شهدت مدينة مكناس عشية يوم الخميس، إعادة تمثيل وقائع الجريمة التي هزت الرأي العام المكناسي والمغربي، والتي ذهب ضحيتها الشقيقان «نبيل» و«نوال»، وكانت بطلتها الأم فاطمة، وذلك أمام جمهور غفير متلهف لمعرفة التفاصيل. وقد قدمت الظنينة داخل بيت الأسرة، وهو مسرح الجريمة، تفاصيل ارتكاب جريمتها ضد ابنها وطريقة تقطيعه إلى أشلاء وتلفيفها ووضعها في حقائب، ونقلها، هي وأشلاء جثة «نوال» إلى محطات القطار والتخلص مما تبقى قرب حمامات منطقة «وجه عروس». ومن المنتظر أن يتم اليوم إحالة الظنينة فاطمة البالغة من العمر 57 سنة على الوكيل العام بمحكمة الاستيئناف ليتم الاستماع إليها تمهيديا من قبل قاضي التحقيق بذات المحكمة من أجل الكشف عن دوافع وملابسات ارتكاب الجريمة والتمثيل بالجثث ونشر الأشلاء بمدينة مكناس ونقل بعض أجزائها عبر القطار باتجاه الدارالبيضاءومراكش. «آصاحبي راه حنا نسينا البالز»، ينتبه أحدهم، قبل أن ينبس بها لزملائه، ليعود الجميع لأجل البحث عن الحقائب، في الوقت الذي كان فيه آخرون ينقلون الدمى البلاستيكية إلى بيت أسرة قتيلي قطار فاسمراكش. قبل وصول «الحقائب»، كانت فاطمة المتهمة الرئيسية حلت، رفقة العشرات من رجال الأمن، ببيت الأسرة رقم 10 بالزنقة 28 المكون من طابقين، بحي الوفاق بمكناس، الذي تشير مصادر متطابقة، أنه في ملكية «نوال»، التي كانت قد قضت مدة بدولة الإمارات. أخفت فاطمة، المتوسطة البنية والبالغة من العمر حوالي 57 سنة وجهها تحت «قب» جلباب رمادي مغلوق لتفادي أخذ صور لها من قبل الصحافيين. بعد نزولها من سيارة الأمن ولجت فاطمة بسرعة قياسية باب البيت، الذي كانت مثبتة عليه رسالة لم تجد من يفتحها ومن يستطلع مضامينها منذ أسبوع، كما صدمتها رائحة تزكم الأنوف منبعثة من «البالوعة المفتوحة» المحاذية للباب التي زارها عناصر «مسرح الجريمة» ليلية الخميس. بالطابق السفلي للبيت المكسو ب«الزليج» على الطريقة التقليدية المغربية، جلست فاطمة، على أريكة محاذية لغرفة نوم فارغة إلا من سرير وملابس وغيارات متبعثرة هنا وهناك، لتنطلق في تقديم التفاصيل حول كيفية قتل ابنها «نبيل»، البالغ من العمر إحدى وثلاثين سنة، وتقطيع جثته، ووضع الأشلاء فيما بعد في أكياس بلاستيكية ثم حقائب سفر في اتجاه محطة القطار والحمامات الثلاث بحي «وجه عروس». فالمتهمة حسب المعلومات المستقاة من عين المكان، قالت للمحققين، إنها ليلة السبت الماضي، بعد أن عادت الى البيت وجدت ابنيها نبيل، البالغ من العمر 31 سنة ونوال البالغة من العمر 27 سنة في حالة سكر طافح، الشئ الذي أثار غضبها ودفعها إلى مغادرة المنزل لقضاء الليل عند أحد أقاربها بحي المنصور، هذا دون معرفة هل شهدت الأم، لحظة حضورها البيت، مشادة كلامية بين نبيل ونوال وتبادل ضرب بين الاخوين.. فاطمة، تقول دائما، حسب ما تسرب من معطيات أنها صدمت لدى عودتها الى البيت يوم الأحد لتفاجأ بنبيل، الذي قيل لنا أنه شاب هادئ غير أن أعصابه تنفلت كلما طفح سكره، منهمك في تقطيع جثة نوال. وحين سؤالها له عن فعلته، أمرها بالتزام الصمت وإلا كان مصيرها نفس مصير الابنة نوال. غادرت الأم المنزل لتعود لاحقا مسلحة ب«مدية»، حيث باغتته بضربة «غادرة» أردته قتيلا، قبل أن تعمد الى تقطيع جثته بحمام البيت، ووضعها في بادئ الأمر في «مبرد» بالمطبخ، ثم في مرحلة ثانية تغليف الاشلاء في لفافات بلاستيكية بشكل لايجعل الدم يسيل منها في المكان العام ووضعها في حقائب اقتنتها لذات الغرض. هل سمع الجيران صوت الاستنجاد سواء في حالة قتل نوال أو نبيل؟ هل قامت بكل هذا لوحدها؟ أم بمعية خليل لها؟ أو هل تقطيع الأشلاء قامت به لوحدها أو بمساعدة جزار مثلا؟ هل استعملت ناقلة لإبعاد الاشلاء؟ ماهي طبيعة العلاقة بين نبيل، العاطل ونوال الحلاقة.. هل هي حميمية الى هذا الحد الذي يجعلهما يعاقران الخمر معا و(...).. أسئلة تتداولها ساكنة مكناس، وهي تسترجع جريمة قتل «المحامي وزوجته»، وجريمة قتل مسؤول الشؤون العامة بولاية مكناس، حاولنا الإجابة عنها فلم نستطع.. وقد تأكدت فرق البحث من أن هذا البيت كان مسرحا للجريمة، إذ تمكنت أجهزة الأمن، مستعينة بكلاب مدربة، من تحديد آثار بقع دم لم تنجح عمليات التنظيف من محوها، وهي دماء تعود إلى الضحيتين. توجهت فاطمة، التي سبق أن قضت عقوبة حبسية سنة 1995 لتعاطي الخمر والفساد، إثر ذلك إلى محطة القطار الأمير عبد القادر مكناس متأبطة حقائبها، واحدة تضم الجزء السفلي ل«نبيل»، والأخرى تضم الجزء العلوي ل«نوال»، استقلت قطارين في زمنين متباعدين غادرتهما لحظات بعد ذلك في محطة الأمير عبد القادر بنفس المدينة، تاركة حقيبتيها هناك، على أمل أن تصل الحقيبتان إلى كل من سيدي قاسم والقنيطرة، كما استقينا ذلك من عين المكان، فإذا بأشلاء نبيل تصل الى مراكش، ونوال تحط الرحال بالبيضاء. وكان مراقب القطار القادم من مدينة فاس في اتجاه مراكش، ليلة الأحد الاثنين الماضيين قد أَثَارَهُ بالقرب من مرحاض إحدى المقطورات كيس بلاستيكي موضوع في حقيبة رمادية تسيل منها دماء بينت التحريات الأولية أن الأمر يتعلق بأطراف سفلية لجثة بشرية ذكر. وبالدارالبيضاء تم العثور بنفس الليلة على الجزء الأعلى لجسم امرأة مخبأ في حقيبة مماثلة حوالي الحادية عشرة من ليلة الأحد الاثنين بمحطة القطار الميناء بالدارالبيضاء. وقد عثر على هذه الحقيبة من طرف عون يشتغل مع المكتب الوطني للسكك الحديدية، داخل قطار يربط فاسبالدارالبيضاء كان انتقل إلى محطة الصيانة. ولدى عودتها إلى البيت، تخلصت الأم من باقي الأشلاء في أماكن مختلفة قريبة من مكان الجريمة، قرت مجموعة من الحمامات. وكان قد عثر الاثنين الماضي بمنطقة الخالية قرب حمام «النصيري»، بحي «وجه عروس» على الجزء السفلي من بطن «نوال» وأجزاء من فخديها ملفوفة في أكياس بلاستيكية بمحاذاة حقيبة رمادية. كما عثرت بالقرب من حمام «الزرهونية» على أجزاء من رجليها. وكانت الشرطة أيضا عثرت بنفس المنطقة على رأس وصدر وأطراف عليا لجثة «نوال» في حقيبة ذات لون أزرق بالقرب من حمام «اليمامة». ولمواصلة إعادة تشخيصها للجريمة غادرت فاطمة بيتها دون رجعة، تاركة الطفل الصغير عادل، ابن ابنتها التي توجد حاليا في لبنان وحيدا متأبطة بعد الغيارات والملابس التي طلبت من المحققين ان يسمحو لها بنقلها، ومنها منديل أسود وضعته في المرحلة الثانية على وجهها. وحين وصولها إلى المنطقة المحاذية لحمام «النصيري» واجهت، سيلا من السب والشتم من قبل عشرات المواطنين، الذين قدموا لمتابعة أطوار إعادة تمثيل الجريمة، لتختتم مراحل إعادة تشخيص الجريمة بمحطة القطار الأمير عبد القادر. ففي الوقت الذي وصف فيه مصدر مقرب من التحقيق أن هذه الجريمة بالنسبة لمدينة مكناس، جريمة منعزلة في المكان والزمان، معتبرا سبب اقترافها واه.. تطور في حالة من «البلادة» و«الهستيريا» إلى جريمتين بشعتين، يقول أحد الاعلاميين: «باين هاذي، هي الفاعلة الرئيسية، غير هاذ الطريقة باش تتقطر التفاصيل ودمها بارد.. غادي يخلينا أمام مفاجأة اكتشاف معطيات أخرى في التحقيق التمهيدي في المحكمة».. في الوقت الذي حيى فيه السكان جهود جميع فرق التحريات في فك لغز هذه الجريمة في وقت قياسي.. حد الكم الكبير من رجال الأمن وسائل الاعلام الوطنية وضيق المكان، الذي ارتكبت فيه الجريمتان في حق «نبيل» و«نوال» وتقطيعهما، من مرور عملية تمثيل الجريمة في ظروف أحسن.