يجد بعض الأزواج صعوبة في تقبل مساهمة زوجاتهم في مهمة الإنفاق داخل الأسرة، خاصة إن كن يتقاضين راتبا أكبر، ما يكون سببا في شعورهم بالدونية، ويؤدي إلى نشوب الخلافات والمشاحنات اليومية كما حدث في حالة كل من عبد الله ومحمد. تولى عبد الله مهمة الإنفاق على أسرته لسنوات طويلة، حرص خلالها على إرضاء جميع متطلبات منزله وتوفير شروط العيش الكريم لأبنائه الأربعة، حتى لا يشعر أحد منهم بأي نوع من الحرمان أو النقص. كان الزوج ذو الثامنة والأربعين عاما يستمد الكثير من الثقة والشعور بالرضى من خلال قيامه بدور الإنفاق على أسرته، في الوقت الذي كانت فيه الزوجة تتحمل مصاريفها الشخصية فقط، لكن ذلك الوضع لن يدوم لفترة طويلة، وسرعان ما سوف يسحب البساط من تحت قدميه بمجرد أن تستفيد زوجته من الزيادة في راتبها. أصبح «راجل لمرا» أثبتت زوجته نفسها في مجال عملها، فأصبحت تشغل منصبا مهما بنفس الشركة حيث يشتغلان، وتتقاضى ضعف راتبه، بينما لم يتغير وضع عبد الله في عمله، كما بقي راتبه على حاله. أصبح الشعور بالدونية يلازم عبد الله داخل الشركة حيث صار يشعر بأنه «راجل لمرا»، بعد أن أصبحت زوجته تمتلك صلاحيات أكثر منه، ويحسب لها ألف حساب من طرف معظم المستخدمين من زملائه على وجه الخصوص. بات الزوج يشعر بأن دوره قد تقلص أيضا داخل المنزل، وبأنه لم يعد الآمر والناهي كما كان في السابق، فلقد أصبح يفاجأ كلما عاد إلى المنزل بأن زوجته قد اقتنت أغراض جديدة، أو غيرت في آثاث المنزل دون أن تقوم باستشارته، أو تطلب منه المال، الأمر الذي أصبح سببا دائما في نشوب الشجارات بين الزوجين. عبد الله الذي اشترط على زوجته منذ بداية زواجهما أن يتولى بمفرده مسؤولية الإنفاق على الأبناء ويتحمل مصاريف المنزل، اعتبر بأن زوجته قد أخلفت وعدها، وأصبحت تتعمد استعراض عضلاتها والقوة التي تستمدها من راتبها الكبير، بهدف إشعاره بالعجز وعدم القدرة على تحمل مسؤولية الأسرة. في المقابل كانت ترى شريكة حياته بأن دورها كزوجة عاملة وأم يحتمان عليها أن تساهم في مصروف المنزل وفي عملية الإنفاق، ما دام كل ذلك يصب في مصلحة أبنائها والأسرة بشكل عام، ما جعلها تحاول بكل الوسائل إقناع عبد الله بوجهة نظرها تلك، لكن دون جدوى. لم يعد عبد الله يرى من حل يخلصه من المعاناة النفسية التي أصبح يعيشها، سوى تخلي زوجته عن وظيفتها، والاكتفاء بالراتب الذي يتقاضاه، ما جعله لا يتردد في مطالبتها بتقديم استقالتها، لكن الزوجة ظلت متمسكة بحقها في العمل وتحقيق استقلاليتها المادية، لينفتح باب المشاكل بين الزوجين علي مصراعيه، وتعكر المشاحنات اليومية صفو علاقتها، ضاربين عرض الحائط كل سنوات العشرة. يصب غضبه على أسرته جمعت بين محمد وزوجته علاقة حب دامت لسنوات، جعلتهما يتحديان الفوارق الاجتماعية والمادية، ويقدمان على خطوة الزواج، بالرغم من كون محمد يعمل مستخدما بسيطا بإحدى الشركات الخاصة، بينما تتولى الزوجة إدارة مشروعها التجاري الخاص الذي ورثته عن والدها، والذي يدر عليها الأموال الطائلة. كانت وعود الزوجة بأنها ستتأقلم مع شروط العيش التي سيوفرها لها محمد حسب إمكانياته المادية، كافية لجعل الرجل الأربعيني يتفاءل في تلك المرحلة بالمستقبل الذي ينتظره مع المرأة التي ستصبح أما لأبنائه. أنجب الزوجان مولودهما الأول، الذي بقدر ما أدخل الفرحة والسرور إلى بيت الأسرة، حمل معه في الوقت ذاته العديد من التغيرات، التي ستقلب بمرور السنوات حياة الأسرة رأسا على عقب. وجد محمد نفسه عاجزا عن تلبية متطلبات زوجته وابنه بسبب الراتب الهزيل الذي يتقاضاه، ما جعله في حاجة دائمة إلى مساعدة زوجته، التي ستتولى مهمة دفع مصاريف ابنها الدراسية بعد أن حرصت على تسجيله بإحدى المدارس الخاصة التي تتطلب لوحدها ميزانية تفوق ما يتقاضاه الزوج، في سبيل أن يحظى بالتعليم اللائق. مخالطته لأبناء الأثرياء بالمدرسة حيث يدرس، جعلت ابن محمد يشترط دوما الحصول على الملابس والأحذية الباهظة الثمن، وهي الأمور التي كان الأب يعجز عن توفيرها، فكانت طلبات الإبن تصطدم دوما برفض والده، بينما كانت تُقابَل بالاستجابة من طرف الأم. أصبح محمد عاجزا عن كتم غيضه، خاصة حين يرى ابنه يتوجه مباشرة لوالدته كلما أراد الحصول علي شيء، ما جعله يمتنع عن مرافقة زوجته إلى المحلات التجارية، لكونها من يتولى دوما دفع الفاتورة، وهو ما يشعره بالإحراج في تلك اللحظة، وبأن أنظار كل الزبناء تتجه صوبه. حاولت الزوجة بشتى الطرق إفهام محمد بأن مساهمتها في مصروف المنزل لا تتعارض مع دوره كمعيل أساسي للأسرة، وضامن لاستقرارها، لكن دون جدوى، فمحاولاتها كانت تزيد من حدة غضب محمد الذي أصبح يعبر عنه بتعنيف زوجته وابنه لأتفه الأسباب