تواتر التقارير الدولية المنتقدة لوضعية حقوق الإنسان في المغرب يثير قلق الحكومة المغربية، فبعد الانتقادات الدولية لواقع حرية الصحافة وتقرير منظمة العفو الدولية الذي يتهم السلطات المغربية بممارسة التعذيب، ساد جو من الغضب أشغال المجلس الحكومي المنعقد أول أمس الخميس بالرباط، بسبب ما يعتبره رئيس الحكومة تقارير منحازة تشوه صورة المغرب. في بداية أشغال مجلس الحكومة، قال عبد الإله بن كيران إن المغرب يرفض "التصنيفات المجحفة" في حقه، الواردة في التقارير التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، ولاسيما في مجال حرية الصحافة والتقرير حول التعذيب. وأضاف رئيس الحكومة أن "المغرب بقدر ما هو مستعد للاعتراف بالأخطاء التي قد تعتري كل عمل عمومي واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها، بقدر ما يرفض بقوة التصنيفات المجحفة للمملكة في التقارير الدولية التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، والتي تثير عدة تساؤلات حول المنهجية المتبعة، والمعايير المعتمدة والتناقضات الحاصلة". وبلهجة استغراب قال رئيس الحكومة إنه من "المستغرب أن هذه التقارير لم تأخذ بعين الاعتبار التطور الملموس الحاصل على أرض الواقع وعلى مستوى التشريعات والمؤسسات"، مؤكدا في هذا السياق عزم الحكومة على "التصدي بقوة للمحاولات المتخذة بطريقة منحازة لتشويه صورة بلادنا". لكن يبدو أن تقرير أمنسي الدولية حول ممارسة التعذيب بالمغرب هو ما فجر الغضب الحكومي على تقارير المنظمات الدولية ، فقد أفردت الحكومة لتقريرها الأخير بيانا مفصلا يكاد يكون الأول من نوعه الذي ترد به الحكومة على منظمة دولية أجنبية، خصوصا وأنه يتزامن مع شكاية مرفوعة في فرنسا تتهم مسؤولا مغربيا رفيع المستوى بالتورط في أعمال تعذيب، ما خلق أزمة دبلوماسية بين الرباط وباريس لاتزال تداعياتها متواصلة حتى الآن. بهذا الخصوص أعربت الحكومة عن "أسفها لعدم صدقية وموضوعية تقرير منظمة العفو الدولية حول التعذيب" و "الذي ذهب إلى حد تبخيس ما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة في هذا المجال". وأضافت الحكومة في بيان صدر عقب اجتماع لمجلسها ، أنه كان على منظمة العفو الدولية "التأكد من المعطيات التي تم الإعلان عنها، وعدم إطلاق الأحكام المتسرعة قبل القيام بالمجهود المطلوب للتحليل الموضوعي والمنصف لكل المنجزات والمكتسبات"، خاصة وأن التقرير "ذهب إلى حد تبخيس ما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة التي أضحت نموذجا ضمن خمسة نماذج مرجعية على الصعيد الدولي" وأشار المصدر ذاته إلى أن الحالتين الواردتين في التقرير تهمان سنتي 2012 و2013 وسبق التحري بشأنهما، "حيث لم يثبت ما تم ادعاؤه من تعذيب"، وأكد أن الحالتين ما زالتا معروضتين على القضاء ، مشددا على أن "أية حالة تعذيب مدعاة ستخضع للبحث والتحري الصارم والزجر اللازم في إطار ما يقضي به القانون". ولفت البيان في المقابل إلى أن اختيار منظمة العفو الدولية المغرب لإطلاق حملتها الدولية للقضاء على التعذيب من ضمن خمس دول اعتبرت أنها تحمل آمالا قابلة للإنجاز في هذا المجال، ، على مستوى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يشكل في حد ذاته اعترافا بالإصلاحات والجهود المبذولة من طرف المملكة في مجال مناهضة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب. وذكر البيان في هذا السياق، أن المملكة المغربية، وتبعا لخيارها الاستراتيجي الذي لا رجعة فيه في مجال حقوق الإنسان وجهودها المبذولة في النهوض بها والنتائج التي راكمتها، وعملها المتواصل في توطيد الحقوق والحريات، لم تكتف بملاءمة قانونها مع الاتفاقية الدولية الخاصة بالتعذيب، بل صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق بهذه الاتفاقية، وفتحت السجون ومخافر الشرطة أمام المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة لإجراء الأبحاث الممكنة حول الموضوع. وأبرز البيان أن ذلك يأتي إيمانا من المغرب بأهمية الآليات الدولية في مواكبة التطورات الحقوقية الإيجابية الملموسة، ويبرهن على أن المملكة متأكدة من إيجابية سجلها الحقوقي، وأهمية منجزاتها على هذا الصعيد.وأكدت الحكومة في هذا البيان عزمها على تعزيز الجهود والإصلاحات المهيكلة التي انخرطت فيها بصورة متواصلة، بما في ذلك تلك المتعلقة بإصلاح منظومة العدالة، وتعزيز الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان بشكل عام، وعلى الخصوص الوقاية من التعذيب.كما أكدت الحكومة مواصلة تفاعلها مع آليات الأممالمتحدة بما في ذلك لجنة مناهضة التعذيب والمقرر الخاص بهذا الشأن وغيرها، مضيفة أن انفتاحها وتفاعلها مع كافة منظمات المجتمع المدني الفاعلة، سواء منها الوطنية أو الدولية، سيظل مستمرا ومثمرا.