المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    البطولة: نهضة بركان يبتعد في الصدارة بفوزه على المغرب الفاسي ويوسع الفارق مع أقرب ملاحقيه إلى تسع نقاط    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعات مغرقة في البداوة بالقرب من مراكز حضرية كبرى

مواطنون يقطنون الكهوف والهجرة شتت العائلات بأفقر جماعة
تمتد الجماعات القروية بإقليم ابن سليمان على مساحات شاسعة تتناثر على جغرافيات محظوظة وأخرى جعلت الساكنة تئن تحت وطأة الفقر والتهميش والإقصاء ، ليست الطبيعة وحدها المسؤولة، بل إن المسؤولين الإقليميين حولوا وضع جماعات كبئر النصر وسيدي بطاش إلى حال من العوز، في حين تحظى جماعات أخرى بسخاء المسؤولين الذين يخصصون ميزانيات مهمة لصالح هذه الجماعات كجماعة موالين الواد وعين تيزغة، بينما تعيش أخرى على إيقاع الفضائح والخروقات والتجاوزات كبلديتي المنصورية وبوزنيقة وسوء التسيير والتدبير كبلدية ابن سليمان، فيما استطاعت أخرى الانتقال من جماعة فقيرة إلى جماعة غنية كجماعة الشراط، فكيف تشكل شريط البؤس بهذه الجماعات القريبة من مراكز حضرية كبرى؟.
عبد الكبير اخشيشن
تطل مي عائشة من جحر لم يسلم من التهدم، صورة عميقة من الحزن تختزنها التجاعيد الجافة التي تستوطن جبين هذه المرأة، وهي تتألم من تراكم الماسي، «طاح لي هاذ الحيط أوليدي وما عندي باش نبنيه»، تشكي مليء بالقناعة المفرطة التي يختزنها الأهالي في هذه القرى التي تحيط بمراكز حضرية، تظهر أن ما يحتاجه الأهالي هناك، ليس صعبا، فالإلتفات لأبسط مقومات عيش بسيط، يمكن أن يملأ قلوبهم بالقناعة، لكن عنادا قاسيا من النسيان يجعل حياة الأهالي محشوة بظنك لا يبارح تفاصيل حياتهم.
فلكي يتحرك الأهالي هنا، لايجدون عن وسائل بدائية وسيارات النقل السري (الخطافة) بديلا، لأن وسائل النقل التي تتغذى من اقتصاد الريع، لا يمكن أن تشارك في تخفيف وقع الصعاب، ولأن «الحاجة اللي ما تشبه مولاها احرام» فإن وضع الطرقات والممرات والمسالك تطابق هذا الواقع، وحوافر البغال والحمير وحدها يمكنها تحمل الأخاذيذ المنتشرة والمسالك الوعرة والممرات الضيقة.
في جماعة كسيدي بطاش يقبع الشباب في عزلة قاتلة، تنخره البطالة والفقر المدقع، وتبقى مسارات التمرد على الذات منتصبة في الأفق، فالعديد من الانحرافات في صفوفهم تعكسها وجوههم النحيفة المكسوة بمظاهر الخصاص. صور الإنعكاس الكارثي لهذه الأوضاع ترسمها سيدة بنبرة حزينة، «العيلات أولدي راهم كيقلبو على طرف دلخبز بلحمهم»، وهو صدق مؤلم تعكسه عدد من دور العمالة الجنسية، وهجرة عدد كبير من الفتيات للمراكز الحضرية لاحتراف هذا العمل، لإعالة أسر هزمها الفقر.
انعدام فرص الشغل وتراجع القطاع الفلاحي الذي كان يشكل 90 في المائة من اقتصاد مجموعة من الجماعات، قبل أن يتراجع في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياته بفعل قلة المساعدات المقدمة للفلاحين وهجرة مجموعة منهم إلى المدن المجاورة للاستثمار في مجالات أخرى وحرمان مجموعة من مناطق الجماعة من الاستفادة من الماء الصالح للشرب والإنارة وانعدام مؤسسات التعليم الثانوي مما، والانقطاع الكبير عن الدراسة عند المستوى الإعدادي خصوصا الفتيات منهم، وحرمان جمعيات المجتمع المدني من المنح والوقوف في وجه المساعدات المقدمة للمحتاجين والحيلولة دون وصولها إليهم، ومعاناة السكان مع التطبيب في غياب مستشفى محلي، مما يضطرهم للتنقل إلى المدن المجاورة والمركز الصحي الوحيد بالمنطقة يعاني من الخصاص في التجهيزات والأطر، هي الصورة التي تتكرر في كل تصريحات الساكنة.
المواطنون البسطاء في هذه الجغرافيا الممتدة يحسون ب«الحكرة والغبن» عندما يحرمون من أبسط حقوقهم، وحين تصطدم رغباتهم البسيطة مع ممثلي السلطة تتفاوت نسبة المعقول في التبريرات فالمنع الذي يطالهم عند محاولاتهم القيام بأبسط الإصلاحات في مساكنهم، والتمييز الذي يسمح فيه للمقربين منها، يزيد من حنقهم، يتحدثون بالتفاصيل عن البناء العشوائي فوق الملك العمومي بمركز الجماعة مارسه مستشار جماعي وموظف شبح بالجماعة القروية لسيدي بطاش وغيره من المحتلين للملك العمومي بالمنطقة، يفتح شهيتهم لاستعراض سيل من التشكي حول مشاكلهم مع المكتب الوطني للكهرباء، والتماطل في المصادقة على المشاريع المبرمجة والمقترحة من قبل المجلس الجماعي.
هنا أفقر جماعة بالمغرب
هنا أفقر جماعة بالمغرب. إسمها «بئر النصر» والأهالي يستلطفون هذه التسمية، ويوظفونها في قفشاتهم، «واربحنا بكري فقاع البير» يقول أحد الظرفاء، الأهالي بهذه الرقعة الكادحة، يعيشون حياة بدائية بامتياز، في عزلة تامة عن العالم الخارجي، فالفقر والتهميش والإقصاء والحرمان يصل إلى أقصى درجاته، بفعل ضعف وسائل التنقل وصعوبة المسالك والممرات الطرقية، خصوصا في فصل الشتاء.
تتحول معاناتهم مع وسائل التواصل إلى درجات لم تعد موجودة في كهوف الجبال، بفعل ضعف الشبكة الهاتفية وصعوبة التقاط القنوات التلفزية والإذاعات وغياب التغطية الكهربائية، رغم أن الجماعة سبق لها أن أبرمت سنة 2004 اتفاقية مع المكتب الوطني للكهرباء وقامت بتحويل الدفعة الأولى، لكنها الجماعة الوحيدة بالجهة التي لم تشملها التغطية الكهربائية لحد الآن، ولازال سكانها يعتمدون في الإنارة على وسائل بدائية. فهم يضيؤون ليلهم بالفتائل والزيت والشموع.
يبدو البئر وسط اخضرار الطبيعة كنقطة نظام تشهد عليه شجرة، ملخصا بليغا لحالة التعجب التي يعيشها الأهالي، فالبرغم من الإمتداد الأخضر الذي يكسو المنطقة خصوصا في فصل الربيع، فإن حالة العطش هنا لا ترويها إلا هذه المياه الجوفية على قلتها وملوحتها، وتضاف إلى هذه المعاناة انعدام أدنى الخدمات الضرورية للسكان من مدارس ودور ثقافية وملاعب رياضية، مما يدفع بالأطفال إلى الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة والخروج للبحث عن عمل لمساعدة أبائهم للتغلب على ظروف العيش بالقرى المجاورة أو الرحيل إلى المدن القريبة أو الانحراف.
المسافة الفاصلة بين هذه الجماعة ومراكز كابن سليمان والمحمدية والرباط، ليست كبيرة إلى الحد الذي تجعل السكان يعيشون على إيقاع حياة مفرطة في البدوية، فالزواج بالفاتحة وبدون عقود أوحالة مدنية لازال منتشرا، والكثير من السكان خصوصا في صفوف النساء لازلن بدون بطائق التعريف الوطنية، وحتى المستوصف الوحيد الذي تتوفر عليه الجماعة يحتاج إلى من يعالجه وتغيب عنه كل مستلزمات التداوي والتطبيب، ولا يوجد به إلا ممرض واحد، وتمتنع النساء عن زيارته مكبلات بأعراف محلية. البديل السائد بقوة في مقاومة العلل والأمراض هو الاكتفاء بالتداوي بالأعشاب أو الولادة عن طريق القابلة، فالتداوي حالة اضطرارية، فقط حين يشتد الوجع، في حين يتم ردم الرغبة في التداوي حين تكون النزلة عابرة، وحين تعييهم كل هذه الحيل يضطرون إلى التنقل إلى المدن القريبة للبحث عن طبيبات أو ممرضات للكشف عنهن، إن توفرت لهن الظروف المادية، وقصتهم مع سيارة الإسعاف لا تختلف عن معاناة الأهالي بعدد من القرى، فوصول سيارة إسعاف لإنقاذ مريض في حالة خطر أمر مستحيل.
المصابون بأمراض مزمنة في هذه الجماعة يموتون في أماكنهم، وإن استنفرت قوى العائلة يحتضر المصاب في الطريق، وحكاية سيدة توفيت أثناء مخاض الولادة بسبب تعرضها لنزيف حاد يرددها الأهالي كلما اجتهدوا في تقديم الدليل على تشكيهم.
الشباب الذي يتخذ من جذوع الأشجار ومداخيل حوانيت الجماعة أمكنة للتجمع تحمل نواصيه صورة بليغة على الإحساس باليأس، فلا الأرض التي عاركها الآباء لتربيتهم غدت رحيمة، بعد أن غزاها الجفاف، ولا فرص الشغل ممكنة، لتتحول لغتهم إلى قاموس لحريك خارج الجماعة. «ماكاين مايدار فهاذ لقرينة» يقول رشيد الذي غادر منذ سنوات حجرة الدراسة ليختزل شعورا مشتركا لشباب يرتدي أقمصة نادي برشلونة والرجاء، لكنة عار من الأمل بالعيش في هذه الظروف الصعبة.
إلى جانب الجفاف وغياب سياسة فلاحية ومائية وقلة المساعدات المقدمة للفلاحين ، وعدم وجود آليات ووسائل عصرية لتدبير الأراضي الفلاحية البورية وقلة الموارد المائية والمالية لتحريك عجلة التنمية الفلاحية، دفع العديد من سكانها، خصوصا الرجال منهم إلى السفر إلى مدن أخرى للبحث عن عمل تاركين وراءهم زوجاتهم وأطفالهم، وهو ما عايناه بالقرية ونحن ننجز هذا الاستطلاع، حيث صرح لنا بعض المسنين والشيوخ الذين صادفناهم بمركز الجماعة الذي يعيش هو الآخر أوضاعا مزرية ، بان شمل الأسرة أو العائلة بهذه القرية لا يلم إلا في الأعياد أو ليلة السوق الأسبوعي، بل أن هناك من سكان الجماعة ومع صعوبة العيش بالقرية خصوصا الفلاحين منهم من باع أرضه بثمن بخس ورحل إلى المدينة هربا من قساوة العيش للبحث عن مورد عيش جديد وحياة أفضل.
وبالرغم من توفر جماعة الشراط على مرافق مهمة منها فإن مجموعة من الساكنة لا زالت تعيش حالة العوز توجد بالجماعة مجموعة مدرسية واحدة «مركزية وثلاث فرعيات» وإعدادية انطلقت الدراسة بها خلال الموسم الدراسي الماضي مع توفير النقل المدرسي داخل المدار القروي للفتيات لتشجيع تمدرس الفتاة القروية عبر اتفاقية شراكة موقعة بين جمعية أباء وأولياء تلاميذ مدارس سيدي اخديم والجماعة القروية للشراط وبتعاون مع إحدى الجمعيات الايطالية.
حروب السلطة والجماعات
ليست الطبيعة وحدها من أقست على واقع الأهالي بهذه الجماعات، بل تحول صراع البشر بها إلى عائق، ففي جماعة سيدي بطاش التي عرفت انتفاضة على مجالس محلية، ومنحت الفرصة لأبناء منها دخلوا السجون للدفاع على نزاهة الإنتخابات، لم تعرف نهاية لمشاكلها، فهاهم أعضاء من المجلس الجماعي ومن خلال تصريحاتهم ل«الأحداث المغربية» يتهمون السلطة المحلية بوضعها لمجموعة من العراقيل في وجه تنمية الجماعة اقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، ولعل أبرز هده العراقيل تتمثل في تماطل السلطات الإقليمية في المصادقة على مجموعة من المشاريع والمقترحات التي سبق أن تقدم بها المجلس السابق والحالي وتشجيع السلطة المحلية لظاهرة البناء العشوائي والترامي على الملك العمومي رغم مراسلات الجماعة للعمالة.
وببئر النصر كان أول مشروع أقيم بتراب الجماعة وصرفت عليه مبالغ مالية كبيرة من المال العام، يتعلق بمركب حرفي، لكنه كان مشروعا فاشلا ولا يتماشى مع طبيعة المنطقة، والمتهم في نهاية المطاف هو سوء تقدير ما تحتاجه المنطقة، ولا تزال مجموعة من المشاريع المبرمجة و مقترحات المجلس الجماعي تراوح مكانها في انتظار مصادقة سلطات الوصاية، مما يطرح أكثر من سؤال حول مدى جدية المسؤولين في التعامل مع هذه المشاريع خصوصا عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الجماعات التي يعاني سكانها مع قساوة الطبيعة .
منع التعمير بهذه الجماعة والتماطل في الترخيص للسكان بإصلاح مساكنهم وتوقيف الدعم الذي كانت تمنحه العمالة للجماعة من ميزانية الجهة والمجلس الإقليمي لتهيئ المسالك والطرق، ومنحه لجماعات أخرى لأسباب لا يعلمها إلا المسؤولون الإقليميون المتهمون بوقوفهم في وجه أي مبادرة تنموية بالجماعة، إضافة إلى حرمان الجماعة من موارد مالية كالموقع السياحي (الخطوات) الذي يضم فندقا مهجورا، يمكن أن يكون بنية تحتية سياحية مهمة، هو جزء من هذه القسوة التي تسلط على الأهالي.
وتشكل هذه المعلمة نموذجا لما فعله المسوؤلون بالمنطقة، فالأهالي هنا يتذكرون كيف تم احتلاله من طرف جماعة أخرى بإقليم سطات منذ 1978 بناء على تعليمات شفوية لوزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، كما سبق لرئيس قسم الاستثمار بالجهة أن اعترض على مشروع تجزئة سكنية كانت ستنجز فوق أرض تابعة للأملاك المخزنية، بدعوى أن الجماعة غير مرتبطة بشبكة للتزود بالماء الشروب. وهي التجزئة التي كانت ستكون بديلا للساكنة التي تسكن الأكواخ المبنية الطينية. كما أن المجلس سبق له أن خصص 50 مليون سنتيم من اجل تهيئة مركز صحي بالمنطقة، لكن المشروع فشل بعد أن رفض مندوب الصحة تعيين أطر طبية به رغم وجود اتفاقية مسبقة بين المندوبية والجماعة.
والكل يتذكر ما تعرضت له جماعة الشراط من تعسف بفعل التقطيع الذي اقتطع جماعة الشراط من قبيلة الأعراب وإلحاقها تعسفا بجهة الشاوية / ورديغة، حين تم إحداث عمالة إقليم ابن سليمان سنة 1977 ، وهو ما يعتبره العديد من السكان معيبا وتعسفا ، حيث يفرض عليها الارتباط الإداري بكل من الجهة والعاصمة الإدارية تنقل سكانها بعيدا عن المراكز القريبة والنشيطة وخصوصا الدار البيضاء ويضاعف من معاناة السكان .
دوار شميشة بهذه الجماعة يقدم نموذجا لما تعيشه جماعات كبئر النصر، وهو واقع ساهمت فيه قساوة الطبيعة وتهميش الجهات المسؤولة التي فرضت حصارا على الجماعة خصوصا في الآونة الأخيرة، جعلت صرخات الالسكان والفعاليات للمطالبة بتدخل من طرف الدولة، للحد من معاناة هؤلاء السكان والحد من نزوح أهاليها للمدن، وحتى لا يتحول بعض شباب هده الجماعة التي أصبح منتخبوها يطالبون بالانتماء إلى عمالة الخميسات عوض ابن سليمان بسبب التهميش والإقصاء الذي تتعرض له الجماعة، إلى متطرفين ومنعزلين بسبب غياب أي أفق أمامهم .
تبادل الاتهامات بين المسؤولين لن تحل معاناة الأهالي، وسياسة شد الحبل بين السلطة والمنتخبين تضيع مصالح السكان يوما بعد يوم في أشياء لا ذنب لهم فيها، وقد يتحول غبن السكان إلى توجس من عقاب جماعي، كما يعتقد عدد من سكان الجماعات الذين انتفضوا ضد التزوير، وتحريف إرادتهم الانتخابية لسنة، وهو ما يتطلب حسب، تصريحات من السكان، طي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة خدمة لمصلحة الجماعة وساكنتها ودلك في إطار القانون والاحترام المتبادل عوض تشبث كل طرف بمحاكمة ماضي الآخر.
تفاوتات في استثمار الإمكانات الطبيعية
إذا كانت جماعات الإقليم تحتضن إمكانيات طبيعية هائلة سواء على المستوي الفلاحي أو السياحي، فإن تدبيرها يتفاوتت من منطقة إلى أخري، مشاكل الجماعة القروية لسيدي بطاش كثيرة، لكن الملاحظ أيضا أنها تتوفر على مؤهلات طبيعية جد مهمة وموارد قارة، لكن الاستغلال غير العقلاني لهذه الموارد من ممتلكات الجماعة والدولة ، المشكلة من أراضي وعقارات وملك غابوي وأراضي فلاحية مسترجعة شاسعة، ساهم إلى جانب الصراع المتجدد بين السلطة والمنتخبين وغياب الابتكار والتفكير الجيد في تأهيل الإنسان قبل الثروة في تردي أوضاعها وهجرة سكانها ولعل النمو الديموغرافي المتوقف بها مند سنوات خير دليل على ذلك.
وبجماعة الشراط يمكن الوقوف على نقط ضوء عديدة، فبعدما كانت الجماعة القروية «شراط حاليا، سيدي اخديم سابقا» تعيش على إعانات الدولة وتعتبر أفقر جماعة على صعيد جهة الشاوية / ورديغة، أصبحت الجماعة اليوم وبعد مرور 18 سنة على إحداثها وفصلها عن الجماعة الأم بوزنيقة إبان التقطيع الانتخابي لسنة 1992، في وضعية ايجابية بفضل مؤهلاتها الطبيعية وثرواتها، إلا أن التقسيم الترابي يعتبره مجموعة من السكان في تصريحاتهم ل«الأحداث المغربية» معيبا ويخلق مشاكل جمة لسكان الجماعة.
وإلى جانب الإمكانيات السياحية للجماعة تعتبر الفلاحة السمة الغالبة على نشاط السكان وقد ساعد على إضفاء الصبغة الفلاحية على نشاط السكان وجود أراضي منبسطة وصالحة للزراعة تمثل تقريبا 95 في المائة من الرقعة الترابية للجماعة، كما يعتمد سكان الجماعة على تربية المواشي التي توازي نشاطهم الفلاحي حيث انخرط السكان في تعاونيات لجمع الحليب وتعاونيات فلاحية للإصلاح الزراعي ومركز للأشغال الفلاحية.
وتشكل المنتجات الفلاحية بالمنطقة تفردا كإنتاج العنب إلى جانب الحبوب التي تغطي مساحة تقدر بحوالي 4000هكتار والخضروات على اختلاف أنواعها، وتغطي الكروم مساحة مهمة من الأراضي الفلاحية وتصل إلى حوالي 1200هكتار وتبقى من أهم المنتجات الأكثر مردودية حيث اختيرت الجماعة لتكون مقرا لتنظيم المهرجان السنوي للعنب على صعيد جهة الشاوية / ورديغة .
الجماعة القروية للشراط استفادت بفعل انخراطها المبكر في البرنامج الشامل للكهربة القروية من نسبة التغطية حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجماعة والمكتب الوطني للكهرباء توصلت الجريدة بنسخ منها، إلي حوالي 98 في المائة بنسبة ضئيلة لوكالة ريضال، أما بالنسبة للماء الصالح للشرب فتخترق الجماعة قنوات المياه الرئيسية لمدينة الدارالبيضاء وغيرها انطلاقا من محطتي أبي رقراق والفوارات ويعتمد السكان في التزود بالماء على مجموعة من السقايات العمومية ومياه الآبار، كما توجد قيد الدرس من طرف المصالح المختصة مسألة إحداث محطة لتصفية المياه العادمة وكيفية معالجة التطهير مستقبلا .
وبجماعة بئر النصر تبدو الأراضي الفلاحية الممتدة تعاني حكرة من نوع خاص، فبالرغم من الإمتداد الكبير لهذه الأراضي، والتي يمكن أن تسمح بنشاط فلاحي مميز إلا أن سكان الجماعة القروية لبئر النصر يعيشون حياة بدائية بامتياز في عزلة تامة عن العالم الخارجي، حيث يمثل الفقر والتهميش والإقصاء والحرمان أقصى درجاته، بفعل قلة وسائل النقل وصعوبة المسالك والممرات الطرقية خصوصا في فصل الشتاء، وضعف الشبكة الهاتفية وصعوبة التقاط القنوات التلفزية والإذاعات وغياب التغطية الكهربائية رغم أن الجماعة سبق لها أن أبرمت سنة 2004 اتفاقية مع المكتب الوطني للكهرباء وقامت بتحويل الدفعة الأولى، إذ تعد الجماعة الوحيدة بالجهة التي لم تشملها التغطية الكهربائية لحد الآن ولازال سكانها يعتمدون في الإنارة على وسائل بدائية من قبيل الفتايل والزيت والشموع، وقلة الموارد المائية بسبب غياب سياسة مائية مما جعل الأراضي الفلاحية بها عرضة للتصحر.
دراسة ميدانية أجرتها الوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية سنة 2003 تؤكد الواقع المزري الذي تعيشه وتتخبط فيه ساكنة قرية بئر النصر، وتبين انه بناءا على مؤشرات اقتصادية واجتماعية وزيارات ميدانية، إن الجماعة تفتقر إلى معظم البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، وتعد أفقر جماعة بالجهة تليها جماعة أحلاف بنفس الإقليم .
أما الإحصاء الأخير فقد صنف جماعة بئر النصر ضمن 360 جماعة تعاني من الهشاشة الاجتماعية وانعدام البنيات التحتية الأساسية، وهو الشيء الذي لم تعره السلطات أي اهتمام
«الغالب الله هذا حالنا ومابيدينا مانديرو، اللي عطا الله والسوق هانتما كاتشوفوا فيه، كون عدنا باش نديروا كون درنا»، هذه العبارات يرددها سكان العديد من الجماعات، وقد تجد نفس النبرة لدى ممثليهم بالمجلس، فهم يطالبون الجهات المسؤولة إقليميا ومركزيا من خلال مجموعة من التصريحات للجريدة بإيلاء جماعتهم العناية والاهتمام لكي لاتصبح في يوم من الأيام جماعة بدون سكان.
بين هذه الجماعة وتلك، يحاول الأهالي بمختلف الجماعات الصغيرة بهذا الإقليم الغني، التغلب على الصعاب بكثير من التحمل والعنث، والمطلوب هو أن يلتفت أبناؤها من المتعلمين والأغنياء والمسؤولين والمنتخبين، إلى أن مجهودا مسؤولا، وتطوعا نبيلا، يمكن أن يغير الوجه العبوس لبعض منها، كما يمكن أن يوسع من ابتسامة البعض منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.