ليلة حزينة عاشها درب بن عبد الكريم بحي الشرابليين في قلب المدينة العتيقة بفاس. أجواء الحزن والأسى استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل... عويل يخترق سكون الليل وحزن يثير الرهبة والألم ودموع حارة تذرفها النساء على المفقودين وأطفال حفاة يهرولون في كل اتجاه بدل أن يكونوا في تلك اللحظة غارقين في نوم هادئ خرجوا مذعورين صوب الدروب المظلمة والضيقة ... أنقاض البناية المنهارة تغطي مساحة هامة من الأزقة المجاورة، وسحابة داكنة من الغبار تحجب مصابيح الإنارة الخافتة... شباب بحت أصواتهم طلبا للنجدة والدعم، الكل يريد أن يتقدم في اتجاه المنزل المنهار تطوعا لانتشال القتلى والمصابين من تحت الأنقاض. هلع وارتباك خيما على المكان للحظات طويلة قبل أن تحضر عناصر الأمن والوقاية المدنية حزام من القوات العمومية طوقوا موقع الحادث ومنعوا السكان الذين كان أغلبهم في ثياب النوم من الاقتراب، بينما أصر بعض الشباب على المشاركة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لذلك حصلت مناوشات بينهم وبين عناصر الأمن. «واش هذ المخزن في خدمة الناس أو ضدهم؟ حنا جينا مطوعين باش نقذوا عباد الله والأمن كيمنعنا. فين هو التضامن» يصيح حسن شاب في 25 سنة من عمره بنظرة غاضبة. رجال الإنقاذ ظلوا يسارعون الوقت لإخراج الضحايا من تحت الأنقاض العملية استغرقت أكثر من خمس ساعات متتالية ومع توالي الوقت يتضاءل الأمل في العثور على أحياء أربعة قتلى (سيدة في 35 سنة من عمرها وثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 3 و12 سنة تم انتشال جثثهم على فترات متفاوتة من تحت الأنقاض بينما تم إخراج ستة مصابين على قيد الحياة على دفعات أيضا، وعند إخراج كل مصاب منهم تتعالى أصوات التكبير والمطالبة بفتح الطريق لنقله على وجه الاستعجال إلى المستشفى... الأنقاض بدت ضخمة بالمقارنة مع بطء التدخل من طرف الوقاية المدنية والشباب المتطوع. لا أحد كان يعرف في تلك اللحظات كم عدد الأشخاص مازالوا مدفونين تحت «الردم» لكن ما كان مؤكدا أن جميع أفراد الأسرتين المقيمتين بطابقي المنزل المنهار هوت عليهما الأنقاض وظل مصيرهم مجهولا. تقول سيدة في 40 من عمرها من جيران الضحايا «راه شي عشرة ديال النفوس كانوا داخل المنزل قدر عليهم الله هاد المكتوب، لو كانوا عارفين هاد المصاب غدي يوقع لكانوا هربوا من الدار منذ مدة طويلة». الحادث وقع في حدود الحادية عشرة ليلا تقريبا حسب عون سلطة، كما أن الانهيار لم يحصل دفعة واحدة، بل هوى المنزل على ثلاث دفعات وبين كل انهيار وآخر دقيقتين إلى ثلاث، ولذلك استطاع بعض أفراد الأسرتين (ثلاثة أشخاص) الإفلات بجلدهم في آخر لحظة شهود عيان من جيران الضحايا حكوا بأسى بالغ كيف سمعوا دوي الانهيار في سكون الليل وكيف اهتزت البنايات القريبة فتخيلوا أن نفس المصير في انتظارهم كذلك.