فوضى عارمة ورغبة عنيفة في فرض الأمر الواقع بالقوة. هذا هو العنوان البارز لكل حوادث الاقتحامات التي شهدتها وتشهدها البؤر الساخنة. بخريبكة، الرباط، اليوسفية، بوجنيبة، بولنوار وعدد آخر من المناطق الحضرية والقروية، تكسر رغبة دفينة في الإيذاء والتدمير الخيط الرفيع الذي يفصل بين المطالبة الحضارية بالحقوق والانزلاق الجماعي في احتلال المؤسسات العمومية والإدارية. في أبرز صور المشهد الذي لم يتعود عليه المغاربة في تاريخهم، اقتحام مقر حزب الاستقلال لما يربو عن الأسبوع من قبل الأطر العليا المعطلة، للمطالبة بالتفاوض مع الوزير الأول عباس الفاسي، الذي يرون أنه السبب المباشر في تعطيل الاتفاقيات والقرارات الموقعة بينهم وبين الحكومة في أفق الإدماج في الشغل وأسلاك الوظيفة العمومية. العاصمة الإدارية للمملكة، وبحكم أنها المكان الذي يصنع قرارات الوطن، غالبا ما تتخذ هدفا للانتقامات الجماعية للمحتجين، وتحتجز فيها مؤسسات رهينة اقتحام هذا الفصيل أو ذاك. في بيان بليغ في الموضوع، يقول معطلو فرع الرباط للأطر المعطلة بأنهم يسجلون بفخر «التصعيد الذي عرفته أشكالهم النضالية عبر اقتحام مجلس مدينة الرباط» ! قبل ذلك، قصد المحتجون في العاصمة، مقر المجلس الوطني بحقوق الإنسان والمجلس الدستوري، حيث طالبت من خلالها التنسيقيات الأربع بتدخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان لدى الجهات المعنية بملفهم، وذلك بتفعيل المرسوم السالف الذكر. وتواصلت سلسلة الاقتحامات لتشمل محاولة اقتحام ولاية الرباط، انتهت باعتصام جزئي أمام الباب الرئيسي للولاية بعد تدخل قوات الأمن. وزارة التربية الوطنية لم تسلم بدورها من موجة الاقتحامات، إذ كان مدخلها مسرحا لمحاولة اقتحام، بعد محاصرتها لأسابيع من طرف عدد من المحتجين يمثلون الدكاترة العاملين بالقطاع المدرسي، والأساتذة العرضيين فوج 2007 وفوج 2008 . فيما تمكنت عناصر القوات المساعدة بصعوبة من صد محاولة المكفوفين المعطلين لاقتحام مقر وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، المتواجد بحي اكدال بالرباط، عصر الأربعاء الماضي. وإذا كانت الرباط عاصمة للاحتجاجات الإدارية والمؤسساتية، فإن مدينة خريبكة وقراها المنجمية تعد عاصمة للاحتجاجات النقابية والشعبية ضد مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط. الشرارة للأولى للأحداث اشتعلت حين أقدم شبان حي البيوت، من أبناء المتقاعدين على اقتحام منازل عمارة ” طراكوم ” المتواجدة أمام المسبح الكبير، والتابعة لأملاك المكتب الشريف للفوسفاط، واتخاذها سكنا مستقلا. لتتوالى الاقتحامات الجماعية داخل كل ما يمت بصلة للمؤسسة. الحلقة الأولى ارتبطت باقتحام إدارة المكتب الشريف للفوسفاط، ثم اقتحام مركز التكوين التابع للمكتب الشريف للفوسفاط تدمير ممتلكاته بالآخر وإتلاف ملفاته وحواسيبه، والمقتصدية التابعة له، بالاضافة طبعا إلى محاولة اقتحام عمالة خريبكة والتصادم مع قوات الأمن. في بولنوار وبوجنيبة المشتعلتين، سجل اقتحام المسبح البلدي وتدمير منشآته بالكامل، ثم الباشوية والنادي النسوي، واقتحام مكتب رئيس القرية. كل الاقتحامات المذكورة نتجت عن مسيرات عادية قبل أن تتحول إلى هجومات جماعية ممنهجة. في مراكش و أغادير وضواحيها لم يسلم الأمر كذلك من مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمقتحمين، كمناطق أولاد داحو التي اعتصم فيها العشرات داخل الجماعة في الخيام، منذ شهر فبراير إلى حد الساعة رغم اقتراح بعض الحلول عليهم التي رفضوها. بآيت ملول، اشتدت المواجهات مع قائد المنطقة وأعوان السلطة، وانتهت المواجهة بمحاولة انتحار شاب، بعدما دخلت أمه في شنآن مع القائد. وفي أورير اقتحم العشرات مقر القيادة في حركات مماثلة. في مراكش تنوعت الاقتحامات بين مؤسسات خاصة ومؤسسات عمومية. في مقر مجلس المدينة، كان هناك اقتحام من نوع آخر. فبعد تهديد عمدة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري بالاستقالة من منصبها، شهد مقر المجلس اقتحاما غير مسبوق من طرف العشرات من السكان وفعاليات المجتمع المدني لمطالبتها بالعودة. وإذا كانت الطريقة غير عنيفة في حد ذاتها، فإن الإقدام على اقتحام مؤسسة عمومية كافي لإعطاء ذريعة في مناسبات أخرى وظروف أخرى للقيام بهجومات جماعية مماثلة. لكن الاقتحام الذي يلخص الوضع المضطرب للهجمات الجماعية « الوندالية» في مراكش، كان اقتحام المحل التجاري لبيع الملابس الجاهزة مع انطلاق حركة 20 فبراير، والاستيلاء على كل ما فيه !