بإزالة صفة قداسة الملك من الدستور، تنفتح أبواب واسعة أمام دولة القانون في المغرب. إنه واحد من المستجدات الثورية في مشروع الدستور المعروض للاستفتاء؟. والتي تأتي لتنسجم مع التنصيص الدستوري على ربط المسؤولية بالمحاسبة. منذ الإستقلال إلى حدود اليوم،لم يكن ممكنا الطعن في الظهائر الملكية ذات المضمون الإداري أمام المحاكم الإدارية ،و لاأحد يمكنه الطعن في عدم دستورية قرارات ملكية قد تبدو غير مستجيبة للإجراءات الدستورية. أما في مشروع الدستور، فالقرارات الملكية قابلة للطعن أمام المحكمة الآدارية، وأمام المحكمة الدستورية. تعود الحكاية إلى سنة 1962 حيث عمل واضعو الدستور على تكريس قداسة الملك، أولا من خلال دسترة وضعية الملك بوصفه أميرا للمؤمنين بموجب الفصل 19 الذي أسس لمفهوم « القداسة الروحية لشخص الملك» بالتوازي مع التنصيص على تمثليته السامية للأمة في دستور 1972، وثانيا من خلال التكريس الصريح للقداسة الملكية من خلال الفصل 23 من الدستور الذي أكد على أن «شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته». التنصيص على صفة القداسة في الوثيقة الدستورية كانت له اثار قانونية وقضائية، في ظل ممارسة ملكية تنفيذية تتولي تسيير شؤون الدولة بشكل مباشر ووفق سلطات مطلقة يعطيها لها الدستور، وكما يقول أحد الباحثين أصبحت الظهائر الملكية، «تتمتع بنفس العصمة التي تتمتع بها الجهة التي يصدر عنها، وتعتبر سارية المفعول وتجري عليها تبعا لذلك صفة القداسة، ولا يمكن الطعن فيها أمام أية محكمة مهما كانت درجتها، والحصانة القانونية التي يتمتع بها الظهير تحيل على خاصية رئيسية هي الحصانة المطلقة، والحاصل هو أن الظهير قرار مقدس له صلاحيات واسعة». بتاريخ 18 يونيو 1960 قضت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قضية «عبد الحميد الروندا»، بأنها غير مختصة للفصل في القضايا المتعلقة بالطعن في ظهائر ملكية بدعوى عدم صدورها عن سلطة إدارية بالمفهوم الذي ينص عليه الفصل الأول من ظهير تأسيس المجلس الأعلى، وعشر سنوات بعد ذلك قضت نفس الغرفة في الحكم المتعلق بالشركة الفلاحية لمزرعة عبد العزيز بتاريخ 20 مارس 1970، بأن القرارات الملكية غير قابلة للطعن طالما أن الدستور لم يعهد إلى هيئة معينة بالنظر في الطعون المقدمة ضد هذه القرارات. « وحيث إن جلالة الملك يمارس اختصاصاته الدستورية بوصفه أمير المؤمنين طبقا للفصل 19 من الدستور » في الدستور الجديد يمكن للملك في حالة حالة الاستثناء اتخاذ قرارات إدارية في شكل ظهير، كما أنه يصدر ظهائر في إطار ممارسته لمهامه السياسية تعتبر مستثناة من مسطرة التوقيع بالعطف، فهل يمكن ، في حال مخالفتها للمساطر الدستورية أو للإجراءات لقانونية الطعن بعدم دستوريتها أمام المحكمة الآدارية، أو أمام المحكمة الدستورية؟ يجيب أحد الخبراء الدستوريين قائلا في تصريح للأحداث المغربية «للقضاء اليوم إمكانية الرقابة على القرارات الملكية، فالقرار يبرر بمضمونه وليس بالجهة التي صدر عنها. إن مشروع الدستور يتجاوز تجربة الستينات والسبعينات التي اعتمدت عدم قابلية القرارات الملكية للطعن»، ويضيف قائلا «اليوم كل شيء في الدستور ولا شيئ خارجه، فهو الذي يحدد جميع الصلاحيات، هذه هي القطيعة الكبرى، وهذا هو المدخل الأساسي إلي دولة القانون» وتفيد المساطر القضائية، أنه يمكن لأي متضرر من ظهير ملكي بمضمون إداري أن يطعن فيه أمام القضاء الاداري وفق مسطرة الطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة، كما يمكن للمحكمة الدستورية البث في ظهائر ملكية لم تحترم الإجراءات المنصوص عليها في الدستور ، ويمكن للمواطنين وفق مسطرة العرائض الطعن في ظهير ملكي أمام المحكمة الدستورية. لكن ما الذي يضمن في مشروع الدستور هذه المكتسبات القانونية والقضائية في ظل غياب نص صريح يؤكد على قابلية القرارات الملكية للطعن؟، في الجواب عن هذا السؤال، يمكن رصد خمس ضمانات أساسية: 1 -الفصل بين صفة أمير المؤمنين، وصفة الملك رئيس الدولة، ذلك أن مشروع الدستور يحصر الصفة الأولى في ممارسة الصلاحيات الدينية للملك. والخاصة بتدبير الحقل الديني. في حين أن صلاحيات الملك كرئيس للدولة تمارس بمقتضى ظهائر تحمل التوقيع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، وهو ما يجعلها موضوعة قيد المساءلة حسب التعريف الفقهي الدستوري لمفهوم التوقيع بالعطف 2-التنصيص الدستوري على ربط المسؤولية بالمحاسبة، و إلغاء الفصل 23 الذي كان ينص على أن الملك مقدس وتعويضه بالفصل 46 الذي صار ينص فقط على أن «شخص الملك لا تنتهك حرمته, وللملك واجب التوقير والاحترام»، 3- كانت الغرفة الآدارية للمجلس الأعلى تعتبر القضاء «من وظائف الإمامة، ومدرج في عمومها وأن للقاضي نيابة عن الإمام، والأحكام تصدر وتنفذ باسم جلالته» ، في حين ينص الدستور الجديد على أن «السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية» وأن الملك مجرد «ضامن لاستقلال السلطة القضائية» 4- يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية, ومع ذلك ينص مشروع الدستور على أن «المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية, الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة, أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة» كما ينص الفصل 118 على أن «كل قرار اتخذ في المجال الإداري, سواء كان تنظيميا أو فرديا, يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة». 5- ينص الفصل 133 على أن المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية, وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون, الذي سيطبق في النزاع, يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يونس دافقير