزاب بالثلث ولما لا المناصفة، لكن في الأجهزة الجهوية والإقليمية فهي غير مستعدة لركوب هذه المغامرة، لهذا طالبت من الداخلية التنصيص على هذه الصيغة بما يجعل الأحزاب مخيرة في تطبيقها حسب الظروف والأحوال التي تسمح بها الوضعية التنطيمية لكل حزب. إعداد : سعيد جادلي