تعجز الزاهية التي نشأت في وسط قروي محافظ عن تقبل أسلوب تربية أحفادها، ما يدفعها إلى انتقاد تصرفاتهم وتوجيه اللوم لأبنائها، متهمة إياهم بالتمرد على العادات التي تربوا عليها في صغرهم، بينما يحاول الحاج عبد الله بشتى الطرق إقناع إبنه بتغيير أسلوب تربيته ومعاملته لحفيده الشقي، ما يكون سببا كافيا لاندلاع المشاكل بين أفراد العائلة الواحدة. بعد وفاة زوجها، وجدت الحاجة الزاهية نفسها أسيرة للوحدة والملل داخل منزلها القابع بإحدى القرى النائية، حيث تنعدم أبسط شروط العيش، ما جعلها تحرص على التنقل بين منازل أبنائها المقيمين بالمدينة، والذين تمنعهم ظروف عملهم من زيارتها والاطمئنان عليها من وقت لآخر. غير أن الأيام القليلة التي تقضيها الجدة في منازل أبنائها تأبى دوما أن تمر دون حدوث شجارات ومشاحنات تعكر صفو علاقتها بأفراد عائلتها، بسبب إصرارها على التدخل في شؤون أحفادها وأسلوب تربية أبنائها لهم. تتدخل في شؤون أحفادها «هاذ الضسارة ما كانتش ف الزمان ديالنا... واش هكذا أنا ربيتكم؟»، بمثل هاته العبارات تخاطب الحاجة الزاهية أبناءها الثلاثة، كلما أرادت التعبير عن غضبها وعدم رضاها عن التصرفات التي تصدر عن أحفادها في وجودها، وأسلوب أبنائها في تربيتهم والتعامل معهم. فالسيدة التي تخطت عتبة السبعين من العمر، اعتبرت أن أبناءها ضربوا عرض الحائط كل تضحياتها والمجهودات التي بذلتها من أجل تربيتهم بسبب الأسلوب المناقض الذي اتبعوه في تربية أبنائهم، وتمردهم على عادات الأسرة القروية والمحافظة التي ينتمون إليها. تعجز الحاجة الزاهية عن كتم غيضها، وهي ترى إحدى حفيداتها ترتدي ملابس ضيقة تظهر كل ما يجود به جسدها الغض من مفاتن، قبل أن تغادر المنزل دون أن تخبر والديها عن وجهتها، ولا تعود إلا في فترة المساء، بعد غروب الشمس، أو عندما تلحظ غياب حفيدها، وتكتشف أنه ينوي قضاء الليل في منزل أحد أصدقائه. كل تلك الأمور كانت مستحيلة الحدوث في القرية حيث ترعرعت، واستقرت مع زوجها وأبنائها. تصرفات الأحفاد التي لا تروق في غالب الأحيان للجدة، كانت تدفع الأخيرة إلى توبيخهم بشدة، قبل أن توجه أصابع الاتهام لأبنائها، وتحاول إقناعهم بضرورة تغييرهم لأسلوبهم في التعامل مع أبنائهم، معتبرة أن هامش الحرية الكبير الذي يستفيد منه أحفادها بالإضافة إلى المال الكثير الذي يحصلون عليه من آبائهم، سيكون لهما عواقب سلبية على حياتهم ومستقبلهم. في المقابل يتشبث أبناء الحاجة الزاهية بآرائهم والأسلوب الذي ينهجونه في تربية أبنائهم، فهم يرون أنه يتناسب مع نمط الحياة التي يعيشونها، ويطالبونها بالتعايش مع ظروف العيش في المدينة والعادات السائدة فيها. الجدالات بين أفراد العائلة الواحدة كانت تصل دوما إلى الطريق المسدود، فالجدة كانت ترفض ما يقدم لها من مبررات، بينما يرفض الأبناء والأحفاد على حد سواء فكرة تدخلها في شؤونهم وانتقادها الدائم لتصرفاتهم. تحولت زيارات الجدة المتكررة إلى مصدر إزعاج بالنسبة لأحفادها على وجه الخصوص لأنهم يعتبرون إصرارها على إبداء آرائها وانتقاد تصرفاتهم محاولة لتحريض والديهم على حرمانهم من هامش الحرية الكبير الذي يتمتعون به. ينتقد أسلوب تربية حفيده يمتطي الحاج عبد الله الحافلة، ويتوجه إلى منزل ابنه الذي يقيم بنفس المدينة، كلما سنحت له الفرصة بزيارته، ليقضي في بيته بضع ساعات، ويعود أدراجه، بعد أن يبح صوته من كثرة انتقاده لابنه وأسلوبه المرن في تربية الحفيد المشاغب الذي لم يتجاوز بعد الأربع سنوات. فالحفيد «المشطون» لم يكن يكتفي بتكسير لعبه فقط، بل كان يتنقل بين غرف المنزل، ويعبث بكل الأغراض التي يصادفها في طريقه، ويقوم برميها من النافذة، بينما يكون الصراخ والأصوات المزعجة طريقته للترحيب بجده، الذي لم تكن تزعجه تصرفاته، بقدر ما يزعجه ويغضبه رد فعل ابنه الذي كان لا يقوم بتوبيخ الحفيد وضربه بشدة على شغبه والتصرفات المزعجة التي تصدر عنه، بل يبتسم في وجهه ويلاعبه. الحاج عبد الله الذي يتميز بطبعه الحاد، والذي اعتاد أن يتعامل بقسوة مع أبنائه، ومعاقبتهم بشدة في حال الخطأ، وبعد أن أكسبته السنوات الطويلة التي قضاها في الخدمة العسكرية الكثير من الصرامة، وجد نفسه غير قادر على التزام الصمت والبقاء في وضعية المتفرج، وهو يرى مختلف مظاهر الفوضى و«الروينة» التي يحدثها حفيده داخل المنزل، دون أن يتعرض للعقاب على يد والديه. رد فعل الأب اتجاه ابنه كان يستفز الجد الذي يرى فيه تشجيعا للحفيد على التمادي في تصرفاته المزعجة، ويدفعه في أكثر من مرة إلى انتقاد ابنه بل ويثور في وجهه، قبل أن يغادر في حالة من الغضب إلى منزله، متجاهلا دعوات الابن له بالبقاء، ويعود إليه بعد أيام مجددا ليردد على مسامعه نفس الانتقادات. بالرغم من فشل كل محاولات الجد في إقناع ابنه بأن أسلوب «لفشوش» الذي يتبعه في تربية ابنه سيجعل منه طفلا مدللا وشخصا اتكاليا في المستقبل، مازال الحاج عبد الله يصر على فرض أسلوبه الخاص في التربية، فيتولى بنفسه مهمة توجيهه، بل ومعاقبته كلما أخطأ، وهو ما كان يرفضه الابن وزوجته بشدة ويدفعهما في كل مرة إلى توجيه اللوم إلى الجد على قسوته وإفراطه في استعمال العنف ضد حفيده.