يكتبها كل اثنين: محمد البريني هل تنجح تونس في جمع شمل رؤساء الدول المغاربية خلال شهر أكتوبر المقبل؟ الاتفاق المبدئي حاصل بين وزراء الخارجية الذين عقدوا مجلسهم يوم 9 ماي بالرباط. لكن الاتفاق ليس نهائيا، إنه مجرد اتفاق مبدئي، سوف يتطلب إجراء مشاورات بين الرؤساء، وجدول الأعمال لا يزال، هو الآخر، لم يحدد بعد. هل اتفاق وزراء الخارجية جدي، مفكر فيه، حائز على مصداقية رؤسائهم، ونابع من إرادة حقيقية لعقد لقاء مغاربي على مستوى القمة، أم أنه مجرد إعلان مجاملة، لكي يظهر كل واحد أنه ما يزال مشتبعا بفكرة اتحاد مغاربي، أو لكي يرضي تونس التي كانت المبادرة للدعوة لعقد قمة مغاربية فوق ترابها؟ من الصعب التصديق بأن مشروع لقاء من هذا المستوى يملك حظوظا كافية لكي يتحقق. لماذا؟ أسباب الشك كثيرة، وأولها الظرفية الحالية التي تتميز بتصعيد مقصود للعداء الجزائري ضد المغرب. إعادة «انتخاب» عبد العزيز بوتفليقة مؤشر على استمرار نفس سياسة العداء. تأكد هذا التوجه في التشكيلة الحكومية التي نصبها بوتفليقة. الوزراء الذين تم الاحتفاظ بهم في نفس المناصب على رأس ما يسمى ب«وزارات السيادة»، هم أولائك الذين كانوا مكلفين بقيادة سياسة تصعيد التوتر مع بالمغرب. لا يتعلق الأمر بقضية الصحراء فقط. فموقف النظام الجزائري من وحدتنا الترابية، لم يتغير منذ عهد هواري بومدين. كان من الممكن أن يحصل التغيير في ذلك الموقف، وأن تتم مصالحة تاريخية بين البلدين، لو لم تنجح مؤامرة اغتيال محمد بوضياف في بداية التسعينيات. إن قتل ذلك الرجل المؤمن الصادق بوحدة مصير المغرب والجزائر، كان، في نفس الوقت، قتلا للروح المغاربية، فمحرك المؤامرة ضد محمد بوضياف، الذي نودي عليه من منفاه المغربي لكي ينقد الجزائر من الهزات العنيفة التي تعرضت لها في بداية التسعينيات (ما زالت تعاني من تداعيات تلك الهزات إلى اليوم)، كان هو إجهاض مشروعه الرامي إلى تحرير الجزائر من الحكم العسكري، وإلى الاعتراف بمغربية الصحراء، فكانت النتيجة هي إجهاض مشروع معاهدة «اتحاد المغرب العربي» المعلن عنها في قمة مراكش الخماسية. قد يراهن من يحتفظ بالأمل في حدوث تغيير في الموقف الجزائري تجاه المغرب، على العهدة الحالية لبوتفليقة. فالرئيس الجزائري يعلم أن هذه هي آخر ولاية له في الحكم، وبالتالي فليس له ما يخسره إن هو اتخذ قرارات جريئة، تقطع مع السياسة العدائية الماضية، وتضع لبنات جديدة لعلاقات مغربية جزائرية، تفتح الطريق نحو البناء المغاربي. لابد أن يكون أول هذه الإجراءات هو التراجع عن دعم الانفصال، إذ لا يمكن إنجاز مشروع الوحدة المغاربية ما دامت الجزائر لم تضع حدا لحربها ضد وحدة المغرب الترابية. كان من الممكن أن يراودنا هذا الحلم لو كان رئيس الجمهورية الجزائري مؤسسة مستقلة تملك صلاحيات تحديد اختيارات سياستها ووسائل تنفيذها، ولو كان الرئيس شخصا آخر غير عبد العزيز بوتفليقة. عبد العزيز بوتفليقة هو من وضع، رفقة الراحل هواري بومدين، سياسة الجزائر تجاه المغرب، وحددا لها أهدافها، التي تتلخص في أن الجزائر يجب أن تكون هي القوة المهيمنة في المنطقة، وبما أن المغرب هو المؤهل، حسب فهمها، لمنافستها، فيجب العمل على إضعافه حتى يصبح تابعا، لا منافسا. انطلق تفعيل هذه السياسة بالتشجيع على إضعاف النظام المغربي، بل بالحلم بتغييره بنظام قريب ومشابه للنظام القائم في الجزائر. بعد فشل هذه الخطة، جاءت قضية الصحراء، فانقض عليها نظام بومدين وبوتفليقة، وجعلوا منها أذاتهما لتنفيذ استراتيجية إضعاف المغرب، والتوسع على حسابه، ثم الانفراد بباقي دول المنطقة المغاربية لجمعها في اتحاد تكون الجزائر هي قائدته والمتحكمة فيه. العداء للمغرب، وحلم الهيمنة الإقليمية ظلا العمود الفقري للسياسة الخارجية والإقليمية للنظام الجزائري. لم تستطع كل التحولات التي طرأت على العالم وعلى المنطقة تغييرها. ما يتغير هو الأسلوب والطريقة المعتمدان في تصريف وتدبير تلك السياسة. فيما يتعلق بالمغرب، أدخل عهد بوتفليقة عناصر إضافية لتغذية التأزم، وتأبيده. أغلق الباب في وجه كل المبادرات المغربية من أجل إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين. وضع كل الحواجز التي يتوفر عليها لحرمان الشعبين من التلاقي وصلة الرحم. صحيح أن المغرب ارتكب خطأ عندما قرر، بإيعاز من إدريس البصري، فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين عقب أحداث مراكش الإرهابية عام 1994، لكنه قام بإصلاح ذلك الخطأ، وألغى التأشيرة من طرف واحد، وأعلن غير ما مرة عن الرغبة في إعادة فتح الحدود. لكن نظام بوتفليقة ظل مصرا على التفريق بين الشعبين، لعله خشي أن يؤدي تدفق المواطنين الجزائريين على المغرب، إلى قيامهم بالمقارنة بين ظروف الحياة هنا، وشظف العيش هناك، حيث يعاني المواطن الجزائري من النقص من كل شيء، ولعله، أيضا، يتوهم أن استمرار إغلاق الحدود سوف يخنق المغرب اقتصاديا (خاصة المنطقة الشرقية)، وأن ذلك يشكل وسيلة ضغط تجعله يخضع للابتزاز الجزائري. في هذه الأثناء، لا يخجل نظام عبد العزيز بوتفليقة من تحميل المغرب جميع المشاكل التي تعاني منها بلاده: فالمغرب هو المسؤول عن استمرار معاناة الجزائر من الإرهاب، وهو المسؤول عن التهريب، وعن الهجرة السرية، وعن الحركات الاحتجاجية التي تشهدها بعض المناطق الجزائرية، وهو الذي يغذي نشاط الحركة الأمازيغية، ويحرضها على المضي في مطالبها. حول نظام بوتفليقة وسائل الإعلام الجزائرية، الرسمية والخاصة، إلى فرق كومندو للترويج لهذه الخرافات، في حين أن المغرب هو من تأتيه المشاكل من حدوده الشرقية، مثل حبوب «القرقوبي» التي تغرق بها الجزائر أسواق المخدرات، والتي تحول الشباب إلى قتلة، وتتسبب في ارتفاع جرائم العنف، وكذلك تدفق المهاجرين السريين القادمين من سوريا ومن جنوب الصحراء…الخ. مَن هذه هي سياسته، هل ينتظر منه أن يتحمس للمشاركة في قمة تكسر حالة الجمود، وتتجاوز وضعية الانغلاق، وترسخ الحوار؟ لا توجد، حاليا، لدى النظام الجزائري أية رغبة لبناء وحدة مغاربية يكون المغرب أحد أعمدتها. النظام الجزائري عارض حضور المغرب في ملتقيات دولية تهم الأمن والسلم في الفضاء الذي يضمهما معا، واستاء استياء كبيرا من مساهمة بلادنا في السعي نحو حل المشاكل التي يعاني منها مالي، وناور للتشويش على علاقاتها بجيرانها الجنوبيين… من يبني سياسته على خلق الشقاق والتفرقة بين الأشقاء والجيران، لا يتحول، فجأة، إلى مدافع عن الوحدة. واهم من يعتقد غير ذلك. الخلاصة هي أن عبد العزيز بوتفليقة، الذي لا يملك القدرة على الحركة، ولا على الكلام، لن يكلف نفسه الانتقال إلى تونس. نعم، له قدرة خارقة على النفاق والتمثيل، لكن ذلك لن يذهب به حد الحضور في قمة قد يفهم من مشاركته فيها أنه على استعداد لتطبيع علاقاته مع جاره الغربي. وعليه، فإذا كانت دول تونس وليبيا وموريتانيا والمغرب صادقة في نواياها، ولديها رغبة حقيقية في بناء اتحاد مغاربي، يخدم مصالح كل شعوبه، فإنه من المستبعد أن تنخرط الفئة الحاكمة حاليا في الجزائر في هذا المشروع الانخراط النزيه والخالي من نوايا الهيمنة. سوف تظل النداءات تصدر من العواصم الأربعة، لكنها لن تلقى الصدى الإيجابي والصادق في قصر المرادية، إلا بعد أن تتحول الجزائر إلى دولة مؤسسات ديموقراطية، وتغير سلوك التعالي تجاه جيرانها وفرقائها في الفضاء المغاربي، وتتخلى عن طموحاتها الهيمنية. [email protected] elberini.blogspot.com