محمد بوشنتوف طبيب نفسي عرف المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة توالي جرائم وفضائح جنسية كان أبطالها بعض من رجال الدين والتعليم. في الحوار التالي يتطرق الدكتور بوشنتوف إلى الأسباب النفسية التي تبرر ارتكاب هؤلاء الأشخاص لتلك الجرائم، خاصة أنهم يحظون بثقة الناس المحيطين بهم نظرا لطبيعة الوظائف التي يشغلونها، كما يتحدث عن الحلول التي من شأنها الحد من زحف هاته الظاهرة السلبية. ما هي الأسباب النفسية التي تفسر الجرائم المرتكبة من طرف رجال الدين والتعليم باعتبار أن وظائفهم تجعلهم بعيدين عن الشبهات؟ يعتبر مرض «البارانويا» من الأمراض النفسية التي قد تصيب أي شخص بغض النظر عن المركز والوظيفة التي يشغلها، وقد تقوده هذه الحالة في مرحلة ما إلى ارتكاب جريمة دون وعي، وتعتبر «البارانويا» من الاضطرابات الشخصية التي تخل بشخصية الإنسان، فهي عبارة عن أوهام وشكوك ومعتقدات وأفكار خاطئة، فقد يشعر الشخص بأنه مضطهد، كما يتسم المصاب بهذا الداء بشكوكه الكثيرة وسوء ظنه بالآخرين وتعاليه وتكبره، بالإضافة إلى حساسيته الزائده وتأويل أي موقف أو فكرة أوسلوك أو حركة تأويلا خاطئا، لأنه في كثير من الأحيان يرى في ذلك سلوكا عدوانيا تجاهه. وتتجلى خطورة هذا المرض حين يعيش المصاب به حالات من الهذيان، ويتعامل مع الأفكار الخاطئة والشكوك التي تدور في ذهنه اتجاه الأشخاص المحيطين به على أنها حقيقة لأنها تبدو منطقية بالنسبة إليه، لكنه في الوقت ذاته يحرص على التعامل بحذر وإخفاء أعراض مرضه، كما يتصرف عادة مع الناس بشكل طبيعي، ويظهر أمامهم بصورة أخرى لا تعكس ما يدور بداخله من أفكار وأحاسيس، ما يجعله يظل دوما بعيدا عن الشبهات، ولا يكتشف أمره وإصابته بالمرض إلا بعد اكتشاف جريمته. هل تكون الاعتداءات والجرائم الجنسية المرتكبة من طرف هؤلاء الأشخاص مرتبطة ضرورة بحالات مرضية؟ الفضائح الأخلاقية والاعتداءات الجنسية المرتكبة في حق النساء والأطفال سواء من طرف المعلمين ورجال الدين، لا تكون ناتجة بالضرورة عن مرض نفسي في مراحله الخطيرة مثل «البارانويا» والانفصام في الشخصية، لكن الأكيد أن معظم الأشخاص الذين يرتكبون اعتداءات جنسية في حق الأطفال على وجه الخصوص يعانون من «البيدوفيليا». نجد أيضا من بين الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يسعون إلى إقامة علاقات جنسية مع أطفال، أن ذلك قد يكون مرتبطا بمعاناة نفسية عاشوها في مرحلة الطفولة نتيجة تعرضهم للاعتداء الجنسي، ما يدفعهم عند الكبر إلى ممارسة تلك الأفعال البشعة والاعتداءات الجنسية في حق أطفال أبرياء. بالرغم من ذلك لا يمكن أن نضع الأشخاص الذين يغتصبون الأطفال في خانة المرضى النفسيين الذين يمارسون جرائمهم دون وعي، لأننا بهاته الطريقة سوف نزيح المسؤولية عن هؤلاء الأشخاص، فهم لا يعانون من حالات الهذيان و«البارانويا» التي قد تجعلهم محاصرين بالشكوك والأوهام ويعيشون في عالمهم الخاص، لأنهم ليسوا منفصلين تماما عن الواقع، ما يعني أنهم مسؤولون عن كل الأفعال التي تصدر عنهم والجرائم التي يرتكبونها، فالأمر يتعلق بحالات مرضية لكنها لا تعفيهم من المسؤولية. بالنسبة للفضائح والجرائم الجنسية المرتكبة من طرف أئمة المساجد والفقهاء في المغرب، فهي لا تختلف عن فضائح رجال الدين في أوربا، حيث يدخل العديد منهم ذلك المجال كي يكونوا على اتصال دائم بالأطفال، لأنهم يعانون من الكبت ويبحثون عن وسيلة يشبعون بها رغباتهم الدفينة. يحرص رجال الدين الذين يتنكرون في زي التقوى والورع على استغلال الثقة التي يحظون بها من طرف الناس لممارسة جرائمهم لأنهم يعتبرون بعيدين عن كل الشبهات، وهنا يتم للأسف توظيف الدين واستغلاله لأغراض دنيئة، كما هو الشأن بالنسبة للرياضة، بحيث يتم أحيانا داخل بعض الأندية خاصة الأوربية استغلال الأطفال جنسيا من طرف أشخاص يدعون أنهم يقومون بتدريبهم وتأطيرهم من أجل تنمية مواهبهم، لكنهم في الحقيقة يتخذون ذلك ذريعة، ويستغلون وظائفهم لممارسة شذوذهم وإشباع رغباتهم المكبوتة. بالنسبة للاعتداءات والتحرشات الجنسية التي تحدث داخل المدارس من طرف المعلمين والمدراء، هل يمكن ربطها بغياب التربية الجنسية في المناهج التعليمية؟ بالتأكيد، فغياب التربية الجنسية في المناهج وداخل مؤسساتنا التعليمية وفي وسائل الإعلام، يعتبر السبب الرئيسي وراء تفشي مثل هاته الظواهر السلبية، لأن الأطفال يجهلون بكل الأمور المرتبطة بالجنس، وبكيفية التعامل مع مواقف التحرش الجنسي التي قد يتعرضون لها، ما يجعلهم عاجزين عن مواجهتها والتصدي لها لتفادي حدوثها، وغير قادرين على الاعتراف بها بعد حدوثها. فالطفل الذي يتعرض لاعتداء جنسي يلازمه الشعور بالذنب، كما يمنعه الخجل والخوف من الاعتراف لوالديه بحقيقة ما تعرض له، والتربية الجنسية هي التي يكون لها دور في توعيتهم ومساعدتهم على التغلب على الخوف والشعور بالخجل، لأنهم سيدركون بأنهم ضحايا وليسوا مذنبين، لذلك من الضروري إدماج التربية الجنسية في المناهج التعليمية لأنها ستساهم بالتأكيد في الحد من تفشي الاعتداءات الجنسية داخل وخارج المدارس بالمغرب. حاورته شادية وغزو