بعد خمس سنوات من البحث والتحقيق والجلسات العمومية في ملف شد أنفاس المكناسيين، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمكناس فجر أول أمس الثلاثاء حكمها في قضية الأم السفاحة التي قتلت ابنيها بمكناس، والتي توبع فيها ثلاثة متهمين من أجل المساهمة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق المتهمة الرئيسية "الأم"، والمشاركة في ذلك في حق ابنها الثالث وخليلها الذي أضيفت له جنحة الفساد، حيث أدانت المتهمة الأولى "فاطمة" والبالغ عمرها 62 سنة بالسجن المؤبد بعد إعادة تكييف المتابعة إلى جناية القتل العمد، وقضت بالسجن النافذ لمدة شهرين في حق خليلها بعدما آخذته من أجل جنحة الفساد، وبرأته وابن المتهمة الثاني "الابن" من باقي التهم الأخرى. وتعود تفاصيل هذا الملف الذي استأثر باهتمام بالغ من قبل الرأي العام المحلي بمكناس إلى العاشر من شهر يوليوز من سنة 2009، حين اهتزت العاصمة الإسماعيلية على وقع خبر العثور على أشلاء بشرية داخل حقائب بالقرب من حمامين بحي الزرهونية بمكناس وأماكن أخرى متفرقة، فانتشر حينها الخبر كالنار في الهشيم، وتوالدت حينها العديد من الإشاعات التي أدخلت الرعب في نفوس المكناسيين، قبل أن ينجح رجال الشرطة في فك لغز الجريمة والكشف عن حقيقة ذلك. وكانت عناصر الشرطة القضائية وكذا تقنيو مسرح الجريمة التابعون للمصالح الولائية للشرطة القضائية بمكناس قد حلوا حينها إلى مكان العثور على تلك الأشلاء البشرية، فأجروا تحريات وأبحاث محيطية دقيقة، مكنتهم من الوصول في وقت وجيز جدا إلى المشتبه فيهم، ويتعلق الأمر بأم الضحيتين "ف.و"، وابنها "ي.م" وخليلها "أ.ز"، حيث وضع المتهمون الثلاثة رهن الحراسة النظرية، وخضعوا لتحقيق مفصل ودقيق، باشره كبار مسؤولي الأمن بمكناس، وقد روت المتهمة الرئيسية في تصريحها لدى الضابطة القضائية أنها خرجت من المنزل بعدما اعتدى عليها ابنها نبيل، وذهبت إلى منزل خليلها، وتركت ابنها نبيل وشقيقته نوال وهما يعاقران الخمر، ولدى عودتها إلى المنزل مساء، اكتشفت أن ابنها "نبيل" البالغ من العمر 31 سنة قام بقتل شقيقته نوال "27 سنة"، ومزق جثتها ووضع أجزاءها داخل أكياس بلاستيكية، فلم تتمالك حينها الأم فاطمة نفسها، وهوت على رأسه بعصا غليظة أفقدته الوعي، فحملته حينها إلى حوض الاستحمام، وشرعت في تقطيع جثته إربا إربا، مثلما قطعت جثت ابنتها "نوال"، ثم وضعت الأطراف داخل حقائب السفر، وأفرغت جثتي ابنيها من الأحشاء، وألقت بها في مجاري المياه، مستعينة في ذلك بمادة "الماء القاطع" لتسهيل عملية التخلص من الأحشاء وجعلها تنساب داخل المجاري بكل سهولة وسلاسة، بعدها قامت الأم في محاولة يائسة منها للتخلص من الجثتين، بوضع الحقائب المذكورة داخل عربات القطار، وبمحاذاة حمام وموضع رمي النفايات والأزبال بالقرب من منزلها بحي الزرهونية بمكناس. وعند استنطاقها من قبل قاضي التحقيق، تراجعت "فاطمة" عن كل اعترافاتها التمهيدية، وصرحت أن لا علاقة لها بمقتل ابنيها "نبيل ونوال"، وسردت على مسامع قاضي التحقيق رواية جديدة، قالت فيها أن عصابة متخصصة في الاتجار في المخدرات والدعارة وتهجير الفتيات إلى الخليج أرسلت أفرادها للانتقام من ابنتها التي كانت تربطها علاقة بذات العصابة، موجهة شكوكها لشخصين أحدهما من البحرين والآخر من المملكة العربية السعودية، وأنها فوجئت بوجود الخليجيين المذكورين ومعهما شخص مغربي، طلبوا منها اقتناء حقائب، وأخبروها أن ابنيها ذهبا لقضاء بعض المآرب وأنهما سيعودان، وكلفوها بحمل حقيبتين إلى مدينتي سيدي قاسم والقنيطرة رفقة الشخص المغربي، مهددين إياها بتوريط أبنائها إن هي رفضت تلبية الطلب، ظنا منها أن الحقائب تحتوي على المخدرات، نافية أية علاقة لها بالحقائب الأخرى التي تم العثور عليها بالقرب من الحمامين وموضع رمي النفايات بالزرهونية. وكانت المتهمة فاطمة قد حلت رفقة العشرات من رجال الأمن، وبحضور نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمكناس بمنزل ابنتها نوال، لإعادة تمثيل الجريمة، وحكت حينها كل تفاصيل جريمتها النكراء، وقالت أنها دخلت المنزل ووجدت ابنها نبيل منهمكا في تقطيع جثة أخته نوال، وأنها غادرت المنزل وعادت لاحقا للانتقام لابنتها وقتل نبيل، قبل أن تعمد إلى تقطيع جثته بحمام البيت، ووضعت الأشلاء داخل أكياس بلاستيكية بطريقة محترفة قبل أن تضعها داخل حقيبتين، وضعت في الأولى الجزء السفلي لابنها نبيل، وفي الحقيبة الثانية الجزء العلوي لابنتها نوال، واستقلت قطارين في زمنين متباعدين، ووضعت في كل واحد منهما حقيبة، وغادرت المحطة قبل انطلاق القطارين، حيث وصلت أشلاء نبيل إلى مراكش، فيما حطت أشلاء نوال بمحطة الدارالبيضاء، كما عثر الشرطيون على الجزء السفلي من بطن نوال وأجزاء من فخديها ورجليها بالقرب من حمام النصيري بحي وجه عروس وحمام الزرهونية بذات المدينة، في حين عثرت على رأس وصدر جثة "نوال" بالقرب من حمام "اليمامة".