ما هو شائع في المجتمع المغربي، هو وجود علاقة توتر واصطدام، بين الحماة و الزوجة أو بين الحماة والزوج، تصل أحيانا إلى درجة العداوة بينهما، وما هو شائع يشكل حقيقة فعلية موجودة لا يمكن، غض الطرف عنها، أو تجاهل تأثيرها السلبي في تسميم العلاقة بين أفراد الأسرة فيما بينهم، وبين أفراد القرابة. إن العلاقة القائمة بين الزوجة والحماة عادة ما تكون علاقة توتر واصطدام بينهما تصل إلى درجة العداوة. و نجد في هذا الإطار أسباب نفسية واجتماعية لوجود هذا التوتر والاصطدام. يمكن بالفعل، القضاء على هذا التوتر والصراع، إذا تم فتح قنوات التواصل بشكل دائم بين الأم وزوجة الابن، لأن هذا التواصل سيلغي كل الحواجز النفسية والاجتماعية المعيقة للتفاهم والتراضي، أمافي حال وجود إعاقة نفسية عند أحد الطرفين، فمن الأحسن أن يوجه إلى العلاج النفسي. هناك مجموعة من الأسباب النفسية تدفع إلى وجود هذا التوتر: أولا وجود نزعة التملك قوية عند أم الزوج أو عند زوجة الابن. فكل ما يوجد تحت يد الأم تعتبره ملكا لها، بما فيه الأبناء إلى درجة أنها تدخل في تنافس قوي مع الأب على الأبناء. فلا تترك له المجال للاستحواذ على قنوات التواصل معهم. ووجود نزعة التملك هذه عند الأم هي نتيجة تعويض سيكولوجي استيهامي للرغبات الليبيدية والعدوانية المكبوتة في اللاشعور. فعندما يتزوج الابن، تشعر الأم أنها فقدت ما كانت تملكه، وأن الزوجة انتزعت منها ملكيتها الشرعية التي هي الابن، فتشكل زوجة الابن موضوعا استيهاميا بامتياز للرغبات العدوانية اللاشعورية. ومن هنا تدخل الأم في علاقة اصطدام وتوتر مع زوجة الابن تصل بها إلى درجة الكراهية، فيبدأ تسمم العلاقة بين الابن وزوجته، من خلال الوشايات والتهم الكاذبة، وتحرضه على الإساءة إليها بمختلف أنواعها، وبمختلف الوسائل والطرق. أما نزعة التملك عند الزوجة فهي تمارسها على زوجها، فتسعى جاهدة إلى الانفراد به، وعزله عن أمه، ووضع قطيعة بينه وبين أمه. وفي ظل هذا الوضع ينشأ صراع دائم بين الأم وزوجة الابن. ثانيا تكون شخصية الأم أو زوجة الابن، شخصية نرجسية، وهي شخصية مرضية، وتتميز الأم صاحبة هذه الشخصية، بالأنانية المفرطة، وتضخم حب الذات، بالإضافة إلى ممارسة التعالي على الآخرين، نتيجة تضخم الأنا، وفي هذه الحالة تريد من الجميع الخضوع لها، والخنوع لها، وتقديم الولاء والطاعة لها، وكل من يمارس معها عكس ذلك، تنزعج منه وتصطدم معه، وتكرهه، لأنه قد أغلق عليها كل السبل لممارسة الوصاية عليه لاستغلاله وابتزازه، و انطلاقا من هذا الوضع النفسي المرضي لهذه الشخصية النرجسية، تريد الأم أن تمارس الوصاية الأبوية على زوجة الابن بالشكل الذي تمارسها على الابن. وفي حال رفض الزوجة لانصياع لأوامر ونواهي الأم، تتخذ منها موقفا عدائيا. كما أن الشخصية النرجسية للزوجة تتجه نحو ممارسة الوصاية على الأم وإخضاعها لنواهيها وأوامرها، ومن خلال سعي كل منهما للسيطرة على الأخرى ينشأ الصراع والاصطدام بينهما، ومواجهة عنيفة تصل إلى حد الرغبة في إقصاء الأخرى. ثالثا تكون شخصية الأم أو الزوجة، شخصية سلطوية، وعدوانية وعنيفة. فالأم في هذه الحالة تبسط سلطتها على الزوجة وتمارس عدوانيتها عليها. كما أن سلطوية وعدوانية شخصية الزوجة تتجه هي الأخرى إلى ممارسة السلطة والعدوانية على الأم، هذا الصراع على السلطة في ممارستها على الأخرى، إلى جانب عدوانية كل منهما على أخرى، يسبب الصراع والتوتر بين الأم وبين زوجة الابن. أعتقد أنه من الأسباب الاجتماعية للتوتر والاصطدام بين الأم وزوجة الابن نجد مايلي: أولا أن التنشئة الاجتماعية الممارسة على الطفل في المجتمع المغربي، تربي فيه موقفا عدائيا افتراضيا، فعندما ينطق أمام الطفل بخطاب عدائي افتراضي إما اتجاه الأم، بتسميتها ب ( لعكوزة ) بدل تسميتها بالجدة أو الأم، أو بخطاب عدائي اتجاه الزوجة ، تؤسس عداوة افتراضية عند الطفل، تدفع به عندما يكبر إلى ممارسة هذه العداوة الافتراضية على مستوى الواقع الفعلي ، وبذلك يعيد إنتاج نفس العلاقة القرابية العدوانية بشكل أشد وقعا نتيجة تثبيتها في الوعي الجمعي المغربي. ثانيا غياب مبدأ احترام الاختلاف بين الذات والآخر في الوعي الجمعي المغربي، فبمجرد أن يختلف الآخر مع الشخص، يتخذ هذا الأخير موقفا عدائيا يصل به إلى درجة الإقصاء ويتحول إلى غريب في مواقفه وسلوكا ته، يختلف تماما عن مفهوم الغريب التي تحدثت عنه «جوليا جريستفاى فالغريب عندها هوالذي يسكننا على نحو غريب بلغته ودينه وثقافته. إن غياب مبدأ احترام الاختلاف بين أم الزوج وبين زوجة الابن، يؤدي إلى اصطدام بينهما، نتيجة الاختلاف بينهما في الأفكار والسلوك والذوق إلى آخره الذي لا تنجح إحداهما في فرض هذا الاختلاف على الأخرى. سمما يؤدي إلى وجود توتر واصطدام بينهما. ثالثا غياب ثقافة التواصل والحوار في الوعي الجمعي المغربي، فبمجرد أن يحدث توتر واصطدام بين الأم والزوجة، تحدث القطيعة بينهما، ولا ترضى إحداهما أن تدخل في تواصل وحوار مع الأخرى، لأن أي تواصل وحوار مع الأخرى يعتبر مسا بكبريائها، مما يعطي فرصة لهذه القطيعة أن تؤجج الاصطدام وتخلق مشاعر الكراهية بينهما. من النتائج السلبية لهذا التوتر والاصطدام والشجار بين الأم وزوجة الابن، ما هو نفسي ومنه ما هو اجتماعي. ففيما يتعلق بالنتائج النفسية على الأسرة، هو أن الجميع يعيش في ديمومة فضاء سيكولوجي متوتر، وعصابي، في أي لحظة هو قابل للانفجار، مما يجعل الجميع يعانون من عصاب القلق. من النتائج النفسية كذلك عدم الاستقرار النفسي، والشعور بالأمان داخل فضاء الأسرة. كذلك من نتائج هذا الصراع هو تسميم العلاقة العاطفية بين الزوجين، يدفع ذلك تدريجيا إلى فتور العلاقة الزوجية العاطفية والجنسية، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نفور من بعضهما البعض. و من نتائج ذلك إحلال مشاعر الكراهية بين الأقرباء مكان مشاعر الحب والمشاركة الوجدانية بينهم. أما في ما يتعلق بالنتائج الاجتماعية السلبية التي يخلفها هذا التوتر والصراع، هو تفكك الروابط الأسرية القرابية، مما يعجل أحيانا في حال وجود عوامل أخرى إلى انهيار البيت الأسري نتيجة الطلاق. من النتائج الاجتماعية السلبية كذلك هو ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع المغربي، مما يفتح الطريق لتنامي الانحراف والجريمة، وهذا يؤثر بشكل كبير على استقرار وتوازن المجتمع. نعم يمكن بالفعل، القضاء على هذا التوتر والصراع، إذا تم فتح قنوات التواصل بشكل دائم بين الأم وزوجة الابن، لأن هذا التواصل سيلغي كل الحواجز النفسية والاجتماعية المعيقة للتفاهم والتراضي، أمافي حال وجود إعاقة نفسية عند أحد الطرفين، فمن الأحسن أن يوجه إلى العلاج النفسي، بشقيه : العلاج السلوكي والإرشاد النفسي والاجتماعي. و هذا لا يتأتى بالطبع إلا إذا كانت شخصية الزوج قوية ، أو اللجوء، إلى الاستعانة بالمجتمع المدني المهتم بقضايا الأسرة.